القاهرة 04 مايو 2019 الساعة 09:28 م
صالون"أم هاشم"الثقافي يناقش"أحوال المظلوم":
*سيد محمود: رواية تشتبك مع التراث المقدس،وتستلهم المشتركات الدينية الشعبية
*د.مدحت صفوت: رواية تقدم المعادل الموضوعي الإنساني للرموز المقدسة
*سعيد نوح: الكتابة بالنسبة لي هى حياة ومصائر أبطال رواياتي مثل مصائر الأحياء
محمد زين العابدين
استضاف صالون"أم هاشم"الثقافي ببيت السناري في السيدة زينب ندوة لمناقشة أحدث روايات الروائي والقاص المبدع سعيد نوح"أحوال مظلوم" التي صدرت مؤخرا عن منشورات الربيع، والتي استلهمها من تاريخ المسيحيين المصريين.
أدار الندوة الناقد سيد محمود،وشارك فيها الناقد د.مدحت صفوت،في حضور مؤلف الرواية سعيد نوح.
*كتابة التاريخ من أسفل:
قدم الناقد سيد محمود للندوة بقوله:الأديب سعيد نوح شخصية جميلة على المستوى الإبداعي والإنساني،ولديه القدرة دائماً على تجاوز ذاته،وتحقيق الاختلاف في أسلوبه،وقد عرفته منذ كان أحد شعراء العامية المتميزين في سنوات الثمانينات،ثم ارتحل بتجربته إلى السرد الروائي،وسرعان ما استطاع أن يحتل موقعاً متميزاً ضمن الأصوات السردية في جيل التسعينات،ولعلنا جميعاً نذكر الاستقبال الحار الذي نالته روايته الجميلة"كلما رأيتُ بنتاً حلوة أقول يا سعاد"،وبعدها تواصلت مسيرته المتميزة في السرد،وكان من أبرز إبداعاته فيها روايته"أحزان الشماس"التي قدم فيها رؤية عن قرب لعالم الرهبان بداخل الأديرة،ونحن أمام روايته الجديدة"أحوال المظلوم"التي يستكمل فيها الكثير مما شغله في هذا العالم،وربما لأنني من دارسي التاريخ وعشاقه،فأنا مولع بمصطلح جديد شاع عن السرد المقترن بالتاريخ،وهو"كتابة التاريخ من أسفل"،وأعتقد أن رواية"أحوال المظلوم"تسلك هذا المسلك،وأعتقد أن سعيد نوح تمتع بشجاعة كبيرة جداً في مقاربة هذا العالم،مقاربة فنية أصيلة،وليس في كتابته ما يدفع لإثارة معارك خارج نطاق الإبداع،والمعركة هى من داخل النص ذاته،والذي يقارب أموراً شديدة الحساسية على صعيد فني يتعلق أساساً بالحديث عن الهوية المصرية،أو الهويات في صراعاتها القاتلة لو استعملنا تعبير أمين معلوف.
