القاهرة 20 اغسطس 2019 الساعة 10:27 ص
د. هناء زيادة
فقدت الأوساط الأدبية العالمية قبل أيام قليلة، الروائية المتوجة بجائزة نوبل للآداب "توني موريسون"، التي اشتهرت بوصفها أحد أبرز رموز الأدب الأمريكي المعاصر، والمعروف عنها دفاعها المستميت عن حقوق الأقليات، بعد وفاتها عن عمر 88 عاماً. اسم موريسون الحقيقي الذي سُميت به عند ولادتها في 18 فبراير 1931 هو "كلوي أردَليا وفورد"، وكانت الثانية بين أربعة أطفال للعائلة، استقرت عائلتها في لورين بولاية أوهايو، بعد قرار والديها بمغادرة الجنوب الأمريكي، وكان والدها يعمل لحاماً، لكنه كان يقوم أيضاً بأعمال أخرى لتعزيز دخل عائلته، أما والدتها فامتازت باهتماماتها الموسيقية، وكانت دافعاً وراء تعلق ابنتها بالأدب عبر الأغاني والحكايات الفلكلور التي كانت ترويها لها. حملت "موريسون" اسمها الثاني "انتونيا"، نسبة إلى القديس "أنتوني"، عندما تحولت إلى المسيحية الكاثوليكية في سن 12 عاماً، وقد اختصر أصدقاؤها في جامعة واشنطن لاحقاً اسمها هذا إلى "توني" الذي اشتهرت به.
عُرِفَ عن موريسون اهتمامها المبكر بالقراءة الأدبية، وقراءتها لأعمال جين أوستن وتولستوي في عمر مبكر، ثم جاء قرارها بدراسة الأدب الإنجليزي خياراً طبيعياً وضعها على مسار الانطلاق في حياتها الأدبية لاحقاً، كما أن تجربتها الجامعية الأولى وضعتها في مواجهة العنصرية، على الرغم من أن جامعة هوارد التي درست فيها كانت لعموم السود، إلا أن الطلبة فيها كانوا يُوزعون في مجموعات تبعاً لدرجة سواد بشرتهم. وفي عام 1953؛ انتقلت لدراسة الماجستير في جامعة كورنيل، واختارت موضوع الاغتراب، مركزة على موضوعة الرجل المغترب لدى كل من الروائية الإنجليزية "فرجينيا وولف" والروائي الأمريكي "وليم فولكنر"، مركزة على ثيمة الانتحار لديهما، عقب تخرجها قامت بالتدريس في جامعة هوارد، ثم تزوجت في عام 1958 من "هارولد موريسون"، المعماري المولود في جامايكا، وأنجبت طفلين.
انضمت موريسون إلى إحدى مجموعات الكتابة الأدبية، وألّفت قصتها الأولى عن شابة سوداء تصلي يومياً من أجل أن يمنحها الرب عينين أكثر زرقة، تعتقد أن عالم القهر الذي تعيشه سيتغير عبرهما، وقد بنتها على تجربة شعورية حقيقية لإحدى صديقاتها. أعقب ذلك أن اتجهت موريسون للعمل كمحررة في دار نشر "راندوم هاوس" في نيويورك عام 1963، وهي الدار التي ارتبطت معها لنحو 18 عاماً، وجودها في دار الكتب كان له أثر كبير في تنمية بعض اهتماماتها وقناعاتها اللاحقة، فعملت على نشر كتب عن الأفارقة من أمثال "وول سوينكا" و"غينو أتشيبي"، كما سعت إلى تقديم الكتّاب السود إلى دنيا النشر وعالم الكتب، فمنذ مطلع سبعينيات القرن الماضي، تقدمت موريسون بقوة إلى مقدمة المشهد الأدبي الأمريكي عبر مواهبها المتعددة كروائية وكاتبة مقالات ومسرحيات وأغان، كما ركزت كتاباتها على تجارب النساء في مجتمعات السود الأمريكيين، وقد تُوجت أعمالها بعدد كبير من الجوائز المرموقة، وفي المقدمة منها جائزة نوبل للآداب في عام 1993، فكانت أول إمرأة سوداء تنال هذه الجائزة في تاريخها.
