القاهرة 30 يوليو 2019 الساعة 10:28 ص
ترجمة وإعداد: محمد زين العابدين
من ضربات الكويكبات،إلى تغير المناخ،إلى الحرب النووية،تواجه الإنسانية كل أنواع التهديدات الوجودية.لكن لو اختفى النوع البشري غداً،ما الذي يمكن أن يحدث في الواقع؟ وما نوع الكوكب الذي يمكن أن نتركه خلفنا؟!
نحن نعيش خلال فجر حقبة جديدة في تاريخ كوكبنا،تعرف بحقبة(الأنثروبوسين)،وقد قام البشر دائماً بتغيير مظاهر بيئتهم.لكن تأثير النوع البشري على الأرض وصل إلى مستوى يضع حداً للزمن الجيولوجي الحالي،فمن التلوث الجوي في طبقة الأوتموسفير بالغلاف الجوي إلى تراكم النفايات البلاستيكية بقاع المحيط،من المستحيل تقريباً أن نجد مكاناً على كوكبنا لم يلمسه النوع البشري ويؤثر فيه بشكل ما.لكن هناك غيوم سوداء تلوح في الأفق،فقد اختفى أكثر من 99% من الأنواع الحية التي تواجدت على الأرض،في الغالب خلال الزلازل والكوارث البيئية من النوع الذي تعرضت له الديناصورات وانقرضت بسببه،بينما لم تواجه البشرية مطلقاً حدثاً جللاً بهذا القدر،لكن إن آجلاً أو عاجلاً سوف نواجه هذا القدر!
*النهاية وشيكة!:الإنقراض البشري، يعتقد العديد من الخبراء بذلك،ليس مهماً احتمالية حدوثه،بل متى سيحدث،وبعضهم يعتقد أنه سوف يأتي عاجلاً وليس آجلاً!.أكد عالم الفيروسات الأسترالي البارز(فرانك فينر) عام 2010 أن البشر ربما ينقرضون في القرن المقبل تحت وطأة التضخم السكاني،والدمار البيئي،والتغير المناخي.بالطبع تستطيع الأرض-وسوف تستطيع-أن تنجو بدوننا.سوف تجاهد الحياة من أجل الإستمرار،وسوف تتلاشى العلامات التي تركناها على الكوكب،ربما بأسرع مما نتخيل.ستنهار مدننا،وتسقط الكباري."سوف تدمر الطبيعة كل شىء في النهاية"،هكذا يقول(آلان وايزمان)مؤلف كتاب"العالم بدوننا"الصادر عام 2007،والذي يبحث فيما سوف يحدث لو اختفى البشر من على وجه الأرض،ويقول"إذا لم يتم تحطيمها،فسيتم طمرها في النهاية"،وكل ما سيبقى من البشرية هو طبقة رقيقة من البلاستيك،والنظائر المشعة النشطة،وعظام الدجاجفي السجل الأحفوري،وكدليل على ذلك،يمكننا أن ننظر إلى مساحات الأرض التي أجبرنا على إخلائها على مدار السنين.في منطقة التسعة عشر ميلاً للإنفجار المحيطة بمفاعل"تشيرنوبيل"بأوكرانيا،والتي كانت قد أضيرت بتلوث إشعاعي حاد أعقب تحطم المفاعل عام 1986،تزدهر النباتات والحيوانات حالياً بطرق غير معهودة من قبل،وتعتمد سرعة إصلاح الطبيعة للغطاء النباتي بشكل كبير على المناخ السائد بالمنطقة.
