القاهرة 13 اغسطس 2019 الساعة 09:27 ص
كتب: طلعت رضوان
قوت القلوب الدمرداشية (1892- 1968) والدها عبدالرحيم باشا الدمرداش، مؤسس الطريقة الدمرداشية فى التصوف..وإليه يرجع الفضل فى بناء (مستشفى الدمرداش) وتبرّع بالأرض بخلاف (الوقف) الذى خصصه للصرف على المستشفى بخلاف مائة ألف جنيه (بسعرسنة1927) وقت أنْ كان الجنيه المصرى أغلى من الجنيه الإسترلينى..وهذا المبلغ اشتركتْ فيه زوجته وابنته قوت القلوب.
تميــّـزتْ قوت القلوب (رغم أرستقراطيتها ولغتها الفرنسية) باندماجها فى الواقع المصرى..ومخالطتها للفئات الشعبية (خاصة الفلاحين) وحفظتْ الكثير من الأمثال الشعبية..وتعلــّـمتْ صناعة الفطير المشلتت والكعك..وفى نفس الوقت واظبتْ على حضورحفلات الأوبرا والباليه والكوميدى فرانسيز..والموسيقى الكلاسيكية (دراسة عنها بقلم دسوقى سعيد- مجلة الهلال- ديسمبر1949)
قوت القلوب أنشأتْ (صالونها الأدبى) الذى جمع أدباء عصرها..ونشرتْ كتابها الأول عن دار المعارف باللغة الفرنسية سنة1937بعنوان (مصادفة الفكر) وفى نفس السنة نشرتْ روايتها (حريم) عن دار(جاليمار) الفرنسية، بخلاف الروايات الأخرى والقصص القصيرة.
وإذا كانت نشرتْ روايتها (حريم) سنة1937، فإنها عالجتْ نفس الموضوع فى رواية أخرى عنوانها (رمزة: ابنة الحريم) صدرت عام1944.
الرواية بضمير بطلتها (رمزة) وهى ابنة أسرة ثرية..وعاشتْ طفولتها بين الجوارى اللاتى يمتلكهنّ رب الأسرة..وبعد أنْ أصبحتْ شابة ناضجة..وقرأتْ الأدب العالمى تساءلتْ: هل النساء اللائى عرفتهنّ وشاركتهنّ حياتهنّ..كنّ سعيدات؟ أجابت: لا أعتقد.. لقد كنّ على الأرجح غير ذلك..لم يكن فى أذهانهنّ أى معنى للحرية..وذكرتْ أنّ أمها وقعتْ فى الأسر عندما كانت تعيش فى استانبول..ومن حسن حظ أمها أنْ اشترتها سيدة طيبة (توفيقة هانم)..عوّضتها عن حنان أمها..وقد وعدتها بعتقها..ولكنها ماتت قبل أنْ تفى بوعدها..وبالتالى أصبحتْ جزءًا من ميراثها الذى انتقل إلى أخ عجوز لتوفيقة هانم. .وورثها هذا الضابط الانكشارى السابق، الذى باعها لتاجر العبيد. الراوية سألتْ أمها: تقولين يا أمى أنّ توفيقة هانم كانت تحبك، فلماذا لم تمنحك الحرية؟ ولماذا لم تفك قيدك قبل أنْ تموت؟ فكان رد أمها: وماذا كنتُ أفعل بالحرية؟ كنت لم أزل فى الرابعة عشرة، فماذا تعنى الحرية لصبية ليس لها أقارب فى تركيا؟
وعندما وصل رستم أغا (تاجر عبيد) اشترى الفتاة الصغيرة (أم الراوية) وتوجه بسفينته إلى ميناء بولاق بالقاهرة..وحكتْ لها أمها أنه كان يتم ربط البنات الجوارى بالعربات بدلامن الخيول..وكان تعليق الراوية: كنتُ أشعربالذل والمهانة..فقد كانت أمى تــُـعامل معاملة الخيول.
وبعد أنْ ماتت أمها..وبعد أنْ تجاوزتْ (رمزة) سن الطفولة وبلغتْ مرحلة النضج، تمرّدتْ على حبسها فى (الحرملك) مع غيرها..وعن هذه الفترة قالت: شعر أبى أننى لستُ القتاة التى يمكن حبسها مع الحريم..كان فى البداية يعاملنى ككلبة منزل..ولكننى كنتُ أذهب إلى مكتبه وأتصفح الكتب..ومع مرور الوقت اعتاد وجودى، بالرغم من أنه لم يقلها لى صراحة.
