القاهرة 09 يوليو 2019 الساعة 09:19 ص
كتبت: د. هـنـاء زيــادة
تثير الموسيقى انتباهنا ومشاعرنا بدرجة كبيرة، فهى اللغة الوحيدة التي يفهمها جميع البشر بدون تعلم أو شرح، فالطفل في شهوره الأولى من عمره يستجيب للموسيقى كشخص كبير، وفي سنواته الأولى يتأهب ويتراقص مع بعضها، وأحيانا تكون سبباً في كونه يهدأ قليلاً، الأشخاص البالغين أيضا يفعلون نفس الشيء، فعند سماعنا مقطوعة موسيقية ، نجد أنفسنا منسجمين مع الألحان والنغمات المختلفة التي من الممكن أن تنقلنا الى عالم افتراضي آخر في اقل من ثوانٍ، إنها القوة الخفية للموسيقى، وقدرتها الهائلة على تنمية الإحساس بالجمال.
الموسيقى تطرق أبواب المشاعر، فهى وسيلة رائعة للتعبير عن النفس وتغذية الروح، وقد صدق (جبران خليل جبران) حين قال عنها إنها "ابنة الملامح الصامتة، ووليدة العواطف الكاشفة عن نفسيّة الإنسان، الواعي لحقيقة ما، والحياة بلا موسيقى خطأ فادح، هي أسمى من أن تكون أداة للهو والسرور، فهي تطهير للنفوس وراحة للقلوب"، وليس بمستغرب أن بعض المستشفيات الخاصة بالأطفال قد أدخلت الموسيقى كجزء من برامجهم العلاجية، بحيث تسهم في تهدئتهم وعلاجهم، وتقوي الذاكرة السمعية وتسهل التعلم لديهم ،كما تجعل الأطفال أكثر توازناً وتقوي ثقتهم بأنفسهم.
تلعب الموسيقى دوراً كبيراً في التأثير على مزاجنا، سواء أكانت الظروف المحيطة بنا حزينة أم سعيدة، وبإمكانها أن تعطي للمستمع شحنة من الانفعالات التي فيها من الرموز التعبيرية المتناسقة عبر مقاطعها المعزوفة ما يحس بها مرهفُ الحس أو من كان متذوقاً للنغمات والألحان، وتجعله يشعر بإحساس عميق، وينفعل بها انفعالاً متجاوباً، وإستناداً لذلك فإن بعض الدراسات وجدت أنها تسهم في تعزيز القدرة على علاج بعض الأمراض، فبعض المرضى الذين أجريت لهم عمليات جراحية ممن استمعوا للموسيقى، قلّت لديهم مستويات الإحساس بالألم والقلق وانتظمت لديهم ضربات القلب وانخفض مستوى ضغط الدم نسبة إلى من لم يستمعوا للموسيقى ومروا بنفس العمليات أو خضعوا لنفس المراحل العلاجية.
بل إن بعض الدراسات قد خلصت إلى أن فوائد الاستماع إلى الموسيقى تزداد عندما يختار المرضى المؤلفات الموسيقية المحببة إليهم، وقد أسهم الاستماع إلى الموسيقى بشكل عام في تراجع الإحساس بالألم والقلق وانخفاض استخدام مسكنات الألم، في حين وجد بعض العلماء أن الغناء الجماعي قد يسهم في تعزيز الجهاز المناعي للجسم وتنظيم دقات القلب ما يجعل تأثيره على الصحة مشابهاً لتأثير ممارسة اليوجا، كما أن الموسيقى قد تعطي شعوراً بالنشوة الروحية، وتعبر أحيانا عن خلجات الروح ومشاعرالحب.
وأضافت أن الأطفال الذين استمعوا للموسيقى أثناء زيارة روتينية لتحصينهم بالحقن كانوا أقل توترا وأكثر قدرة على تحمل الإجراء مقارنة بمن لم يتعرضوا للعلاج بالموسيقى كما أن آباءهم وأمهاتهم كانوا أقل توترا أيضا. وقالت أوليفيا ينجر مؤلفة الدراسة والمعالجة بالموسيقى في جامعة كنتاكي بلكسينجتون "على الرغم من أن الموسيقى لن تزيل حتما ألم الطفل أو كربه فإن استخدامها لتشتيت انتباهه قد يساعده في التركيز بنسبة أقل على الألم مما قد يحسن إدراكه لعملية الحقن." كانت دراسات سابقة قد خلصت إلى أن الموسيقى تحد كثيرا من الألم والقلق المصاحب للإجراءات الطبية. وشاركت في الدراسة الجديدة
لقد عرفت أوروبا العلاج بالموسيقى بعد الحرب العالمية الثانية، حيث كان هناك عدد من الموسيقيين المتطوعين الذين يذهبون للمشافي لعزف الموسيقى، بهدف تخفيف معاناة الجنود العائدين من الحرب، ولاحظ الأطباء تحسنا كبيرا على الحالة النفسية للمرضى بعد سماعهم للموسيقى، فقاموا بإجراء عدد من الأبحاث حول ذلك، وبدأ مفهوم العلاج بالموسيقى يتوسع وتعددت طرقه وأساليبه، كما أن ثمة منظمة عالمية للعلاج الموسيقي تدعى "أمتا"، وقد تأسست منذ 20 عاماً، وتضم 5 آلاف طبيب معالج بالموسيقى، ومقرها في الولايات المتحدة الأمريكية.
في عامي 2011 و2012، أُجريت دراسة علمية من قبل ثلاث منشآت للرعاية الطبية، واشتملت على 58 طفلا تتراوح أعمارهم بين الرابعة والسادسة، و62 من الآباء والأمهات، و19 ممرضة قمن بعملية الحقن للأطفال، أظهرت الدراسة أنه عندما يكون الأطفال بحاجة لحقنة مؤلمة فإن العلاج بالموسيقى ربما يساعدهم على تحمل الأمر، وأضافت أن الأطفال الذين استمعوا للموسيقى أثناء زيارة روتينية لتحصينهم بالحقن كانوا أقل توترا، وأكثر قدرة على تحمل الإجراء، مقارنة بمن لم يتعرضوا للعلاج بالموسيقى، كما أن آباءهم وأمهاتهم كانوا أقل توترا أيضا.
ولا يمكن للعلاج بالموسيقى أن يكون بديلا عن العلاج بالأدوية، هو فقط عامل مساعد أو مكمل للعلاج الدوائي، وليس بديلا عنه، كما أنه يتزامن مع العلاج الفيزيائي، وخاصة مع مرضى الشلل الدماغي، من خلال مساعدتهم على تقوية عضلاتهم باستخدام الآلات الموسيقية الإيقاعية والنفخية، كما تستخدام الموسيقى كوسيلة لتحقيق أهداف تربوية أو تطوير مهارات لدى المرضى، مثل تحسين مهارات الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة كأطفال التوحد، أو الذين لديهم تلعثم، أو تأخر في النطق.
الموسيقى هي لون من ألوان التعبير الإنساني، فقد يتم التعبير فيها وبها عن خلجات القلب المتألم الحزين، وكذلك عن النفس المرحة المرتاحة، هى ليست مجرد أنغام، بل وسيلة تواصل لالتقاء الذهن والروح، وهي أيضاً وسيلة تواصل فاعلة، اجتماعية وتربوية، تسهم في عمليات التفاهم، وكذلك في تنمية الحس الشخصي، إلى جانب إدخال البهجة على النفوس وتجميل العالم من حولنا.