القاهرة 09 ابريل 2019 الساعة 01:09 م
بقلم: يعقوب الشاروني
في البدء نؤكد أن واقع ومستقبل كتاب الطفل والقراءة فى عالمنا العربى المعاصر
فى ضوء المتغيرات العالمية يمكن قراءته وتحليله من خلال عدة محاور وحقائق:
أولاً : واقع كتاب الطفل والقراءة
فى مصر والعالم العربى
* أهم الحقائق التى أظهرتها الدراسات الإحصائية :
أولاً : عدد المطبوع :
- لا يتجاوز عدد النسخ المطبوعة من كل طبعة من أى كتاب عربى ، ألف أو ألفان نسخة .
- هناك 6,16 مليون نسخة من الصحف تباع يوميًّا فى المنطقة العربية ، لعدد سكان يزيد عن 360 مليون نسمة ، بمعدل نسخة واحدة يوميًّا لكل 22 مواطن ، أى بنسبة 4 % فقط يشترون الصحف يوميًّا .
ثانيًا : واقع القراءة :
- 88 % من الأسر المصرية لا يقوم أيًّا من أفرادها بقراءة أى نوع من أنواع الكتب ( بخلاف الكتب المدرسية ) .
- 76 % من الأسر لا تقوم بقراءة الصحف أو المجلات على الإطلاق .
- يقدر عدد الأسر المصرية التى يقوم أحد أفرادها على الأقل بممارسة القراءة ، بحوالى 2,2 مليون أسرة ، منهم حوالى 5,1 مليون أسرة لديها مكتبة صغيرة بالمنزل .
- 79 % من القراء الحريصين على قراءة الكتب ، يقبلون على قراءة الكتب الدينية – تليها الكتب العلمية بنسبة 33.4 % - ثم الكتب الأدبية بنسبة 29.3% - وأخيرًا الكتب ذات الموضوعات السياسية بنسبة 11 % .
- الكتب التى يقرأها الأطفال ، من بين كتب أفراد الأسر الحريصون على القراءة ، تبلغ 4.4% ( فقط !! )
- 85.2 % من النشء ، يرون أن " موضوع الكتاب " هو أهم العوامل التى تؤثر فى اختيارهم لكتاب معين – يليه المؤلف بنسبة 23% .
ثالثـًا : أسباب تراجع القراءة :
- 72 % من الأسر المصرية يرون أن السبب فى عدم إقبال المجتمع على القراءة بشكل كبير هو انتشار الأمية ، ثم أولويات الحياة ، يلى ذلك انخفاض الدخول وذلك بنسبة 56 % - ثم عدم تشجيع الأسرة ، ثم يأتى ارتفاع أسعار الكتب بنسبة 41 % . وبعد ذلك كثرة الأعباء المدرسية ( الواجبات المنزلية ) .
- هناك نقص فى انتشار عرض الكتب للبيع ، مثل تركيز عرض الكتب فى المدن الكبرى فقط .
- يقضى المواطن العربى وقتًا طويلاً مع الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى ، بدلاً من قراءة الكتب .
- المناهج الدراسية لا تشجع على ربط تلك المناهج بالقراءة الحرة والمكتبة المدرسية .
- يواجه الناشرون مشاكل تتمثل فى عدم احترام قواعد حقوق التأليف والنشر - وعدم وجود موزعين جيدين للكتب - والعقبات أمام إنشاء شبكات توزيع إقليمية للكتب - وندرة مكتبات بيع الكتب - وقلة مكتبات القراءة العامة .
- 46 % من النشء يُرجعون أسباب عدم الإقبال على القراءة بشكل عام إلى عدم تشجيع الأسرة ، يليها كثرة القنوات التليفزيونية بنسبة 40 % ، ثم كثرة الأعباء المدرسية بنسبة 26 % .
رابعًا : بعض الحلول :
- 57 % من النشء المصرى ( فى الفئة العمرية 6 – أقل من 15 سنة ) يطالبون التوسع فى إنشاء المكتبات ، التى تعتبر من أهم العوامل التى تشجع النشء على القراءة - يليها التشجيع على القراءة من خلال وسائل الإعلام ( 45 % ) .
- 76 % من أرباب الأسر المصرية - التى يقوم أحد أفرادها على الأقل بالقراءة - يحرصون على القراءة لأبنائهم .
- 82 % من النشء يرون أن الوالدين من أكثر الأشخاص قدرة على التأثير فى النشء لتشجيعهم على القراءة - يليه توفير الكتب - يليه تخصيص حصص للقراءة بالمدرسة .
- 61 % من الشباب الذين يمارسون القراءة يعتبرون الاستعارة من المكتبات هى المصدر الأساسى الذين يعتمدون عليه للحصول على الكتب - يليها الشراء بنسبة 44 % .
** ملاحظة مهمة : لم تتعرض أى دراسة إلى ضرورة الاهتمام بتغيير شكل ومحتوى الكتب الموجهة للأطفال والشباب الصغير ، كوسيلة رئيسية لجذب الأطفال إلى القراءة وحب الكتب.