تتميز قوت القلوب فى روايتها بأنْ وضعتْ القارىء فى الزمن الحقيقى للأحداث، من ذلك ما ذكرته عن الخلاف الذى حدث بين الخديوى إسماعيل..وبين أخيه فى الرضاعة إسماعيل المفتش (وزيرالمالية) الذى رفض (وفق بعض المؤرخين) سياسة الاستدانة..ورفض الخضوع لتدخلات الدول الأجنبية..كما ذكرتْ على لسان زمرة أنّ والدها كان يستضيف أدباء عصره فى منزله، مثل محمود سامى البارودى وحافظ إبراهيم..وذكرتْ أنّ من أفضال الخديو إسماعيل أنه منع تجارة العبيد..وألزم الشرطة بتطبيق القانون..ولم يهتم الخديو بشكاوى تجارهذه التجارة غير الإنسانية.
زمرة (بطلة الرواية) أحبتْ اللغة الفرنسية، فأحضرلها والدها مدرسة فى المنزل فجاءتْ مودموازيل (هورتان) التى ستصيرصديقة لزمرة..وقالت عنها: تعلــّـقتْ بى وتعلــّـقتُ بها..وسمحتْ رمزة للفتاة زكية (ابنة جارية) أنْ تحضر دروس اللغة الفرنسية..وأتقنتها وتفوّقتْ فيها ((حتى صارتْ من أوائل المصريات اللائى صرنَ مدرسات درجة أولى..وعن مدرستها الآنسة هورتان فقد اعترفتْ أنها علــّـمتها- بجانب اللغة- العزف على البيانو..والتطريز..وكانت تشعر أنها جاءتْ ((من عالم آخر غير عالمنا)) وذكرتْ أنّ التعليم (فى المدرسة) كان بعدة لغات: التركية، الفرنسية، الإنجليزية والعربية..وكانت تدرس الرسم والموسيقى والغناء بمعرفة مدرسات إيطاليات..وسمعت مناقشة حامية (بين المدرسات) عن حق المرأة فى التعليم..ومنحها حقوق الرجل..وتحريرها من الحجاب..وعدم السماح بزواجها دون إرادتها.
دخلتْ رمزة مكتبة والدها وسحبتْ كتاب (تحريرالمرأة) تأليف (قاسم أمين) وعليه إهداء لوالدها..وبعد أنْ حكتْ لزميلاتها عن الكتاب، فرحتْ عندما وجدته- بعد أيام- فى أيديهنّ..وذكرتْ أنها كانت تقرأ الأدب الإنجليزى والأدب الفرنسى وكل كتاب تجده فى مكتبة والدها، الذى صار عضوا فى البرلمان المصرى..ودائم الإقامة فى (قصر القبة)..وكان يفرح عندما كانت ابنته رمزة هى التى تعد له طعام الإفطار..وتجلس بجانبه وهو يقرأ القرآن، ثم يطالع الصحف..وتعوّد أن يختتم (طقوسه الصباحية) بقراءة الالياذة التى قرأها أكثر من مرة.
عرضتْ عليها خالتها الزواج من شخص تعرفه فقالت رمزة: هل تظنين أننى سأقبل الزواج من رجل لا أعرفه؟ أنا سأختار زوجى بنفسى..وأنا لستُ جارية. تقدم المهندس (مدحت صفوت) لخطبتها..وكان تعليقها: إنّ والدها بسبب تفكيره الأوروبى وآرائه الليبرالية، سيبحث معى أمر زواجى..ولكن خاب توقعها عندما علمتْ من خالتها أنّ والدها وافق على الزواج..واشترط على الشاب أنْ نعيش مع والدى..وفى هذا المشهد تجسيد (واقعى) بلغة فن الرواية عن التناقض فى شخصية الوالد، الذى يـدّعى الليبرالية والانفتاح، بينما لازال يعيش بعقلية العصور الوسطى، كما ربطتْ بين الخاطب الذى لايعرفها ولاتعرفه، وبين بطل مسرحية (مدرسة الزوجات) تأليف الفرنسى (موليير) الذى انتقد عقلية الرجل الذى يعتقد أنّ دوره هو(ترويض زوجته)..ولذلك عندما علمتْ بأنّ الخاطب ترك لها هدية ثمينة (بروش) قالت: إنّ البروش كأنه (قيد حديدى)..ولكنه من الماس..فهل اشترانى إذن؟ وبينما عجلة الاستعداد للزواج تدور، فإنّ موقف رمزة لم تتغير..ونجح تمسكها برأيها..وانتهى هذا الفصل بموت الخاطب (مدحت) ليبدأ فصل جديد أو(مأساة) جديدة، حيث رفض والدها زواجها من الإنسان الذى أحبته..وإجبارها على الزواج من (شقيق الميت) حسب التقاليد الموروثة من عصور موغلة فى القــِــدم..وهوما يتمسّـك به والد المتوفى ووالد رمزة.
