القاهرة 20 اغسطس 2019 الساعة 11:01 م
التعافي .. مِن أُم غيْر مُحِبة (1)
*د.فايزة حلمي
تقول الكاتبة (Peg Streep ): " من بين أسئلة قرّاء كتابي" Daughter Detox " الابنة المُعافاة مِن السموم"التعافي من أم غَيْر مُحِبَّة واستعادة حياتك ، سألني، اثنان,
الأول سؤاله يَكْمن في جَوْهر المسألة ، والقلق العميق الذي تشعر به كل إبنة غير مُحَبّبة لعدم وجود مَخْرَج وشعور دائم بالرعب لأسباب كثيرة: "هل من الممكن التعافي مِن تعاملات الطفولة؟" والثاني سؤالة أكثر حَدْسَا :"في حالة كوْنَك قد مررت بطفولة مدمرة: "كيف تعرف أنك بدأت في التعافي؟"
الإجابة على السؤال الأول ، نعم ، على الرغم من أن التعافي في هذا السياق لا يعني "جيدة كالجديدة"، ولا يعني أيضا أنك ستحصل على نفس مزايا المعاملة المنزلية لإبنة مَحبوبة ومَدعومة جيدًا, نَمَت تثق بمشاعرها وتَعرِف أنها تستحق.
على كل واحد منا أن يكتسب الإرتباط الآمن الذي نفتقر إليه, وغالبًا ما تكون واحدة من أكبر العقبات التي تعترض طريق التعافي من خبرات الطفولة هي رؤيتنا غير الواقعية لما يبدو عليه التعافي.
ماذا يعني التعافي من خبرات الطفولة؟
ترى الثقافة الغربية أن كلمة التعافي تَعْنِي حَرْفيًا "أن تكون كاملة", أيّ أن تعيد شيئًا ما أو شخصًا ما إلى حالة غير تالفة ؛ عند تلف شيء ذي قيمة، مثل لوحة أو قطعة أثرية أخرى، فإن مُهِمَّتنا هي دائمًا إصلاحه بطريقة تبدو وكأن الضرر لم يحدث أبدًا.
وهذا معناه أن يكون عقلنا وصل لمرحلة الشفاء العاطفي تماما مِن الطفولة وهو أمر مستحيل بالطبع, لهذا السبب ، أعتقد أنه من الأكثر إنتاجية التفكير في التعافي بإستخدام فن الترميم الياباني بإعتباره الإستعارة التوجيهية, عندما يتم تكسير عنصر خزفي ذي قيمة أو غال، يقوم اليابانيون بإصلاح القطعة بالطِلاء الممزوج بالمعادن الثمينة مثل الذهب أو الفضة أو النحاس, بحيث تكون الفواصل ليست فقط غيْرمرئية, بَل تشكل نمطًا خاصًا بها ، مما يدل على تاريخ الموضوع أثناء تحويل شكله, ويظل الموضوع الذي تم إصلاحه هو نفسه القديم, ولكنه يصبح رمزا للمرونة والجمال المُتَصَوَّر حديثًا.
ما الذي تتعافى منه؟
تعتقد معظم الفتيات خطأً أنهن بحاجة للشفاء من قلة الحُب الذي عانين منه ، لكن في الحقيقة ، هذه مجرد قطعة صغيرة جدًا من الكعكة ؛ الأهم من ذلك بكثير هو أن تكون قادرًا على رؤية كيف شكّلتك معاملة أمك بطرق كبيرة وصغيرة, تؤثر عليك فيما بعد حين تكون راشدا, دون أن تكون قادرًا على رؤية مصدرها.
وقد تعتقد أن السلوكيات التي تعيق سعادتك وقدرتك على الازدهار هي سِمات فطرية ، ولكنها ليست كذلك, بعض منهم مهارات تأقلم غير قادرة على التكيّف مع المجتمع تعلّمتها في مرحلة الطفولة ، مثل إبعاد مشاعرك أو إنكارها، لمحاولة عدم لفت الإنتباه إلى نفسك ، وعدم السماح لنفسك أبدا بالتعبير عن رأيك ، ومحاولة إكتشاف كيفية إرضاء الناس أولاً وقبل كل شيء.
وستظل بعض المهارات لم تتعلمها في مرحلة الطفولة, لأن التعلّم يتطلب أمًا متفانية تهتم بالإحتياجات العاطفية لطفلها ، كأن تتعلّم تهدئة نفسك في أوقات التوتر، والقدرة على التحدث والتعرف على مشاعرك.
وتركز جميع الفتيات غير المحبوبات على قلة حب الأمهات، معتقدين أن هذا هو ما يحتجن للتعافي منه، لكنهن مخطئات, ينطوي العمل الحقيقي على إزالة السلوكيات التي تعيقنا وتَحدَّنا وتَعَلّم تلك التي لا تفعل ذلك, ويمكن تحقيق ذلك على أفضل وجه من خلال العمل مع معالج موهوب ، على الرغم من أن المساعدة الذاتية يمكن أن تعزز الإدراك والنمو جيدا.
وتبدأ الثغرة التي تركها الشعور بعدم المحبة في الإمتلاء، ببطء ولكن بثبات، عندما تبدأ في النمو والتغيير والإزدهار, ولا أعتقد أن الثغرة تختفي تمامًا، لكنها في النهاية تصبح صغيرة، مليئة بالأنهار البراقة من التجارب والصِلات الجديدة مثل قطعة تم إصلاحها بواسطة فَن الترميم الياباني.
علامات على أنك بدأت في التعافي:
هناك اختلافات فردية بطبيعة الحال ، ولن تعاني كل إبنة من الجروح نفسها أو تفتقر إلى نفس المهارات بالضبط ؛ هذه تعميمات واسعة لذا عليها أن تختار تلك التي تناسبها, على الرغم من أنه لا يناسب الجميع بدقة ، إلا أن الكثيرين منا قادرون على إستخدام العلامات لتقييم تقدُّمنا, يرجى أن تضع في إعتبارك أن التعافي هو عملية إعادة التعَلم والتي لا تتم بطريقة خَطيّة؛ هناك خطوات للأمام, وخطوات للخلف حيث تقع في الأنماط الإفتراضية القديمة والتي من المؤكّد تمامًا توقّعها, لا تحكم على نفسك بقسوة, وتذكر أن هذا سباق الماراثون(سباق لمسافة طويلة), وليس سِباق العَدْو السريع. .
*مستشار نفسي وكاتبة/مصر