القاهرة 07 مايو 2019 الساعة 09:13 م
هوس الذكورة .... الجحيم هو الآخر
د. هويدا صالح
السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا بوضوح :كيف نكون مجتمعا متدينا كما نبالغ في وصف أنفسنا، سواء كنا مسلمين أو مسيحيين ونمارس كل هذا العنف ضد النساء حتى أننا نصنف ثاني بلد في العالم في التحرش بعد أفغانستان؟ ما الذي حدث بعد أن كانت المرأة المصرية آمنة في مجتمعها ولم يكن الحجاب والنقاب مستشري بهذا الشكل ؟
أن تكون امرأة في مدينة عنيفة وقاسية مثل القاهرة، فأنت تحارب وتناضل منذ أن تفتح عينيك على نور الصباح وحتى تذهب إلى النوم في نهاية اليوم المليئ بالصخب والمعاناة. إن الأمر أكثر شراسة ومأساوية مما يمكن تصوره. الأمر لن يأخذ منك إلا بضع وقت تتخيل فيه نفسك امرأة تخرج لتواجه العالم في مدينتها القاسية. هل تتصور أنها قد تسلم من سائقي التوكتوك الواقفين بالقرب من محطة المترو وهي تخطو بخطوات سريعة وحاسمة حتى تلحق بقطار السابعة، تلك الخطوات التي تدب فيها على الأرض بقدمين حادتين لا تدلان بالضرورة على رغبتها في اللحاق المترو فقط، فهي حين تلمح السائقين الجالسين في انتظار زبون صباحي تخشى أن تمتد يد أحدهم لتلمس جسدها أو يقول لها كلمة جارحة، هو غالبا يشعر أنه سيصبح بخير إن مارس عنفا ضد كائن يتصور أنه يتفوق عليه، فإن لم يمد يده، فلا يمنعه ذلك من أن يمد لسانه بكل قبيح، هو الآن صار ذكرا فحلا، عوّض نقصا يشعر به حين يقف أمام أمين الشرطة مثلا الذي لا يهينه فقط، بل يهين كل أهله، ويقهر روحه، فيعود الذكر المهان من سلطة أعلى حتى لو كانت لأمين شرطة متواضع القيمة والفكر، يعود المهان وقد امتلأ حقدا وقسوة، فلا يجد أمامه إلا طرفا يعتقد أنه أقل منه، فيوجه حقده نحوه بكل ما هو جارح، فحين يطلق لفظة وقحة تجاهها تصف جسدها أو أمنيته تجاه هذا الجسد، يكون ساعتها مهموما فقط بتفريع شحنة الحقد والقهر.
حين تقترب من المترو تلمح شابين على موتوسيكل، يخفق جسدها ثانية وتتمنى أن تقطع المسافة إلى المحطة دونما كلمات تجرح إنسانيتها، لكن الرجل على الموتوسيكل يحاول أن يخطف حقيبة يدها، تشدها بغضب مكتوم داخلها، فيقع الشابان وينقلب بهما الموتوسيكل وتعبرهما خائفة أن يسرعا خلفها ثانية، وهل تسلم في المترو أو في أي مكان تذهب إليه؟ لا أمان لامرأة في شوارع يعتبرها أهلها الطرف الأدنى الذي يمارسون ضده كل صنوف الرداءة. هل يشعر الرجال بخير حين ينالون من إنسانية النساء؟ هل يشعرون أنهم غيروا عالمهم المقهور حين يمارسون العنف الجسدي واللفظي ضد النساء؟ هل قهر المجتمع والأنظمة لهم يجعلهم يحتاجون لطرف أضعف يمارسون عليه عقدهم النفسية ؟ حين يرجعون إلى نسائهم ليلا ولا يستطيعون أن يكفوا حاجات عائلاتهم هل يشعرون بضآلتهم أمام نسائهم فيخرجون في الصباح ليبحثوا عن أي امرأة في الشارع يخرجون عليها كبتهم الاجتماعي ويشعرون أمامها أنهم الأقوى ما دام لم يستطيعوا أن يشعروا بهذا الشعور أمام نسائهم اللاتي لا يكفينهم حقوقهم المادية، أم هي حقوق إنسانية أخرى يفتقدونها في المنزل وعلى أسرة نسائهم فيبحثون عن أي امرأة يلقون عليها بألفاظهم الجارحة تعويضا نفسيا لذواتهم الخائبة هناك في بيوتهم؟.
والسؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا بوضوح :كيف نكون مجتمعا متدينا كما نبالغ في وصف أنفسنا، سواء كنا مسلمين أو مسيحيين ونمارس كل هذا العنف ضد النساء حتى أننا نصنف ثاني بلد في العالم في التحرش بعد أفغانستان؟ ما الذي حدث بعد أن كانت المرأة المصرية آمنة في مجتمعها ولم يكن الحجاب والنقاب مستشري بهذا الشكل ؟ لا يستطيع أحد أن يقول أن ملابس المرأة هي ما يجعل الرجال في هذه الحالة من الهوس الجنسي بهذا الشكل لأن التحرش يتم ضد المحجبة حجابا عاديا بل والمنقبة قبل المرأة غير المحجبة. من المفترض أن الفضيلة والأخلاق تزيد نسبيا مع زيادة التدين، لكننا نزداد في إعلان مظاهر التدين، ونتراجع في الأخلاق والقيم والفضيلة ، لأننا اختزلنا الدين وأخلاقياته وأدبياته في تدين شكلي، لذا لن يجد السيد الرجل أي تناقض في داخله وهو يحيط نفسه بكل مظاهر التدين وفي نفس الوقت يستغل النساء ويسئ إليهن. إن هذا الهوس يعود في أساسه إلى الثقافة العربية الذكورية التي تجعل من المرأة مجرد متاع يستمتع به الرجل أينما كان، فالمرأة في الشارع ما دامت قد خرجت وليست في حمى رجل فهي مستباحة بالنسبة إليه ولا يردعه عنها شئ. حين تكون المرأة في صحبة رجل، فالمجتمع الذكوري يحترم الرجل الذي هو من نوعه ويحترم بالضرورة المرأة التي تكون في صحبته وحماه، وكأنه اتفاق غير معلن بين أعضاء المجتمع الذكوري، لكن المرأة التي تخرج دون حماية أحد الذكور فهي تواجه بالعنف الجسدي واللفظي والاستغلال بكل أنواعه، أليست هي من خرجت ككائن اجتماعي مستقل دون وصاية السيد الرجل؟!!!إنني حين أكون راجعة من عملي، وأجد في طريقي رجلا أو مجموعة رجال على رصيف وعلى الرصيف الآخر أجد كلبا واقفا هناك أذهب دون تفكير إلى الرصيف الذي يقف بجانبه الكلب ولا أخشاه، لكنني أخشى بالطبع الرصيف الذي يقف عليه أو يسير بجانبه بعض الرجال الغرباء.