القاهرة 14 مايو 2019 الساعة 01:35 م
كتبت: د. هـنـاء زيــادة
يعتبر انتصار السادس من أكتوبر 1973 أحد أعظم انتصارات الأمة العربية فى تاريخنا الحديث، حيث تجسدت أصالة شعب مصر وقواته المسلحة أمام أعين الجميع لإعادة الحق لأصحابه من خلال عودة تراب سيناء إلى حضن الوطن، محققين بطولات عظيمة سُطرت بحروف من نور فى كتب التاريخ العسكري على مر العصور، وتعد شهادات القادة والصحافة في إسرائيل حول حرب أكتوبر1973، بمثابة توثيق تاريخى على مدى عبقرية الشعب المصري وعظمة المقاتل المصرى بشجاعته وبسالته..
وفي هذا العدد من مجلة مصر المحروسة، نستعرض بعضا من هذه الاعترافات التوثيقية حول حرب أكتوبر، نبدأها بشهادة رئيس الوكالة اليهودية الأسبق "ناحوم جولدمان"، الذي ذكر فى كتاب له بعنوان (إلى أين تمضى إسرائيل؟) أن من أهم نتائج حرب أكتوبر 1973 أنها وضعت حدا لأسطورة إسرائيل فى مواجهة العرب، كما كلفت هذه الحرب إسرائيل ثمنا باهظا نحو 5 مليارات دولار، وأحدثت تغييرا جذريا فى الوضع الاقتصادى فى إسرائيل التى انتقلت من حالة الازدهار التى كانت تعيشها قبل سنة إلى أزمة بالغة العمق كانت أكثر حدة وخطورة من كل الأزمات السابقة، وأن النتائج الأكثر خطورة كانت تلك التى حدثت على الصعيد النفسى، حيث انتهت ثقة الإسرائيليين فى تفوقهم الدائم، كما اعترى جبهتهم المعنوية الداخلية ضعف هائل، وهذا أخطر شىء يمكن أن تواجهه إسرائيل.
أما الرئيس الأسبق للكيان الإسرائيلي "حاييم هيرتزوج" فقد قال فى مذكراته حول حرب أكتوبر: "لقد تحدثنا أكثر من اللازم قبل السادس من أكتوبر، وكان ذلك يمثل إحدى مشكلاتنا، فقد تعلم المصريون كيف يقاتلون، بينما تعلمنا نحن كيف نتكلم، لقد كانوا صبورين كما كانت بياناتهم أكثر واقعية منا، كانوا يقولون ويعلنون الحقائق تماما حتى بدأ العالم الخارجى يتجه إلى الثقة بأقوالهم وبياناتهم". أما المعلق العسكرى الإسرائيلى "أمنون كابيليوك"، صاحب كتاب "إسرائيل انتهاء الخرافة" فقد ذكر في كتابه: "تقول الحكمة البريطانية كلما كان الصعود عاليا كان السقوط قاسيا.. وفى السادس من أكتوبر سقطت إسرائيل من أعلى برج السكينة والاطمئنان الذى كانت قد شيدته لنفسها وكانت الصدمة على مستوى الأوهام التى سبقتها قوية ومثيرة، وكأن الإسرائيليين قد أفاقوا من حلم طويل جميل لكى يروا قائمة طويلة من الأمور المسلم بها والمبادئ والأوهام والحقائق غير المتنازع عليها التى آمنوا بها لسنوات عديدة، وقد اهتزت بل وتحطمت فى بعض الأحيان أمام حقيقة جديدة غير متوقعة وغير مفهومة بالنسبة لغالبية الإسرائيليين.
عقب الحروب السابقة كانت تقام عروض عسكرية فخمة فى يوم الاستقلال تشاهد فيها الجماهير غنائم الحرب التى تم الاستيلاء عليها، أما فى هذه المرة فعلى العكس أقيم معرض كبير فى القاهرة بعد مرور شهرين على الحرب وفيه شاهدت الجماهير الدبابات والمدافع والعربات العسكرية وكثيرا من الأسلحة الإسرائيلية التى تم الاستيلاء عليها خلال الحرب".
وزير الحرب الإسرائيلى الجنرال "موشيه ديان" اعترف فى ديسمبر 1973 بأن حرب أكتوبر كانت بمنزلة زلزال تعرضت له إسرائيل، وأن ما حدث فى هذه الحرب قد أزال الغبار عن العيون، وأظهر لهم ما لم يروه من قبل وأدى كل ذلك إلى تغير عقلية القادة الإسرائيليين. وكتب موشيه فى مذكراته: "إننا لا نملك الآن القوة الكافية لإعادة المصريين للخلف مرة أخرى"، مشيدا بالدقة التى استخدم بها المصريون الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات، وأن حالة التفوق العسكرى الإسرائيلى قد انتهت إلى الأبد، وأن النظرية التى تؤكد هزيمة العرب فى ساعات إذا حاربوا إسرائيل تعتبر نظرية خاطئة، لقد انتهت نظرية الأمن الإسرائيلى القائمة على أن الجيش الإسرائيلى لا يقهر. ومن أقواله ديان خلال أيام الحرب، تحديدا يوم 9 أكتوبر 1973: "إن طيراننا عاجز عن اختراق شبكة الدفاع الجوى المصرية دون تكبد خسائر فادحة". وفى يوم 4 أكتوبر 1973: "إن إسرائيل تخوض الآن حربا لم تحارب مثلها من قبل سواء عام 1956 أو فى معارك الأيام الستة عام 1967 وهذه حرب صعبة، ومعارك المدرعات قاسية، ومعارك الجو مريرة.. إنها حرب ثقيلة بأيامها وثقيلة بدمائها". وأيضا "إن حرب أكتوبر كانت بمنزلة زلزال تعرضت له إسرائيل".
