القاهرة 25 يونيو 2019 الساعة 12:07 م
بقلم: جوردن ليش
ترجمة: صلاح صبري
كنت أريد أن أصير مدهشًا. مدهشًا جدًّا. كنت بالفعل قد صرتُ قبل ذلك مدهشًا إلى حدٍّ ما. ولكنني سئمتُ البقاء عند ذلك الحد. كنت أريد أن أتجاوز ذلك الحد. أن أكون مدهشًا لأبعد من ذلك الحد الذي بلغتُه. أن أفعل شيئًا يتجاوز ذلك الحد، شيئًا يراه الناس فيقولون إنه شيء يتجاوز كل حدٍّ آخر وليس باستطاعة أي أحدٍ أن يتجاوزه، وإنني الطفل الوحيد الذي استطاع أن يفعله، وإنني الوحيد بلا منازع.
كنت ذاهبًا إلى أحد المعسكرات الرياضية، وهو معسكر يقيم في نهاية الصيف يومًا رياضيًّا لجميع المشتركين في المعسكر وأولياء أمورهم، ويتكون هذا اليوم من خمس مسابقات مختلفة في ألعاب القوى، وكان على كل طفل في المعسكر أن يشارك في الخمس مسابقات جميعًا، وكنتُ أنا الفائز في هذه المسابقات الخمس جميعًا، كنتُ الفائز في كل مسابقة على حدة، جئتُ في المركز الأول في المسابقات الخمس كلها؛ حتى إن رئيس المعسكر ومستشاريه والأطفال الآخرين والأمهات الأخريات والآباء الآخرين وأمي وأبي رأوا جميعًا أنني أفضل طفل في المعسكر، الأفضل في سباق عدو المسافات القصيرة، والمسافات الطويلة، والأفضل في الوثب العالي والوثب الطويل والأفضل فيما كان يُسمَّى بـ"دفع الجلة"، حيث يجب عليك أن تقف بمحاذاة خط جيري ثم تضع إصبع قدمك على هذا الخط ولا تتجاوزه ثم تقوم برمي الـ"جلة" إلى أبعد ما تستطيع أن ترميها.
فعلتُ ذلك.
وفزتُ.
كانت سنة 1944 وكنتُ في العاشرة من عمري وكنتُ أفضل من جميع الأطفال في ذلك المعسكر وربما جميع الأطفال في أي معسكر آخر وجميع الأطفال أينما كانوا.
كان شعورًا رائعًا إلى درجة لم أبلغها من قبل. كدتُ أطير فرحًا بنفسي. أحسستُ كأن الرب يهمس لي داخل رأسي بأشياء خاصة. أحسست كأن الله يطلب مني أن يكون لي معه سرٌّ خاصٌّ أو أن يكون لي معه ترتيبات سرية وأن عليَّ أن أظل مصغيًا لوصاياه السرية لي داخل رأسي. أحسستُ كأن الرب يقول لي أن أتأكد من أنه جعلني شخصًا خارقًا أكثر من أي شخص آخر من بني الإنسان وأنه سوف يطلب مني أن أكون مستعدًّا له لكي أذهب في أية لحظة لأعمل من أجله أي شيء يقوله.
أعطوني قطعة من القماش المقوَّى على شكل درع وملونة بألوان المعسكر وعليها خمس نجمات زرقاء. قالوا إنني الطفل الوحيد على الإطلاق الذي حصل على درع به مثل هذا العدد من النجوم. قالوا إن أحدًا لم يسمع مطلقًا أن صبيًّا حصل على مثل هذا العدد من النجوم. أحسستُ بأنني أنسى وبأن كل شخص آخر ينسى، حتى أمي وأبي، وأن الرب ينسى. لم يكن قد مضى غير وقت قصير، ولكنني كنتُ واثقًا أن كل واحد قد بدأ بالفعل ينسى كل شيء عما حدث، أن رئيس المعسكر ومستشاري المعسكر وأعضاء المعسكر الآخرين والأمهات الأخريات والآباء الآخرين وأمي وأبي كلهم جميعًا ينسون، بل وحتى أنا بدأت أنسى، حتى وإن كنت أحاول بكل طاقتي أن أكون الشخص الذي لم يكن قط.
أحسست كأن الرب مستخزٍ مني. أحسست كأن الرب آسف لأنني كنت الشخص الذي اصطفاه والذي كان يستعد لكي يصبح اختيارًا جديدًا والذي عليه الآن أن يختار صبيًّا آخر بدلاً منه، وأن عليَّ أن أسرع قبل أن يفعل الرب هذا، وأن عليَّ أن أبين للرب سريعًا أنني ما زلت مدهشًا مثلما كنتُ وأنني أستطيع أن أفعل شيئًا ما، أي شيء آخر.
كان شهر أغسطس/ آب.
أحسست بأغرب إحساس انتابني في حياتي كلها. كنت واقفًا هناك مع والديَّ ومع جميع من أتوا لحضور اليوم الرياضي وأحسست بأغرب إحساس انتابني في حياتي كلها.
أحسست وكأنني راقد في الملعب. أحسست وكأنني أقتل كل الناس. أحسست وكأنني مستغرق في النوم وأنني بقيت نائمًا حتى أتى شخص ما وأخبرني أن والديَّ قد ماتا وأنني قد صرتُ كبيرًا تمامًا وأن هناك ربًّا جديدًا في السماء وأنه يحبني أكثر مما كان الرب القديم يحبني.
ظل والداي يسألانني إلى أين أريد أن أذهب الآن وماذا أريد أن أفعل. ظل والداي يحاولان أن يجعلاني أخبرهما إلى أين أعتقد أن علينا جميعًا أن نذهب الآن وما الشيء التالي الذي علينا جميعًا كأسرة أن نفعله. ولكنني لم أكن أعرف ماذا يقصدان.
أخذ والدي الدرع مني وأمسكه بكلتا يديه وظل يقلبه في يديه ويحدق فيه ويتحسسه بيديه قائلاً إنه مصنوع من القماش المقوَّى واللباد. ظل والدي يردد أن الدرع مصنوع من نوعية ممتازة من القماش المقوى واللباد ولكن علينا أن نبذل قصارى جهدنا لكي لا نجعله يبتل لأنه سوف يفسد تمامًا عندئذ.
لم أكن أعرف ماذا أفعل.
كنت واثقًا أن والديَّ لا يعرفان ماذا يفعلان.
كل ما فعلناه أن وقفنا مع بقية الناس الذين كانوا في طريقهم إلى السيارات التي ستقلهم إلى أماكنهم وكنت واثقًا أننا، كأسرة، لم نكن نعلم إن كان هذا هو وقت انصرافنا.
جاء رئيس المعسكر وقال إنه يريد أن يصافحني ثانية وأن يصافح أناسًا مثل أمي وأبي، هذين المسؤولين عن منح المعسكر مثل هذا الصبي الرائع والرياضي الموهوب.
صافحني مرة أخرى.
أصابني ذلك بالدوار، وصرتُ شبه نائم.
رأيت أمي وأبي يستعدان لمصافحته. رأيت أبي يبعد الدرع عن اليد التي يعتقد أنه سيصافح بها رئيس المعسكر. رأيتُ أمي تأخذ حقيبة يدها وتفعل الشيء نفسه. ولكن رئيس المعسكر ظل يهز يدي، ثم تركها وتناول مرفق أبي بإحدى يديه ولمس كتفه باليد الأخرى قائلاً إننا بالتأكيد أفضل الناس، ثم... لقد فعل هذا، فعل هذا! ثم مضى لحال سبيله.