*سبب كتابة الرواية:
قدم مؤلف العمل سعيد نوح مدخلاً لفكرة الرواية،ودوافعه ومرجعياته في كتابتها،فقال:ما حدث بالنسبة لدوافع كتابتي لرواية"أحوال المظلوم"،هو أنني كنت أكتب رواية عن شخصيتين ظهرتا في عام 1908،و بالتحديد عن ولد وأبيه لهما إسمان متشابهان،وذلك عندما قرأت عن أول مسيحي مصري نال رتبة"البكوية"،وكان ذلك سنة 1942،وكان يعمل لدى محمد علي كمستشار مالي منذ سنة 1807،وحتى سنة 1845،وهى شخصية غريبة جداً،وكل ما كتب عن هذا الرجل في التاريخ لا يتجاوز صفحتين فقط،وكل ما عرفته عنه أنه بمجرد تعيين محمد علي له،طلب محمد على منه دفع 15 ألف من الفضة خلال ستة أشهر،وبعدها طلب منه مبلغاً مضاعفاً،وعندما قال له أنه لا يملك المبلغ قبض عليه،وأدخله السجن،وبعد مكوثه في السجن لأربع سنوات،أخرجه محمد علي،وكلفه بالشئون المالية من جديد،وطلب منه 24 ألف فضة،وبالرغم من أنه رضخ لمطلبه،إلا أنه أدخله السجن من جديد بعدها بسنة ونصف،واستولى على كل أمواله،ليقضي أربع سنوات أخرى في السجن،أى أنه قضى في السجن 13 عاماً من عمره،وتسلم إدارة الشئون المالية 27 عاماً،وقد طلب منه إبراهيم باشا؛إبن محمد علي أن يقوم بعمل نظام جديد لجباية الخراج أو الضرائب على النخيل،رفض لأنه كان سيثقل كاهل المصريين بجبايات مرهقة،فقام إبراهيم باشا برميه بالرصاص فقتله،وبقي ثلاثة أيام دون أن يستطيع أحد من أهله أخذ جثته،حتى ذهب ابنه الكبير إلى محمد علي لمطالبته بجثة والده،قام بتعزيته،فما كان من الإبن إلا أن قال له:"أبي لم يمت"،فأعجب بحديثه،وقام بتعيينه في الوظيفة التي كان يشغلها والده،وقام الإبن بدفن والده،وأقام عزاءاً له،وقد ألهمتني شخصية هذا الإبن بكتابة مفتتح الرواية،ثم بعد ذلك ومن خلال القراءة والبحث،ظهرت لي شخصية شقيق هذا الولد،الذي أطلقت عليه في الرواية إسم"مظلوم"،الولي المسيحي،ليفتنني بحكاياته العجيبة،فأجعله المحور الرئيسي للرواية.
*المزج بين التاريخ الرسمي والشعبي:
علق الناقد سيد محمود على طريقة كتابة نوح لروايته بأنه بنى هذا المتخيل الروائي من مصادر تاريخية،والذي اشتمل على تداخل بين التاريخ الرسمي والتاريخ الشعبي،ومحاولة صناعة أسطورة روائية من خلال تحويل شخصية البطل إلى ولي صالح،ولا يغيب عن ذهننا في تكنيك الرواية مسألة رواية الأجيال،والتي لها ظل في هذه الرواية يشير إلى القهر والتهميش التي عانى منها المسيحيون على مدى أجيال في المجتمع المصري.
*أنسنة التراث المقدس:
تحدث الناقد د.مدحت صفوت عن الرواية،فأشار إلى الظلم الذي وقع على سعيد نوح باختزاله في روايته المؤثرة"كلما رأيت بنتاً حلوة أقول يا سعاد"دون النظر إلى إبداعاته الغزيرة الأخرى،وهو نفس الظلم الذي تعرض له الطيب صالح باختزاله في روايته"موسم الهجرة إلى الشمال"،وأشار إلى أنه بعكس البساطة التي قدم بها نوح روايته،فإن ثمة صعوبة في تلقي العمل،وأحداثها أحياناً بها الكثير من الضبابية والتداخل،وأضاف: نحن بصدد رواية تتحدث عن الشرائح المسيحية داخل المجتمع المصري فيما بين القرنين التاسع عشر والعشرين،وتتناول تفاصيل اجتماعية وتاريخية تخص هذه الشرائح،حتى أنها تبدأ بقصة تبدو أسطورية تتعلق بترسيم بطرك،وهى رواية مربكة جداً من وجهة نظري لامتلائها بالحكايات المتشعبة التي يجمعها الجو الأسطوري،والإطار الديني المسيحي،وهناك ثمة توظيف للإنجيل والحكايات الواردة به فيما يشبه إعادة إنتاجها،حتى أن شخصية المسيح(عليه السلام)تبدو في الرواية،وبشكل غير مباشر،كأنها المعادل الموضوعي لشخصية البطل"مظلوم"،الذي يتعامل بمنتهى المحبة والتسامح الذي يشبه تسامح المسيح،برغم كل الظلم الذي يتعرض له،ولكن الشخصية الأبرز في توظيفها هى"مريم المجدلية"في محاولة لأنسنة التراث المقدس،وفي منتصف الرواية تبدأ الأحداث في الوضوح،والتصاعد الدرامي الطبيعي،لكن أريد التوقف عند بعض المقولات الواردة في الرواية،والتي تعد بمثابة مفاتيح لقراءتها،مثل "الحقيقة تحتاج إلى ألف عين وعين"،وهذه الرواية تحتاج إلى ألف عين وعين لفهم مغاليق العالم المسيحي!