الجنرال الإسرائيلى "يشيعيا جافيتش" ذكر فى ندوة عن ذكرى حرب أكتوبر فى 16 سبتمبر 1974: "إنه وبالنسبة لإسرائيل ففى نهاية الأمر انتهت الحرب دون أن نتمكن من كسر الجيوش العربية ولم نحرز انتصارات ولم نتمكن من كسر الجيش المصرى أو السورى على السواء ولم ننجح فى استعادة قوة الردع للجيش الإسرائيلى وإننا لو قيمنا الإنجازات على ضوء الأهداف لوجدنا أن انتصار العرب كان أكثر حسما ولا يسعنى إلا الاعتراف بأن العرب قد أنجزوا قسما كبيرا للغاية من أهدافهم، فقد أثبتوا أنهم قادرون على التغلب على حاجز الخوف والخروج إلى الحرب والقتال بكفاءة وقد أثبتوا أيضا أنهم قادرون على اقتحام مانع قناة السويس، ولأسفنا الشديد فقد انتزعوا القناة من أيدينا بقوة السلاح".
أما "زئيف شيف" صاحب كتاب (زلزال أكتوبر.. حرب يوم عيد الغفران) فقد قال عن الحرب: "هذه هى أول حرب للجيش الإسرائيلى التى يعالج فيها الأطباء جنودا كثيرين مصابين بصدمة القتال ويحتاجون إلى علاج نفسى.. هناك من نسوا أسماءهم وهؤلاء كان يجب تحويلهم إلى المستشفيات، لقد أذهل إسرائيل نجاح العرب فى المفاجأة فى حرب يوم عيد الغفران وفى تحقيق نجاحات عسكرية، لقد أثبتت هذه الحرب أن على إسرائيل أن تعيد تقدير المحارب العربى فقد دفعت إسرائيل هذه المرة ثمنا باهظا جدا، لقد هزت هذه الحرب إسرائيل من القاعدة إلى القمة، وبدلا من الثقة الزائدة جاءت الشكوى وطفت على السطح أسئلة من نوع: هل نعيش على دمارنا إلى الأبد، هل هناك احتمال للصمود فى حروب أخرى؟".
ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وقد كانت عملية العبور إحدى المعجزات العسكرية كما قال المؤرخ العسكرى البريطانى "إدجار ابولانس" الذي وصف عملية العبور "بأنها كانت معجزة عسكرية مكتملة الأركان". أما "جولدا مائير" رئيسة وزراء إسرائيل آنذاك؛ فقد قالت: "مواقع الدفاع الجوى المصرى كعش الغراب المشئوم، كلما دمرنا إحداها نبتت أخرى بدلا منها".. فى إشارة إلى إرادة وتصميم المصريين على استكمال حائط الصواريخ، حيث اختلت موازين القوى فى المنطقة، واستطاع حائط الصواريخ بعد تحريكه أن يوفر شريط بكامل طول قناة السويس وبعرض من 12 إلى 15 كيلو متر شرق القناة موفرا بذلك الحماية الجوية اللازمة لعبور الأفراد والأسلحة الثقيلة.
لقد أذهلت العبقرية العسكرية المصرية الإسرائيليين لدرجة أن "مائير" قد قالت: "ليت الأمر اقتصر على أننا لم نتلق إنذارًا فى الوقت المناسب، بل إننا كنا نحارب على جبهتين فى وقتٍ واحد، ونقاتل أعداءً كانوا يعدون أنفسهم للهجوم علينا من سنين"، كما قالت: "سأظل أحيا بهذا الحلم المزعج لبقية حياتي، ولن أعود نفس الإنسانة مرة أخرى التي كانت قبل الحرب"، فالتوتر الذى ساد إسرائيل إبان الحرب أصاب الصحافة الإسرائيلية بالشلل وجعلها غير قادرة على وضع عناوين تواكب ما يحدث، صحيفة (جيروساليم بوست) قالت فى أحد أعدادها خلال شهر الحرب: "إن الدفاع الجوى المصرى المضاد للطائرات يتمتع بقوة لم يسبق لها مثيل فى تاريخ الحروب وتفوق تلك التى واجهها الأمريكيون فى فيتنام، مشيرة إلى أنه قد حدثت إساءات تقدير كبيرة من جانب الإسرائيليين بالنسبة لفاعلية الدفاعات المصرية وقدرة المصريين على عبور القناة".