القاهرة 03 سبتمبر 2019 الساعة 03:04 م
كتب : أحمد مصطفى الغـر
يُعد مسجد السلطان حسن من أضخم مساجد مصر عمارة، وأكثرها فخامة، وأعلاها بنيانًا، فهو درة العمارة الإسلامية المملوكية بالقاهرة، والمسجد الذي أنشأه السلطان الناصر "حسن بن محمد بن قلاوون"، يقع بجوار قلعة صلاح الدين الأيوبي، وكان السلطان حسن أحد أبرز سلاطين دولة المماليك في 1356م، واستمر العمل في بناء المسجد مدة 3 سنوات بغير انقطاع، حتى مات السلطان حسن قبل أن يكتمل البناء، فأكمله من بعده أحد أمراءه، وهو "بشير الجندار" الذي أتمه في عام 1363م، وكان الغرض من إنشائه تدريس المذاهب الأربعة: الشافعي، الحنفي، المالكي، والحنبلي.
ويعدّ مسجد السلطان حسن هو الوحيد من بين مساجد القاهرة الذي يجمع بين قوة البناء وعظمته، ورقة الزخرفة وجمالها، إذ له خصائصه التي لا يشترك معه فيها غيره، ما يجعل أثره قويًا في نفوس كل زائريه، حيث يشاهد الزائر دقة صناعة النجارة العربية، وروعة تطعيمها، وكذلك الصناعات النحاسية، حيث باب المسجد النحاسي يعدّ من أجمل الأبواب المكسوة بالنحاس في مساجد مصر، وهناك على أحد مدخلي القبة باب مصفح بالنحاس أيضا، وحشواته من الذهب والفضة على أشكال وهيئات زخرفية غاية الروعة والاتقان، وقد صدق الرحالة المغربي "الورثيلاني" حين وصف مسجد السلطان حسن بأنه لا ثاني له في مصر.
لم يبخل السلطان حسن في الإنفاق على مسجده، لدرجة أنه قال: "لولا أن يقال أن سلطان مصر عجز عن إتمام بنائه لتركت هذا المسجد لكثرة ما أنفق عليه"، إذ يعد هذا المسجد من أهم الآثار الإسلامية الموجودة في مصر، لأنه جمع بين ضخامة البناء وجلال الهندسة، ويضم الجامع 4 واجهات، تقع الواجهة الرئيسة في الضلع الشمالي، الذي يبلغ طوله 145 مترا وارتفاعه 37.80 مترا، ويؤدي الباب الرئيسي للمسجد إلى مدخل يؤدي للصحن، وهو مربع الشكل تقريبا يبلغ طوله 34.60 مترا، وهو مفروش بالرخام، وتتوسطه فسقية للوضوء تعلوها قبة خشبية تقوم على 8 أعمدة، وتتوافر في المسجد دقة الصناعة وتنوع الزخارف، كما تجمعت فيه شتى الفنون والصناعات، فيرى فيه الزائر دقة الحفر في الحجر ممثلة بزخارف المدخل ومقرنصاته العجيبة، بجانب براعة صناعة الرخام ممثلة بوزرتي القبة، وإيوانها، ومحرابها الرخامي، وكذلك المنبر ودكة المبلغ.
يتعامد على الصحن إيوانات المدارس الأربعة، وهو التخطيط المعروف بالتخطيط المتعامد، وتعد كل مدرسة مسجد صغير وكل واحدة منها مخصصة لتدريس مذهب من المذاهب الإسلامية الأربعة، وأكبر هذه المدارس مدرسة الحنفية ومساحتها 898 م2، وهذه المدرسة هي الإيوان الشرقي للجامع، أو ما يُعرف بإيوان القبلة، وبه منبر من الرخام الأبيض على يمين المحراب، وللجامع مئذنتان أقدمهما المئذنة القبلية، ويبلغ ارتفاعها عن صحن الجامع 81.60 متراً، أما المئذنة الشمالية البحرية فقد سقطت سنة 1654م، وجددها الوالي العثماني "إبراهيم باشا" سنة 1671م، وكان التخطيط الأصلي للجامع يتضمن إنشاء 4 مآذن، اثنان حول القبة بالواجهة الشرقية، والثالثة على يمين المدخل الرئيسي بالواجهة الشمالية، وعقب بناء المئذنة الثالثة سقطت 1261م، ومات أسفلها كثيرون، فأمر السلطان حسن بعدم بناء المئذنة الرابعة التي كانت ستبنى على يسار المدخل.
وقد وصف المستشرق "جاستون فييت" مسجد السلطان حسن بالقول "لا ريب أن هذا البناء العالمي الشهرة، والعظيم القيمة، رمز لمجد الإسلام وقوته وعظمته، مقررة معترف بها"، ووصفه المقريزى بقوله "لا يعرف فى بلاد الإسلام معبد من معابد المسلمين يحاكى هذا الجامع، وقبته التى لم يبن بديار مصر والشام والعراق والمغرب واليمن مثلها"، وقد حظى المسجد بعناية كبيرة حيث قامت لجنة حفظ الآثار العربية تحت إشراف المهندس "هرتس باشا" بجهد كبير فى عملية إصلاح عمارته المتعلقة بمبانى المسجد، فأكملت بناء المنارتين وأصلحت الجدران والرخام والنجارة والأرضية ما أعاد للمسجد رونقه، لتنهى أعمالها فى منتصف عان 1915م بتكلفة بلغت 40 ألف جنيه وقتها، وقد قصد المسجد فى العصر الحديث العديد من الشخصيات والرموز السياسية لزيارته، كانت أهم هذه الزيارات؛ زيارة الرئيس الأمريكى السابق "باراك أوباما"، ووزيرة الخارجية الأمريكية "هيلارى كلينتون"، وسفيرة الولايات المتحدة "آن باترسون"، وعدد كبير من سفراء الدول لدى القاهرة.
ونظرا لموقع المسجد الاستراتيجي، فقد اتخذه المماليك المتمردين بصفة متكررة مقرًا لشن هجماتهم على القلعة، ولهذا السبب قام السلطان برقوق، في القرن الـ14 بإصدار أوامره بإزالة الدرج المؤدي إلى الجامع، وكذلك الدرج المؤدي إلى المئذنة، إلا أن الدرج أعيد بناؤه في القرن الـخامس عشر.
وقد قال جومار في كتاب "وصف مصر"، عن مسجد السلطان حسن، إنه "من أجمل مباني القاهرة الإسلامية ويستحق أن يكون في المرتبة الأولى من مراتب العمارة العربية بفضل قبته العالية وارتفاع مئذنتيه وعظمة اتساعه وكثرة زخارفه"، ولعظمة المسجد؛ فإن الحكومة المصرية لا تزال تضع صورته على العملة المصرية فئة الـ100 جنيه حتى الآن.