ومع نهاية هذا المشهد إلى آخر فصول الرواية، تبدأ (دراما تلاحق الأحداث وتطور الشخصيات)
رمزة لها صديقة اسمها (بهيجة) هذه الصديقة لها أخ اسمه (ماهر) الضابط بالحرس الخديو بسلاح الفرسان. رأته رمزة وهويقود فصيلة..وأعجبتْ بقوامه الممشوق..وقالت لصديقتها: ما أجمل شقيقك يا بهيجة، ستكون محظوظة مـَـن تتزوّجه..وارتفعتْ درجة الإعجاب بالضابط ماهر بسبب ما سمعته عنه من السيدات المشاركات فى حفل اسقبال الخديو..ودار الحديث حول شجاعته وبطولته عندما شارك الجيش المصرى فى السودان..ولذلك قالت رمزة: لقد أدارهذا الكلام رأسى. وأخذتُ معى إلى المنزل خيال الملازم الفارس على حصانه الأبيض الراقص، فكرتُ فيه اليوم كله.. وحلمتُ به الليلة بطولها..وقد تعوّدتُ على عدم كتمان مشاعرى. إننى غارقة فى الحب.. ولكنها أنهتْ شريط التداعى الحر بأنْ قالت لنفسها: لا تتعلقى بالوهم يا رمزة، فكيف ستقابلينه مرة أخرى؟
وجاءتْ الفرصة عندما علمتْ من بهيجة أنّ شقيقها الضابط سيكون ضمن حراسة الخديو الذى سيزور الآثار المصرية بأسوان والأقصر..وأنّ مسيو(ماسبيرو) سيكون فى صحبة الخديو ليشرح له تفاصيل وعظمة الحضارة المصرية.. ولكن أهم معلومة قالتها هى أنّ والد رمزة (باعتباره رئيس مجلس شورى النواب) سيكون فى رفقة الخديو..وما عليها إلاّ أنْ تطلب من والدها اصطحابها معه.. وأنها (بهيجة) ستكون رفيقة شقيقها الضابط.. وهكذا حدث اللقاء الثانى بين رمزة، التى فرحتْ عندما قالت لها بهيجة: إننى سأكون برفقة ماهر..ولما سمعتْ رمزة اسمه ارتفعتْ درجة حرارتها..ووسط آثار الجدود سمعتْ ماسبيرو يتكلم عن جمال نفرتيتى..وهى فى ثوبها الأبيض، الذى أبهرالأوروبيين فى العصرالحديث، خاصة (كشكشات البليسيه) التى صارتْ مودة فى كل أوروبا..هذا الحديث عن نفرتيتى ألهب العاطفة عندما التقتْ عيناها بعينى ماهر.
وكان اللقاء الثالث فى الأسكندرية، رمزة مع والدها فى فيلا فى باكوس..وماهر مع شقيقته فى الفيلا المجاورة..وعندما رأى رمزة فى الصباح أرسل لها قبلة فى الهواء بيده..وفى الإسكندرية سمعتْ عن الندوات الأدبية والسياسية فى (صالون الأميرة نازلى) بحضور النساء والرجال..وتمنتْ حضورهذه الندوات..ولكن ظروف والدها لم تسمح بذلك، فغادرا الأسكندرية التى ذكــّـرتها بأوروبا.
كتب ماهر خطابا لرمزة وأرسله مع شقيقته، طلب فيه تحديد موعد للقاء. للوهلة الأولى انتابها الفزع. تساءلتْ: أنا الفتاة المحتشمة المسلمة، أتقابل مع رجل ليلا؟ فهل أخدع والدى.. وأكسر المبادئ المقدسة للدين.. وأخاطر باللعنة والفضيحة؟ لا. لن أذهب. فهل أصرّتْ على رأيها؟ لقد تواصل تيار التداعي الحر داخل عقلها، فسمعتْ وجدانها يبوح لها: لو أننى لم أذهب، فربما أعرّض سعادتى للموت، فالتعرف على الحبيب والتعرف على نواياه جدير بالمخاطرة.. وعندما تقابلا وأمسك يدها حاولتْ الفرار.. ولكنه أوقفها.. وصرّح لها بحبه ورغبته فى الزواج منها.