*الدين الشعبي المشترك:
أشار سيد محمود إلى افتتان سعيد نوح باللغة المحكية أكثر من اللغة المكتوبة،وولعه بالتراث الشفهي،كما لفت إلى أن سعيد نوح بخلفيته الإسلامية لم يسع لأنسنة التراث المقدس كما أشار د.مدحت صفوت،بقدر ما حاول الاشتباك معه بوعيه الخاص،وتركيزه على المشتركات التي يمكن اعتبارها بمثابة"الدين الشعبي المشترك"،ولعل هذا يتضح مثلاً في التشابه الكبير بين الموالد الإسلامية والمسيحية،والتاريخ في هذه الرواية يصنع الإطار والظلال التي تمثل خلفية السرد الروائي،لكنها لا تمثل السرد نفسه.
*الشخصية الملهمة:
في ختام المناقشة أكد سعيد نوح على أن التاريخ لا يعنيه تماماً بأحداثه،ولكن ما يعنيه هو البحث فيه عن شخصية ملهمة ليحاول أن يصنع منها شيئاً مخالفاً للتاريخ،وأن صناعة الكاتب هي صناعة ثقيلة تستدعي الكثير من القراءة والبحث،وأنه يقرأ يومياً بنهم،ليس لتمضية الوقت،ولكن قراءة معرفية تساعده في الكتابة،كما أشار إلى أن كل رواية كتبها تعب من أجل استلهامها من الواقع،وضرب أمثلة بروايته"أحزان الشماس"التي من أجل أن يكتبها طلب من البابا في دير المحرق السماح بالعيش مع الرهبان بالدير،من أجل استلهام شخصية مسيحية موازية لشخصية أختي"سعاد"التي كتبت عنها روايتي الأولى بدموعي في أسبوع،وبعد أن أعجب البابا بالرواية عندما أهديتها له،إتصل بي بعد خمسة أيام،وكنت بفضل الله المسلم الوحيد الذي مكث بدير المحرق مدة 114 يوماً،وكان ذلك سنة 1994 وفي بداية سنة 1995 شرعت في كتابة رواية"أحزان الشماس"،وصدرت الرواية سنة 2010 أى بعد كتابتها بخمسة عشر عاماً،في حين أن رواية"أحوال المظلوم"طبعت وصدرت بعد كتابتها بعشرين يوماً فقط،ورواية"ملاك الفرصة الأخيرة"تصادف وقت أن قدمتها للدار أنه كان وقت التقدم لجائزة البوكر،وعندما أعجبت الناشر قرر طباعتها بأسرع وقت ممكن خلال شهر للتقدم بها إلى المسابقة،ويبدو أن مصائر أبطال رواياتي مثل مصائر الأحياء تماماً،والكتابة بالنسبة لي هى حياة،وأمنية حياتي أن أكون نقطة في إسم نجيب محفوظ،فأنا أعيش وأستمد غذائي الروحي وأتعلم باستمرار من كتاباته،ومن كتابات أستاذنا يحيى حقي التي أنارت لي طريقي،كما تعلمت من مقولة أبي ذر الغفاري"أن إقامة النخل أهم من إقامة ألف صلاة"أى أن تعمير الأرض هو أساس الكون.