ثانيًّا : كتاب الطفل والقراءة
فى ضوء المتغيرات العالمية
* أهم آثار عصر الصورة على أدب الأطفال :
عَوَّدَت الوسائل المرئية عيون الأطفال على مُشاهدة الأشياء وليس الاستماع إلى وصف لها ، لهذا أصبحوا ، فى كتبهم ، فى حاجة إلى صور ورسوم لكل ما يمكن أن تراه عيونهم ، ولم يعودوا مستعدين " لقراءة وصف " لما يمكن أن يتعرفوا عليه بواسطة حاسة البصر .
* لذلك حدث انفجار فى زيادة ما يصدر من كتب الرسوم المُسَلْسَلة ( والتى يمكن أن نطلق عليها "النصوص التصويرية " ) ، التى يتلازم فيها النص مع رسم لكل فقرة ، ليس لصغار الأطفال ، بل للعمر المتوسط ( 8 - 12 سنة ) ، والشباب الصغير ( من 13 - 18 سنة ) ، والذين أصبحت الصورة تلعب بالنسبة لهم دورًا مُهمًّا فى التشجيع على القراءة والتحمس لها ، وهو ما يقرره عدد كبير من الخبراء فى أنحاء العالم ( كتاب " كتب الأطفال.. دراستها وفهمها "- تأليف " برو جودوين " ، الصادر سنة 2008 ) .
وبدأنا نجد أهم كلاسيكيات الأدب العالمى ، مثل قصص مسرحيات شكسبير وروايات كبار الكتاب العالميين ، يُعاد تقديمها فى كتب من هذا النوع الذى انتشر انتشارًا هائلاً ، وهو ما جعل معظم دور النشر العالمية ( النشر الورقى ) تخصص اهتمامًا يتزايد عامًا بعد عام لإصدار مثل هذه الكتب ، التى يُـقْبــِـل عليها المزيد من شباب القراء الصغار كل يوم ، بعد أن أصبحت الصورة تجذب انتباههم بنفس قوة جاذبية النص ، مثلما تحتل الصورة مكان الصدارة على الشاشات .
ولعل من أشهر هذه النوعية ، كتب " المانجا " اليابانية ، التى انتشرت ترجماتها بين المراهقين فى بلاد كثيرة ، وبدأت الشركة المصرية العالمية للنشر - لونجمان ، بنشر بعضها أخيرًا مع ترجمة النص إلى العربية ، ومن بينها قصة مسرحية " هاملت " لشكسبير .
وفى هذا يقول أحد كبار المتخصصين فى أدب الأطفال الإنجليزى : " تقدم القصص التصويرية للقراء من جميع الأعمار الكثير مما يمكنهم اكتشافه . بالإضافة إلى أن هذه القصص تلعب دورًا فى تشجيع القراءة والتحمس لها بين صفوف المراهقين ( أو صغار البالغين ) من القراء " .
ويضيف : على الرغم من أن النصوص التصويرية كانت تستهدف فى أول أمرها الأطفال الصغار، فإن معظم ما يُنشر منها اليوم يستهدف القراء الأكبر سنًا ، على الرغم من أن بعضها قد يروق أيضـًـا لصغار القراء - وهى نصوص يمكن أن تتناول أى موضوع أدبى ( برو جودوين : " كتب الأطفال .. دراستها وفهمها " ) .
- ومفتاح فهم هذه النصوص ، هو التركيز على المرونة التى تتسم بها النصوص التصويرية ، بحيث تُستخدم فى رواية القصص بطريقة بسيطة .
لكن هذه المرونة تعنى أيضًا أن هذه النصوص يمكن أن تُستخدم فى رواية القصص المعقدة ، أو شرح الأفكار الصعبة غير المعتادة .
- والمسألة الرئيسية هنا ، أن هذه النصوص التصويرية أداة أو وسيلة أكثر منها نوعًا ، لأنها كما تقدم نصوصًا بسيطة للصغار ، يمكن أن تُسْتـَخْدَم فى وضع نصوصٍ تنم عن الموهبة والإبداع فى الكتابة الروائية .
- ويمكن استخدامها أيضًا بنجاح فى وضع نصوص غير خيالية Non Fiction ، بما فى ذلك السير الذاتية وقصص حياة بعض الشخصيات .
- علاوة على أن هذه الوسيلة تسمح للمؤلف بمخاطبة قطاع عريض من كافة الأعمار .
* لقد أصبح نقاد أدب الأطفال فى الغرب يعتبرون النصوص التصويرية عالمًا موازيًا لعالم القصة ، بعد أن أصبحت تحظى باهتمام كبير فى أمريكا وفى كثير من دول أوربا .
* بل هناك الآن من يرون أن النصوص التصويرية وسيلة ناجحة لجذب من لا يقرءون كثيرًا . وهناك عدد كبير من المدرسين يدركون أنها تعد من أفضل الأنماط الأدبية وأكثرها تحفيزًا فى مجال تعليم القراءة ( المرجع السابق الإشارة إليه ) .
* لكن كُتب المراهقين " المرسومة " هذه ، تـَـصْدُر بغير ألوان فى كثير منها ، للحد من التكلفة .
