القاهرة 23 يوليو 2019 الساعة 11:23 ص
كتب : أحمد مصطفى الغـر
كتـب بــلا محـتـوى .. ضـجـيـج بــلا طـحـن
اجتاحت ظاهرة الأكثر مبيعاً أو الـ "بيست سيللر"، الأوساط الثقافية منذ فترة ليست بالقصيرة، فهى ليست بجديدة علينا، لكنها دائماً ما كانت تثير الجدل والسجال بين أهل الأدب والثقافة وجمهور القراء ودور النشر والتوزيع، فهذه الكتب تندرج تحت ما يُسمى بالأدب الخفيف أو التجاري، حيث تحقق حالة من الجماهيرية المفاجئة، لكن سرعان ما يتم نسيان عناوينها، بل وحتى أسماء مؤلفيها، فهذه الكتب لا تعيش طويلاً، وسرعان ما تسكن أرفف المكتبات وتغمرها أتربة النسيان.
الملاحظ أن كتابات المثقفين الجادين فى الآونة الأخيرة قد انغلقت على ذاتها، حيث باتوا يستخدمون لغة معقدة، تخاطب عقولاً أعلى بكثير من مستوى القارئ العادى، في حين أن الاحتياج الحقيقي لجمهور القراء يتمثل في الكتابات البسيطة والسلسة، حتى وإن كانت خاوية في الفكرة والأسلوب، لذا فلا عجب من رؤية كتبا بلا مضمون وتحظى برواج تسويقي باهر، والسر خلف ذلك يكمن في قيام دور النشر بعمل تعاون تسويقي للإصدارات الجديدة، فيتم الاتفاق بالتداول على مراتب القائمة للترويج، ويدعم هذا أيضا أقلام لكتاب معروفين، حيث تعمل تلك الأقلام لصالح دور النشر، فتشيد بالكتاب وتمتدحه لأغراض تسويقية، ويؤكد ذلك أن الكتاب لا يستمر بعد الحملة الترويجية أكثر من 6 أشهر، حيث تكون دور النشر حققت العائدات التي ترجوها من القائمة الوهمية.
في الولايات المتحدة والدول الأوروبية، يُلاحظ أنه إذا ما قرر نجم سينمائي أو مطرب شهير أن يُصدر كتاباً، فإنه ينجح في بيع ملايين النسخ في وقت قصير، خاصة إذا كان الكتاب عبارة عن سيرة ذاتية لصاحبه، لما فيه من متعة التلصص على حيوات الآخرين وما يتضمنه من اعترافات. لذا فإننا نجد أن ما يسمى بقائمة الأفضل مبيعاً، والتي عُرفت في المكبات الغربية أولاً قبل العربية، يشوبها شوائب تناولتها الصحف الغربية منذ سنوات، حيث أجمع الكثيرون على أنها فقط مجرد حراك تسويقي لا يتعلق بالمضمون وقوته وعمقه.
لقد أصبح الكتاب سلعة تجارية قبل أن يكون وسيلة ثقافية، ومن المعروف أن مجتمعاتنا العربية ليست مجتمعات قارئة بالدرجة الأولى، لذلك فإن الرائج والأكثر مبيعاً يكون في العادة من باب الثقافة السطحية والمبتذلة، مثل : الروايات الفضائحية، ومذكرات وأخبار الرياضيين والمغنيات، وفنون الطبخ، ومغامرات الفتيان والفتيات وغيرها، أما الكتب الفلسفية والإبداعية والعلمية فهي لم تكن ولن تكون رائجة في مجتمعاتنا التي متوسط القراءة فيها (كل ثمانين شخصاً يتشاركون في كتاب واحد سنوياً)، في حين أن متوسط قراءة الفرد في بعض دول الغرب يصل إلى خمسين كتاباً في السنة، لذا فنحن أمام ثقافة كتابية لا تتجاوز التسلية والترفيه، وبمجرد أنها تغدو رائجة بين العامة، فإنها - بكل تأكيد- لا تحسب من الثقافة الرصينة والجادة، بل إنها لا تحسب في مقاييس القراءة.
في المكتبة الغربية، تخضع المؤلفاتُ هناك لمعايير وشروط واضحة تخولها للحصول على ذلك الاستحقاق، وبالعودة إلى تلك المؤلفات نجد وضوحاً في عدد الطبعات وعدد النسخ في كل طبعة والعوائد المادية المتحصلة للمؤلفين ودور النشر، وكل هذا يحدث بشفافيةٍ ووضوح تام، ولكن هذا لا يتم تطبيقه في الوطن العربي، والمؤسف حقاً أنَّ أكثر تلك المؤلفات التي وُسمت بالأكثر مبيعاً خلال الأعوام الماضية هي في حقيقتها تمثل ضحالةً فكريةً وخواءً اجتماعيا خطيرا، يتقاسمه المؤلفُ والوسيط والقارئ، فمتى تخلو قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في وطننا العربي من كتب الخواطر وكتب الطهي والمؤلفات الخاوية القائمة على فكرة الاقتباس؟، متى نجد الكتب في مكتبتنا العربية تقترن فيها الجودة بالانتشار؟ متى نرى الكتب الجيدة والرصينة التي تعيش طويلاً، هى المسيطرة على أرفف المكتبات، وبالتزامن نرى فقاعة الكتب الركيكة تنفجر إلى غير رجعة؟!