القاهرة 02 ابريل 2019 الساعة 09:47 ص
كتب :صلاح صيام
"الشعر العربي خضع منذ خمسينيات القرن الماضي لتخريب منهجي مقصود، كان من نتيجته هذا التسيّب الذي لا يخفى على أحد".. جملة كان يرددها فى سنواته الأخيرة الشاعرالسورى الكبير عمر أبو ريشة, وكان يوجهها صراحة لبعض الجهات, وقال أن تخريب الشعر العربي وهو من مقومات الأمة وأحد عناصرها الثقافية عملية لا تقل خطورة عند أعدائنا، عن أية عملية أخرى, فهذه العملية من شأنها فصل حاضر الأمة عن ماضيها، وإضعاف هويتها الثقافية، وإلهائها في معارك جانبية حول الأشكال الشعرية.
خطورة هذا الكلام أنه صادر من أحد كبار شعراء وأدباء العصر الحديث وله مكانة مرموقة في ديوان الشعر العربي وهو الشاعر الأديب الدبلوماسي الذي حمل في عقله وقلبه الحب والعاطفة للوطن وللإنسان وللتاريخ السوري والعربي وعبر في أعماله وشعره بأرقى وأبدع الصور والكلمات والمعاني.
فهل هل ما زال الشعر ديوان العرب؟ حملنا السؤال إلى الشاعر والكاتب جمال النوفلي أمين صندوق الجمعية العمانية للكتاب والادباء, فقال: الشعر ديوان العرب!، هذه الجملة مستهلكة جدا، وقد هجرها الكثير من الأدباء والمثقفين، لم تعد الأمور كما كانت من قبل، ومن قبل أعني بها عصر كبار أدباء ونقاد العرب حين كانت الدراسات النقدية والشعرية تلقى رواجها واهتمامها من الشارع العربي، وحين كان النقاد يغصون في كتب التراث القديمة وما تم تجميعه وحرزه من آثار أدبية شعرية لأجل استجلاء ما خلفه الأقدمون من كل العصور من تاريخ وثقافة وفكر ومعارف، فالشعر القديم يعتبر من المصادر العلمية الأكثر صدقا بالرغم من أنه لم يكتب أساسا لأجل الأغراض العلمية والمعرفية، لهذا كان يطلق على الشعر ديوان العرب، أما الان ومع تجدد العصر وتغير أدواته وتطورها فإنه لم يعد يرجى من الشعر أن يحقق تلك الغاية وأن يكون ديوان العرب.
ما يحسب للشعر اليوم هو حفظه للغة العربية ولهجاتها المختلفة من الاندثار، لأن أغلب المعارف تكتب باللغة العربية الفصحى وهذا شيء جيد لا غبار عليه، لكنه من جهة أخرى يترك اللهجة العربية الأصيلة لتضيع في مهب الريح، لهذا كان للشعر الشعبي بجانب الشعر الفصيح دور مهم لأجل حفظ اللهجات ونقلها بين مختلف الأقطار العربية وحفظها للأجيال اللاحقة من الاندثار.
وحول انخفاض مبيعات الشعر وتجاهل دور النشر لنشره قال: نعم فعلا اتفق معكم في هذا، والسبب في اعتقادي عائد إلى تغير ذائقة المتلقي والمتذوق للشعر، فالشعراء الفصيح يكتبون في كوم والمتذوقون يبحثون في كوم آخر، كما أن حركة التجديد الغربية التي طالت الشعر العربي أثرت فيه أيما تأثير حتى جعلته غريبا بين أهله، وهذا أمر أقف عليه وأريد من الأكادميين والشعراء أن يعيدوا النظر فيه، أنا لست ضد تحديث الشعر وتطويره، ولست ضد كسر القيود الخليلية ولست أيضا ضد قصيدة النثر ولا أي نوع من الشعر المستحدث، لكني أقول بأن الشاعر فقد جمهوره، فهناك فجوة كبيرة جدا بين الشعراء والجمهور، ذائقة عموم الجمهور العربي ما زالت متدنية جدا والسبب في ذلك الأنظمة التعليمية العربية، فهو يريد أن يستمع إلى تلك القصيدة التقليدية التي تطربه في الآن واللحظة والتي تحوي الموسيقى وقليلا من الخيال وبعضا من الحكم والشاعرية مع أسلوب خطابي مباشر. لهذا نجد هذا النوع من الشعر يلقى صدى وحضورا واسعا من الجمهور ويتم تناقلها، ولهذا نجد أن بعض الشعراء يضطر أن يكتب هذا النوع من الشعر حتى يلاقي قبولا وانتشارا بين الناس.