بالتدريج بدأتْ العلاقة بينهما تتطور بشكل طبيعى (بتدبير من شقيقة ماهر) ولكن عندما سألته: متى سنتزوّج؟ وطلبتْ منه التقدم لوالدها.. ولكنها لاحظتْ تردده.. ولم تره إلاّ بعد أسبوعيْن حيث كان مع الخديو عباس فى رحلة صيد.. وبدأتْ تشك فى مصداقية حب ماهر لها.
ذهب واصف باشا (محافظ الإسكندرية) وقابل والد رمزة ليفاتحه فى رغبة ماهر الزواج من ابنته.. ولكن الأب رفض.. وكانت حجته أنّ ابنته ستتزوّج شقيق خطيبها الميت..وهذا هو العرف.. وهذه هى الأصول.. خاصة أنّ أسرة الخطيب الميت مدحت لم تــُـطالب برد هدايا الخطبة.. وطالما لم يستردوها تظل الخطبة قائمة. صرختْ رمزة ((الخطبة مع من؟ مع جثة مدحت)) وأنّ أسرته لها حق التصرف فى خطيبته.. ولهما ابنان.. وتركا لوالد رمزة الاختيار بينهما.. شعرتْ رمزة أنّ والدها وأسرة خطيبها الميت يعاملونها (كمتاع) لا إرادة له..وصاحتْ: معدتى تتلوى من القرف. ليس هذا فقط.. وإنما سيتم الزواج فى (صمت تام) لأنّ أم مدحت مازالت فى حداد على ابنها.
تعقــّـد الموقف أكثر عندما أعلن والد رمزة قطع كل علاقة مع أسرة ماهر(حبيب ابنته) الراغب فى زواجها.. وقال لابنته: هل أزوجك لضابط جلف. أنت فتاة غبية..عايزه ترحلى خلفه بقية حياتك فى السودان.. وتتنقلي من حامية إلى أخرى. ولما قالت له أنها وماهر متحابان.. قال لها: بصراحة يا ابنتى نحن نعيش فى الشرق والشرق لا يعترف بالحب.
قرّرتْ رمزة الهروب من منزل والدها.. وبصياغة أدبية ذكرتْ أنها أخفتْ نفسها فى الثياب السوداء التى تمحو شخصية المسلمات.. وهذا هو الفضل الوحيد لتلك الثياب. ذهبت إلى المعسكر.. وقابلتْ ماهر. طلبتْ منه الزواج فى نفس اليوم. لاحظتْ تردده.. ولكنه أذعن لرغبتها عندما أدرك إصرارها.. اعترض المأذون فى البداية..ولكنه وافق بعد الرشوة التى دفعها ماهر، بل إنه هو الذى أحضر الشاهدين مقابل رشوة أخرى.. واستشهد بحديث للنبى (صلى الله عليه وسلم) الذى قال: تكاثروا وتزوّجوا..إلخ.
أخذها ماهر إلى منزل أسرته، فإذا بوالده يوجه إليه قذائف الهجوم والتوبيخ..وقال لرمزة: يجب أنْ تعودى فورًا لوالدك..ولكنها رفضتْ العودة لأبيها..وفى نفس الوقت غضبتْ من ماهر لأنه خضع لأوامر أبيه..ولم يـُـدافع عن حبه.. وسيطر عليها الحنق لما سمعتْ والد ماهر يقول: زواجكما باطل. فوقف ماهر كالميت أمام والده.
سلــّـمها والد ماهر للشيخ عبد المعطى.. وقال له: إنه يأتمنه على فتاة ((غير متربية)) تزوّجتْ ضد رغبة والدها. فقال الشيخ: أنا عندى أيضًـا بنت.. وإذا فعلتْ هذا كنتُ خنقتها. قالت رمزة لماهر: لا أريد العودة لأبى. دعنا نخرج من هنا.. ونعيش أمام الله والناس كأى زوجيْن.. ولكن ماهر خذلها ولم يوافق.
اعتقدتْ رمزة أنّ والدها سيخضع للأمر الواقع..ولكنه أخبر مدرستها أنه سيقتلها إذا أصرّتْ على استمرار(هذا الزواج الباطل)
بعد هذه التطورات يبدأ التصاعد الدراماتيكى، عندما أقام والدها دعوى قضائية للفصل بينها وبين زوجها.. وفى المحكمة وصف المحامى الزوج أنه من طبقة حقيرة (طبقة الفلاحين) وقدم إقرارًا من السلطان عبدالحميد أنّ والد الفتاة (من الأشراف) لأنه من سلالة النبى (صلى الله عليه وسلم) وعندما رأتْ موقف ماهر السلبى قالت له: أنا كسرتُ ما بينى وبين أبى كى أتزوّجك، بينما أنت تعيش تحت طغيان والدك.