- كما يُلاحَظ ارتفاع ثمن هذه الكُتب لمواجهة أداء حقوق الرسام ( بالإضافة إلى حقوق المؤلف ) ، مع ارتفاع تكلفة طباعة الرسوم - ومع ذلك تجد إقبالاً كبيرًا من القراء الشباب .
- ونشير إلى تقارب طريقة كتابة هذا النوع من الكتب مع طريقة كتابة السيناريو السينمائى .
* ملاحظة مهمة :
لكن أحد الفروق الرئيسية بين النصوص التصويرية التى تُكْتَب " للأطفال " ، والنصوص التصويرية التى تُقدَّم حاليًّا بكثرة " للشباب الصغير " ، هو تزايد الاهتمام بارتفاع مستوى النص المكتوب " بجوار " الرسوم واقترابه من مستوى النص الأدبى الجيد المتكامل ، لمعالجة ما كان يُوَجَّه دائمًا إلى رسوم الكومكس والاستربس لصغار الأطفال من أنها تجنى على المستوى القرائى ، لاهتمامها بالرسوم على حساب تهميش النص المكتوب . ومن أفضل ما تلجأ إليه هذه الكتب حاليًّا ، كتابة النص خارج كادر الرسوم وليس داخلها فى بالونات .
* أما فى العالم العربى ، فقد بدأ التنبه أخيرًا إلى هذه النوعية من الكتب ، لكن الاهتمام بها لا يزال محدودًا جدًّا حتى الآن .
** أثر السينما وألعاب الفيديو على القراء الصغار :
كذلك أصبحت أفلام السينما من أهم الفنون التى يتعايش معها أطفالنا حاليًّا منذ الطفولة المبكرة ، قبل أن يجيدوا القراءة بوقت طويل ، وذلك نتيجة تعوُّد الأسرة على فتح التليفزيون طوال النهار طالما الكبار داخل المنزل ، دون التنبه إلى أثر ذلك على صغار الأطفال ، أو لعدم إدراك البالغين لوجود مثل هذا الأثر أصلاً .
ونتيجة لذلك تَشَكَّل تذوق الأطفال للعمل الروائى المقروء بالبناء الفنى الذى تحرص عليه أفلام السينما ، وعلى وجه خاص الأفلام الموجهة إلى الأطفال .
- ولا شك أنه كلما اقترب بناء العمل القصصى أو الروائى وإيقاعه من هذا الذى تَعَوَّد الأطفال على مشاهدته والتفاعل معه ، كان ذلك عاملاً مهمًّا فى جذبهم إلى القراءة، وتذوقهـم لما يقــرءون من أعمــال روائية أو قصصية .
لهذا فإن الأديب الذى يكتب للأطفال ، لابد أن يتنبه إلى تأثير مُشاهدة أطفال الأجيال الجديدة - على نحو مستمر ومتواصل - لأفلام السينما ، سواء شاهدوها عن طريق الفيديو بالمنازل ، أو شاهدوها مع الكبار فى عدد كبير من القنوات الفضائية التى تخصّصت فى تقديم الأفلام .
* ومن أهم آثار مشاهدة الأطفال لأفلام السينما، أن عيون الأطفال تعودت أن "ترى" الأشياء:
أشكال الملابس ، طُرز العمارة ، مفردات الأثاث ، عناصر البيئة (صحراء - بحر - قرية -مدينة) ، وتأثيرات المناخ ( سماء صافية / سُحب / أمطار .... ) ، وبالتالى قَلَّ اهتمامهم " بقراءة وصف " لهذا الذى تعوَّدت عيونهم أن تستوعبه جيدًا بغير حاجة إلى كلمات .
- لذا فإن أدباء الأطفال لم يعودوا فى حاجة إلى إطالة الوصف لما يمكن أن تراه العين .. فهل أصبح عليهم أن يتركوا مُهمة الوصف البصرى لعمل الرسام ، الذى أصبح دوره ضروريًّا ومطلوبًا حتى بالنسبة لكُتب المراهقين والشباب ؟!
* كما تَعَوَّد الأطفال على الاستماع إلى " الحوار المباشر " ( direct speech ) ، سواء فى الأفلام أو التليفزيون - فلم يعودوا يتقبلون كثيرًا أن نكتفى بأن نسرد لهم مضمون الحوار ( indirect speech ) .
* كذلك قد نتساءل عن تأثير الطول الزمنى للأفلام على عدد كلمات وعدد صفحات كتاب الطفل - ذلك أن زمن عرض فيلم الأطفال يتراوح ما بين ( 50 ) دقيقة وساعة وربع أو ساعة ونصف - فهل تأثرت قدرة الطفل على الاستمرار فى المطالعة ، وأصبحت محدودة بعدم القدرة على الاستمرار فى القراءة زمنًا أطول من فترة عرض الفيلم ، مع مُراعاة اختلاف القدرة باختلاف العمر ؟
- مع ملاحظة أنه لابد من دراسات ميدانية تدور حول أطفال العالم العربى ، ولا نكتفى بالاعتماد على دراسات تتم فى أوربا أو أمريكا ، لاختلاف المناخ الثقافى المحيط بالأطفال .