القاهرة 25 يونيو 2019 الساعة 11:20 ص
حوار: أحمد مصطفى الغـر
التصنيفات تجرح فكرة التحرر فاهتمامات وهموم الفنانة المرأة هي ذاتها عند الفنان الرجل !
* ما من لوحة إلا وتحمل أكثر من مفردة جمالية سواء على صعيد الشكل أو المضمون، لكن هذا من الممكن أن يشتت ذهن مشاهدي اللوحة ومتذوقي الفن، فهل هذا صحيح برأيك؟
في رأيي؛ فإن اللوحة في الفن التشكيلي هي وليدة اللغة البصرية، والفنان المبدع هو القادر على التوزيع الصحيح للألوان والترتيب المتناسق للعناصر والمفردات التي يستعملها، بحيث تحاكي عين الناظر، وتندرج ضمن علم العلامات (السيميولوجيا) القائم على مجموعة من الرموز ودلالاتها والتي بفضلها يتحقق التواصل الحضاري بين الناس.
تعتمد هذه الجمالية على منظومة من العلاقات بين عناصرها التعبيرية الثلاث المادة والشكل والمضمون، ناقلة للواقع المرئي أو المُتخيل، بطريقة متعادلة في أرجاء اللوحة شكلاً ومضموناً، كما أن ضربات ريشة الفنان وتوظيف تقنياته يجعلها ذات قيمة فنية عميقة. هذا التعادل والتناسق يساعد المتلقي في التركيز على فهم وإدراك تلك العناصر والمفاهيم في اللوحة.
* ماذا تشكل اللوحة في حياة الفنانة دعد أبي صعب؟، وكيف تصفين علاقتك بها؟
اللوحة بالنسبة لي هى مخزون لمشاهداتي وأفكاري، حيث تعكس ذاكرة الزمان والمكان، كما انها توّثّق معالم ورموز ومشاهد من واقع الحياة، فعلاقتي باللوحة هى علاقة روحية، تبدأ من داخلي، ترتبط بشخصيتي وبرؤيتي للأمور، ونظرتي للأشياء، فهي ترجمة مادية لإحساسي وعواطفي، فاللوحة هى مزيج بين المحسوس المباشر وبين اللامرئي غير المباشر.
لا عجب إن قلت أنها بالنسبة لي هي عالم آخر، تمنحني الراحة النفسية وتمدني بالكثير من الثقة والرضى، من خلالها أمارس حريتي وأحقق ذاتي، هي المرآة الحقيقية بيني وبين المتلقي، هي (أنا) بشكل من الأشكال.
* هــل للألوان معاني معينة لديكِ؟
لا أتعامل مع الألوان من حيث تصنيفها ألواناٌ تخص الفرح، وأخرى للحزن وإلى ما هنالك من تصنيفات، فأنا أعتبر اللون سحر الحياة ومحورها الجمالي الرئيسي، فاللون هو المحرك الوحيد للإحساس، كما أن له الدور الأكبر في بناء اللوحة الفنية، وقد يختلف اختياري له بما يتناسب مع قيمة الموضوع المطروح دون الرجوع إلى المعنى، وعموماً فإن الألوان الزاهية المشرقة والمبهجة تسحرني وتستهويني مهما كانت.
* بـرأيـك؛ هل هناك اختلافات جذرية بين الموضوعات والأفكار التي تتناولها التشكيلية المرأة، مع الموضوعات والأفكار التي يعالجها التشكيلي الرجل؟
التصنيفات تجرح فكرة التحرر، فاهتمامات وهموم الفنانة المرأة هي ذاتها عند الفنان الرجل، ولا يرتبط بإمرأة أو رجل بل يرتبط بشيء واحد، ألا وهو وجود الجانب الإنساني والإبداعي فيه، فأي موضوع لا يملك صفة التفرد، كان مقدمه امرأة أو رجل، لن يكون فناً أصيلاً، ومن ناحية أخرى فان الإبداع يتميّز بالاختلاف وبالتباين بين المبدعين أنفسهم، سواء كانوا إناثا أو ذكورا، ومن المسلّم به أن العمل الإبداعي فعلا إنسانيا حرا ونشاطا حيويا فيه خصوصية المعاناة والتجارب النفسية والاجتماعية التي يعيشها الإنسان وغير قابل للتصنيف.
