القاهرة 03 سبتمبر 2019 الساعة 03:25 م
قصة : محمد مجي ـ المغرب
طفلان يتقاذفان الكرة في أرضية صلبة، تغطيها بقايا رمل، تعود لأحد أوراش البناء التي اتخذت المكان مستودعا لموادها في ما مضى.
الكرة تصدر صوتا مزعجا حين ترتطم بالأرض، يستمر الطفلان في لعبتهما بمزيد من الصراخ. أحدهما يبصق في الهواء عاليا، حسرة على قذفة قوية كادت أن تتخطى تلك الأحجار التي نصبوها فيما يشبه المرمى... الآخر يسخر منه مبرزا لسانه خارج فمه الصغير، ملابسهما رثة، تعلوها الأدران.
يستمر المشهد لبرهة قبل أن تغير الكرة مسارها بعد قذفة غير مركزة من أحدهما، وتتجه نحو أسلاك شائكة سيجت بها تلك الأراضي التي نبت فيها البصل والنعناع، علقت الكرة في السلك متدلية.
هرع الصغيران نحوها، ونزعها أول الواصلين إليها باندهاش شديد، ضغط عليها وقربها إلى اذنه، وعلم أن الهواء يتسرب منها، نظر إلى صديقه وقال بحسرة : إنها لم تعد صالحة للعب، ثم خبطها أرضا وعمد إلى قطعة زجاج وحز بها الكرة إلى شطرين فيما يشبه طربوشا، اعتمر كل واحد منهما نصف كرة فوق رأسه، ونظرا إلى تلك الأسلاك بحزن عميق، وقال أحدهما للأخر: لقد مات حلمنا وتبخر الهواء الذي كان قبل قليل كل شيء بالنسبة لنا.
أمسك أحدهما بيد الأخر، وسار الصغيران جنبا إلى جنب بخطى موغلة في البطء نحو حافة واد ملأته الأدران والمزابل، برك مائية آسنة كونتها بالوعات المنازل التي صرفت نحو الوادي، الضفادع تنقنق فيها، وينقر الدجاج ما طرحته تلك الأنابيب من الأطعمة الفاضلة، المكان فظيع ،الرائحة تزكم الأنف.
جلس الصبيان هناك على حافة الوادي، أرجلهما تتدلى من فوق حائط أسمنتي، ثم أخذ الصبيان يرميان جمرات صغيرة تجاه تلك البرك المائية، فيبتسمان حين يصيبان وسط البركة وتنتشر الموجات في كل الاتجاهات، ويتأففان حين تخطئ رمية أحدهما البركة لتسقط في تلك الأوحال مصدرة صوتا غريبا.
بوجهين شاحبين، استأنف الصغيران لعبتهما الثانية، وبين الفينة والأخرى يتمتمان فيما بينهما ويعقبان الأمر بقهقهة عارمة، أو يلطم أحدهما الأخر لطمة خفيفة على خده.
راقبت الوضع من فوق ذلك الجسر الصغير، الشمس بدأ لظاها يقسو قليلا، وأحسست بوقع تلك الأحجار التي يلقيها الصغيران نحو الوادي الآسن كأنها تسقط في أعمق نقطة بداخلي وتحدث ارتجاجا في معنى الإنسانية، والرعاية، والطفولة، والحلم.