*كائنات ستزدهر وأخرى ستندثر:الأنواع النباتية والحيوانية التي ارتبطت بروابط وثيقة مع الإنسان ربما هى المعرضة بشكل أكبر للمعاناة إذا انقرضنا.المحاصيل التي تغذي العالم،والتي يعول على ازدهارها بفضل المعاملات المنتظمة بالمبيدات والمخصبات الزراعية سوف تحل محلها سريعاً أسلافها البرية،سيتحول الجزر إلى صورته القديمة الشبيهةبشريط رقيق،وربما تعود الذرة إلى شكلها الأصلي القديم،حيث لم يكن كوز الذرةأكبر من سنبلة قمح،كما أن الاختفاء المفاجيء للمبيدات سيعني أيضاً حدوث انفجار في تعداد الحشرات،فالحشرات لديها القدرة على الحركة والتكاثر السريع،والعيش في أى بيئة تقريباً مما يجعل منها أنواعاً ناجحة جداً،حتى عندما يحاول الإنسان أن يوقف انتشارها بشكل فعال،وللحشرات القدرة على التحور والتكيف بشكل أسرع من أى كائن في كوكبنا ربما باستثناء الميكروبات،كما أن الإنفجار في تعداد الحشرات سيمثل بدوره وقوداً لزيادة أعداد الأنواع الآكلة للحشرات،مثل الطيور والقوارض والسحالي والخفافيش والعناكب،وعندئذ سيحدث ازدهار في تعداد الأنواع التي تأكل تلك الحيوانات،وهكذا سيسير المنوال تصاعدياً في السلسلة الغذائية.لكن،وكما يقول المثل"ما طار طيرٌ وارتفع إلا كما طار وقع"فتلك الأعداد الضخمة من الكائنات التي ستزدهر مع انقراض البشر لن تكون مستدامة على المدى البعيد بمجرد استهلاك الغذاء الذي تركه الإنسان خلفه،وسوف تستمر أصداء تأثير اختفاء النوع البشري على الشبكة الغذائية لأكثر من مئة عام في المستقبل،قبل أن تستقر الأمور وتعود لحالتها الطبيعية.بعض السلالات الأكثر برية من الماشية أو الأغنام يمكنها النجاة،لكن معظمها تمت تربيتها في ظروف من الرفاهية التي وفرها لها البشر من الطعام المجهز والمسكن الملائم،بحيث أنها سوف تموت بأعداد ضخمة عند انقراض البشر،وستكون فرائس سهلة للحيوانات المفترسة،والتي ستبدأ في التكاثر،وتلك الحيوانات المفترسة سوف يكون من بينها الحيوانات الأليفة التي يربيها الإنسان،والقطط مرشحة لهذا التحول أكثر من الكلاب،والذئاب ستكون ناجحة جداً في المعيشة،وستنافس الكلاب،أما القطط فهى عموماً من الأنواع الناجحة في الحياة على امتداد العالم،ففي أى مكان تذهب إليه تنمو وتزدهر.لكن السؤال الأكثر صعوبة في إيجاد إجابة له هو:هل يمكن أن تتطور الحياة الذكية ثانية؟
*البقاء للأذكى:هناك نظرية تفترض أن الذكاء البشري قد تطور لأنه ساعد أسلافنا الأوائل على النجاة من الكوارث البيئية،بينما تفترض نظرية أخرى أن الذكاء يساعد الأفراد على النجاة والتكاثر عندما يكونون في مجموعات إجتماعية ضخمة،أما النظرية الثالثة فتشير إلى أن الذكاء بكل بساطة هو مؤشر لسلامة الجينات البشرية،والسيناريوهات الثلاثة جميعها يمكن قبول حدوثها مرة أخرى في عالم ما بعد انقراض البشر،فأمخاخ الرئيسيات تحتل المرتبة الثانية في الحجم بالنسبة لوزن الجسم بعد المخ البشري،ويتمثل ذلك في قرود البابون،ويمكننا القول أنها تبدو الأكثر ترشيحاً لذلك،فهى تعيش في الغابات،ولكنها تعلمت أيضاً أن تعيش على أطراف الغابات،ولها القدرة على جمع غذائها بشكل جيد جداً من غابات السافانا،وهى تعرف كيف تشكل عصبة ضد المفترسات التي يمكن أن تواجهها.قرود البابون يمكنها أن تفعل ما فعلناه،ولكن من ناحية أخرى لا تبدو لديها دافعية لذلك،فالحياة بالنسبة لها جيدة تماماً كما هى على منوالها.