وقد نوهت لجنة الأكاديمية السويدية في قرار اختيارها موريسون إلى الطريقة التي تستعمل بها اللغة نفسها، إنها لغة تريد تحريرها من قيود العرق، وفي مقابلة مع صحيفة الأوبزرفر قالت موريسون عن تكريمها هذا "شعرت أنني مُمَثلة، شعرت أنني أمريكية، شعرت أنني أوهايوية (نسبة إلى أوهايو) شعرت أنني أكثر سواداً من أي وقت مضى، شعرت أنني امرأة أكثر من أي وقت مضى". وقد عُرفت موريسون أيضاً بوصفها أستاذة أكاديمية بارزة قدمت محاضراتها بانتظام في عدد من الجامعات الأمريكية، وقد نالت مرتبة الأستاذية من جامعة برنستون.
كتبت موريسون أيضاً عدداً من كتب الأطفال بالتعاون مع ابنها الأصغر "سليد"، وهو رسام وموسيقي، توفي جراء إصابته بسرطان البنكرياس في عام 2010 بعمر 45 عاماً، وكانت حينها تعمل في روايتها "وطن" فتوقفت عن الكتابة فيها إثر وفاته، وقد كشفت لاحقاً أن محاولات أصدقائها مواساتها لم تفلح في إخراجها من حزنها وانقطاعها عن الكتابة. وفي عام 2015، قدمت موريسون روايتها الأخيرة "ليكن الرب في عون هذه الطفلة"، التي تحكي قصة شابة جميلة ظلت تعاني عذاباً جراء إساءة معاملة والدتها لها في طفولتها بسبب بشرتها السوداء الداكنة، وإلى جانب الكتابة الروائية، عُرفت موريسون بأنها كاتبة مقالات مؤثرة، تخصصت في قضايا العرق.
بدأت موريسون حياتها الروائية فعلياً، في عام 1970، عندما نشرت روايتها الأولى "العين الأكثر زرقة"، والتي هي تطوير لقصتها الأولى التي تجري أحداثها في مدينة لورين خلال فترة الكساد الاقتصادي، ثم نشرت روايتها الثانية "سولا" بعد ثلاثة أعوام، وكانت أحداثها تدور في ولاية أوهايو على مدى 46 عاماً من 1919 إلى 1965، أما عملها الملحمي الأهم فهو "نشيد سليمان"، الذي تم نشره في عام 1977، وكانت مفتتح سلسلة من الروايات التاريخية عن تجربة الأمريكيين السود، وهو ما لفت الانتباه إلى موهبة موريسون وتوج بجائزة نقاد الكتاب الوطني الأمريكية التي كانت مفتتح الجوائز المرموقة الأخرى التي حصدتها عبر حياتها الأدبية، وإعجاب الكثيرين لها حول العالم، ومن أبرز المعجبين بأدبها: هيلاري كلينتون، والممثل مارلون براندو، وأوبرا وينفري، والروائية مارغريت أتوود، والروائية والشاعرة الإنجليزية انتونيا سوزان بيات.
عُرِفَت موريسون بروايتها التي تناولت العبودية والتاريخ الاجتماعي للأفارقة الأمريكيين بأسلوب امتاز بلغة أدبية عالية حملت شحنة شجن وكثافة عاطفية مميزة وغنائية تقربه من لغة الشعر، وعن كتاباتها الأدبية واهتماماتها، قالت موريسون في مقابلة صحيفة: "عندما بدأت، كان هناك شيئاً واحداً فقط أردت الكتابة عنه: التأثير المدمر للعنصرية على المرأة السوداء والطفل، وهما أكثر وحدات المجتمعات التي لا حول لها ولا قوة وتفتقد للحصانة والحماية"، وقد جلبت الأعمال التي كتبتها أمثال محبوبة والعين الأكثر زرقة وفردوس وحب، لها جوائز مرموقة أخرى، كجائزة بوليتزر وجائزة حلقة نقاد الكتاب الوطني الأمريكية، كما حظيت بإعجاب ومتابعة الكثيرين في مختلف الأوساط العالمية، ومن بين التكريمات الأخرى التي حصلت عليها موريسون في حياتها أيضا وسام جوقة الشرف الفرنسي في عام 2010، كما حصلت عام 2012 على ميدالية الحرية التي تمنحها الرئاسة الأمريكية، كما ترجمت معظم روايات موريسون إلى العديد من اللغات العالمية، ومن بينها اللغة العربية.