صدر الحكم بالفصل بين الزوجيْن..وتأيــّـد فى الاستئناف..كرّرتْ رمزة طلبها العيش كزوجيْن أمام الله.. ولكن ماهر رفض طلبها فقالت له: استمر عاقلا رزينــًـا وعــُـد لوالدك حتى لا يضربك. فقال لها: احفظى لسانك وإلا سأضربك، فقالت: بأى حق تتكلم معى؟ هل تعتقد أنك زوجى؟
وكان التطور الدرامى التالى عندما تقابل والد ماهر مع رمزة.. وقال لها: ماهر طلب منى أنْ أخبرك أنْ تعودى لبيت أبيك. قالت: يجب أنْ يحضر بنفسه ليقول لى ذلك، فرماها بكلمة فاحشة..وأضاف: ماهر غادر القاهرة..ولن تريه مرة أخرى.
وفى التطورالدرامى الأخير فإنّ رمزة سألت زملاء ماهر عن مكان الوحدة العسكرية التى نــُـقل إليها، فأخبروها (فى القصير) وبالرغم من جهلها بهذا المكان، وحتى بعد أنْ علمتْ بالمسافة البعيدة ومشقة السفر، قرّرتْ المغامرة دفاعـًـا عن إيمانها (بقيمة الحب وبرباط الزوجية) وبعد أنْ قابلته وعاشا بضعة أيام فى سعادة، إذا به ينهرها بغلظة.. وكاد يضربها أمام الناس، لمجرد أنها خرجتْ تتجول بين الناس، بينما هو في معسكره.. وقال لها: أنا أمنعك من التجول وسط الناس. تكفينى الفضيحة التى تسببت فيها، فقالت له: أنت يا ماهر لم تفعل شيئــًـا للدفاع عن حبنا غير النحيب كامرأة مغلوب على أمرها.. وعندئذ أدركتْ أنها أوهمتْ نفسها بالحب المُـخادع، فطلبت منه الطلاق لتكون هى المُـبادرة.. ولعلــّـه كان ينتظر تلك اللحظة، فقال لها: أنت مُـحرّمة علىّ مثل أختى..وافترقا إلى الأبد..وكانت آخر كلمات رمزة: سأستمر فى النضال حتى تنكسر قيود الشرق..وينكسر الطغيان الرجولى.
وهكذا جسّـدتْ المُـبدعة مأساة وضع المرأة حتى النصف الأول من القرن العشرين، باستخدام تقنيات فن الرواية..وبدون أدنى مباشرة، حيث تركتْ للأحداث وسلوك الشخصيات تجسيد رسالة الكاتبة..كما هو الأمر فى الإبداع الروائى الأصيل والمُـتميز.
تبقى ملحوظة أخيرة: حيث يغلب علىّ الاعتقاد أنّ الأديبة قوت القلوب الدمرداشية، كتبتْ رويتها مُـتأثرة بقصة حقيقية حدثتْ فى عصرها..هى قصة الشيخ على يوسف الصحفى، الذى نشأتْ قصة حب بينه وبين صفية بنت الشيخ السادات، الذى عارض زواجهما..ولكن الشيخ الشرقاوى استضافهما فى بيته وعقد عليهما. فأقام الشيخ السادات دعوى لبطلان هذا الزواج. استند المحامى فى دفاعه على أنّ: 1- الشيخ السادات من الأشراف ويعود نسبه إلى سلالة النبى (صلى الله عليه وسلم) 2- الزوج من الأعاجم يعنى من الفلاحين..ويمتهن مهنة حقيرة (مهنة الصحافة)..وصدرالحكم ببطلان الزواج والتفريق بين الزوجيْن..وبمقارنة تلك الأحداث الواقعية بما جاء فى رواية (رمزة) نجد التطابق..ولكن بلغة فن الرواية..وتلك الرواية وقصة الشيخ على يوسف تصلحان لإنتاج دراما سينمائية أوتليفزيونية من طراز رفيع..ومع ذلك فإنّ المُـبدعين غافلون عن تلك الدراما الاجتماعية، أوإنهم لم يقرأوا ما كتبه المؤرخون عن قصة الصحفى الشيخ (على يوسف) وزواجه من بنت الشيخ السادات.