* بماذا تشعرين بعدما تحققين الذي ترغبين فيه داخل لوحتك؟
تلك إذن هي مرحلة نهاية المخاض التي أعيشها كحالة من التجليات النفسية والفكرية والخيالية كي أنجز لوحتي، فحينها فقط ينتابني شعور بفرح سرّي وداخلي، وأنعم بالارتياح.
* هل كل من يرسم يعدّ فنانا؟
ليس كل لوحة تعلق على جدار أو في صالة عرض تصنّف لوحة فنية تشكيلية، وكذلك ليس كل من يملأ مسطح أبيض بالخطوط والألوان يعتبر فناناً، فالرسم لمجرد الرسم قد يعتبر فنّا لكن ليس إبداعا، الفنان هو الذي يمتلك موهبة الإبداع والخلق والابتكار المسلح بالوعي، أعماله الفنية رسالة موجهة للجمهور لها مقومات أساسية تشمل التعبير ومعرفة الأصول والقواعد والتقاليد الفنية الموروثة والمهارة والتكتيك المصقولة بالدراسة والتمرس.
* الفنان ابن بيئته، فماذا أعطتك البيئة اللبنانية الساحرة وكيف أثرت على جمالية أعمالك الفنية؟
مدينتي بيروت شكلت مرجعية مكانية في أعمالي فظهرت الأمكنة في لوحاتي على هيئة تشكيلات مركّبة، ذات معالجات جمالية بعيدا عن الإطار التقليدي، فاللوحة عندي عاكسة بشكل ما لذاكرة المكان المحلية، كون الإنسان إذا حمل مشاعر إيجابية حول المكان الذي يعيش فيه فإن ذلك يدفعه لأن يتعامل برقي أكبر مع المكان.
* وكيف تستطيعين تحقيق ذلك؟
يتحقق ذلك من خلال العودة إلى الذات المعاصرة والتعبير عن الأنا بأسلوب جديد مختلف عن المألوف، فجاءت الإنشاءات اللونية المعّبرة ممزوجة بألوان حجارة وقرميد بيوت بيروت التراثية وبتدرجات زرقة بحرها اللامتناهية وتناغم الحمرة في غروب شمسها.
* أقمتِ وشاركتِ في العديد من المعارض داخل لبنان وخارجه، برأيك.. من الأولى بالبحث عن الآخر " الفنان أم الجمهور"؟
أغلبية المعارض بحاجة إلى الدعاية باستمرار من أجل جذب الجمهور، وفي هذه الحالة فالفنان هو من يقوم بالبحث عن الجمهور، وكما هو معروف فـإن نجاح المعرض يقاس بعدد الزوار، واقع الحال ان ليلة افتتاح أي معرض تكون في معظم الأحيان عامرة بالزوار، وهم في الأغلب أصدقاء وأقرباء العارضين وعدد لا بأس به من زملاءهم الفنانين، أو عابري سبيل أرادوا أن يتذوقوا الأعمال الفنية، وبعد هذا تقف الأعمال الفنية شاخصة على الجدران تنتظر جمهورا لم يأت بعد، إلا ما ندر.
* هل هذا يتعلق بمدى إلمام الجمهور في مجتمعاتنا بالثقافة الفنية؟
في المجتمعات الأخرى، هناك جمهور مُلِم بتاريخ الفن وبمبادئ فنية منوّعة، وحضور المعارض واقتناء الأعمال الفنية جزء من ثقافته وبيئته. في رأيي لا تقع المسؤولية على عاتق الجمهور فحسب، ولا على عاتق الفنان فحسب، بل على عاتق المؤسسات التي تعنى بالفن التشكيلي، وعلى عاتق المؤسسات التربوية التي ما زالت تعتبر أن الدروس الفنية هي للترفيه، كما تقع المسؤولية على الإعلام والصحافة ووسائل التواصل الموجودة في الساحة، التي وللأسف لم تسلط الضوء على الفن التشكيلي بشكل فعّال.
** بطاقة تعريف:
دعد أبي صعب، هى فنانة تشكيلية لبنانية، من مواليد العام 1957م، وهى حائزة على ماجستير في الفنون الجميلة من الجامعة اللبنانية، وكذلك فهى حاصلة على دبلوم دراسات عليا في الرسم والتصوير، كما أنها عضوة في نقابة الفنانين التشكيليين اللبنانيين، وعضوة في جمعية الفنانين للرسم والنحت، وقد شاركت في الكثير من المعارض الفنية سواء داخل لبنان أو خارجه.