*تراثنا البشري الباقي:حتى لو اختفينا جميعنا غداً،فإن غازات الصوبة التي نفثناها في الغلاف الجوي سوف تمكث لعشرات الآلاف من السنوات لحين العودة لمستويات نقاء الجو فيما قبل العصر الصناعي،وبعد ذلك هناك موضوع المحطات النووية العالمية،والدليل الواضح من خلال تجربة مفاعل تشيرنوبيل يشير إلى أن الأنظمة البيئية يمكنها أن تعود خطوة للخلف بعيداً عن الإنبعاثات الإشعاعية،لكن هناك حوالي 450 مفاعلاً نووياً حول العالم سوف تبدأ في الانصهار بمجرد أن ينفد الوقود في مولدات الطواريء التي تزودها بالتبريد اللازم لها،هذا بالإضافة لمصادر التلوث الأخرى،فالعقود التي ستعقب انقراض البشر ستكون مدمرة بسبب الانسكابات النفطية المروعة،والتسربات الكيميائية،والانفجارات المختلفة الشدة الناتجة عن القنابل الموقوتة التي تركها الإنسان خلفه،وبعض تلك الأحداث يمكن أن تؤدي إلى حرائق ربما تظل مندلعة لعقود،فأسفل مدينة"سنتراليا"بولاية بنسلفانيا الأميركية هناك خط للفحم ما زال مشتعلاً منذ عام 1962 على الأقل،مما أجبر السلطات على إخلاء السكان المحليين،وهدم المدينة،واليوم تبدو المنطقة كروضة غناء ذات شوارع مرصوفة تمتد خلالها،بينما تتصاعد من تحتها أعمدة الدخان وغاز أول أكسيد الكربون.الطبيعة أصلحت فقط السطح الظاهر منها.ستبقى بعض الآثار النهائية للجنس البشري،حتى بعد مرور عشرات الملايين من السنين على نهايتنا،وستستغرق الميكروبات وقتاً لتتطور وتصبح قادرة على استهلاك المخلفات البلاستيكية التي تركناها خلفنا.ستكون الطرق والأطلال مرئية لآلاف السنين(والشاهد على ذلك أن الأعمدة الخرسانية الرومانية التي مر عليها ألفا عام ما زال يمكن التعرف عليها)،لكنها في النهاية سيتم طمرها أو تحطيمها بفعل قوى الطبيعة،وإنه لشعورٌ مطمئن أن فنوننا سوف تكون بعضاً من الأدلة الأخيرة على وجودنا من قبل،فالأواني الخزفية،والآثار والتماثيل البرونزية ستكون ضمن تراثنا الأكثر خلوداً.محطات البث الإذاعي أيضاً،لقد نقلت الأرض ثقافتها عبر الموجات الكهرومغناطيسية لأكثر من 100 عام،وانتقلت هذه الموجات إلى الفضاء.على بعد 100 سنة ضوئية،وبالاستعانة بهوائي استقبال ضخم بشكل كاف،من الممكن لنا التقاط تسجيل لمطربي الأوبرا المشهورين في نيويورك،حيث كان أول بث إذاعي عام في 1910،فتلك الموجات سوف تصمد وتبقى في صورة قابلة لإدراكها لبضعة ملايين من السنوات،مسافرة ً لأبعد وأبعد من الأرض،إلى أن تصبح في النهاية ضعيفة جداً بحيث لا يمكن تمييزها في خضم الصخب الفضائي،وهذه الأشياء هى كل ما سيبقى من تراث الجنس البشري،تتصاعد للأبد وسط ظلام الكون الدامس.
*المصدر:
(Very Interesting)magazine- September/October 2017