وبسؤاله عن هل نملك اليوم شعراء جادين؟ قال: نعم هناك كثير من الشعراء الرائعين في الوطن العربي، في المحافل والملتقيات الثقافية العربية التي حضرتها أو المسابقات والبرامج التي انتشرت في الآونة الاخيرة نستمع إلى شعراء جيدين وحقيقيين، كثرة بلغت من العسير جدا على أحد أن يتميز أي الشعراء أفضل، مع عدم وجود حركة نقدية حقيقية تقيم هذا الانتاج الغزير جدا من الشعر الذي أصبح مختلطا بالرديء والضعيف، ومع فقداننا للنقاد المخلصين، فالمجاملات في الشعر أصبحت ظاهرة والجوائز والشهادات التي توزع على الجيد والرديء أفسدت الساحة والذائقة حتى أن الأديب يشك في ذائقته الشعرية, نحن كعرب بحاجة لأن نكون أكثر صرامة وجدية في النقد والاختيار سواء في الشعر أو غيره من الفنون، المجاملة هي فساد أدبي خاصة حين تصدر من المحكمين والنقاد.
وعن كيفية إحياء الشعر وإعادته إلى سابق مجده قال: الشعر ما زال حيا ونشيطا، هناك أنواع من الشعر هي مهددة بالهجر، لكن الشعر عامة ما زال يحظى بشعبيته مع الجمهور العربي، فالعربي بطبيعته يحب الشعر ويطرب له ويحفظه ويتغنى به، وهذا نادر الحصول في الأمم الأخرى فهم لا يحفظون الشعر ولا تمتلأ القاعات لأجل سماع قصيدة، مع الاشارة إلى أن الجماهير تهتم وتسعى لسماع الشعر وليس لقرائته، فالدواوين الشعرية لم يعد لها إقبال وقلما تقتنى الدواوين، لكن القصائد المسجلة بالصوت تنتشر بكثرة في وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى الشعراء أن يواكبوا هذا التطور وينشرون قصائد مصورة ومسجلة وربما عليهم أن يتعاونوا مع غيرهم من الفنانين كالمصورين والموسيقيين, فبهذه الطريقة يمكنهم أن يحييوا قصائدهم وشعرهم.
وحول صعوبة نشر القصيدة الآن في الصحف الورقية ومن المسؤول وما الحل؟ قال: بالنسبة لي الصحافة الورقية سوف تنتهي خلال خمس السنوات القادمة، معنا في سلطنة عمان أغلقت معظم الملاحق الثقافية الورقية، ولم يعد من السهولة إيجاد صحف ورقية للنشر فيها، وهذا ليس له علاقة بجودة المنتج الشعري ولكنه كما أسلفت ضريبة التطور الرقمي، نحن الآن في العصر الرقمي حتى تلك القصائد التي تنشر في الصحف لا يتم نشرها إلا إكراما وتقديرا للشاعر نفسه، وإلا فإن الصحيفة الورقية لم تعد الخيار الوحيد والأفضل لنشر قصيدة شعرية.
أوجاع أصحاب القوافى (8)
الشاعر العمانى جمال النوفلي: الشعر حفظ اللغة العربية ولهجاتها المختلفة من الاندثار
كتب :صلاح صيام
"الشعر العربي خضع منذ خمسينيات القرن الماضي لتخريب منهجي مقصود، كان من نتيجته هذا التسيّب الذي لا يخفى على أحد".. جملة كان يرددها فى سنواته الأخيرة الشاعرالسورى الكبير عمر أبو ريشة, وكان يوجهها صراحة لبعض الجهات, وقال أن تخريب الشعر العربي وهو من مقومات الأمة وأحد عناصرها الثقافية عملية لا تقل خطورة عند أعدائنا، عن أية عملية أخرى, فهذه العملية من شأنها فصل حاضر الأمة عن ماضيها، وإضعاف هويتها الثقافية، وإلهائها في معارك جانبية حول الأشكال الشعرية.
خطورة هذا الكلام أنه صادر من أحد كبار شعراء وأدباء العصر الحديث وله مكانة مرموقة في ديوان الشعر العربي وهو الشاعر الأديب الدبلوماسي الذي حمل في عقله وقلبه الحب والعاطفة للوطن وللإنسان وللتاريخ السوري والعربي وعبر في أعماله وشعره بأرقى وأبدع الصور والكلمات والمعاني.
فهل هل ما زال الشعر ديوان العرب؟ حملنا السؤال إلى الشاعر والكاتب جمال النوفلي أمين صندوق الجمعية العمانية للكتاب والادباء, فقال: الشعر ديوان العرب!، هذه الجملة مستهلكة جدا، وقد هجرها الكثير من الأدباء والمثقفين، لم تعد الأمور كما كانت من قبل، ومن قبل أعني بها عصر كبار أدباء ونقاد العرب حين كانت الدراسات النقدية والشعرية تلقى رواجها واهتمامها من الشارع العربي، وحين كان النقاد يغصون في كتب التراث القديمة وما تم تجميعه وحرزه من آثار أدبية شعرية لأجل استجلاء ما خلفه الأقدمون من كل العصور من تاريخ وثقافة وفكر ومعارف، فالشعر القديم يعتبر من المصادر العلمية الأكثر صدقا بالرغم من أنه لم يكتب أساسا لأجل الأغراض العلمية والمعرفية، لهذا كان يطلق على الشعر ديوان العرب، أما الان ومع تجدد العصر وتغير أدواته وتطورها فإنه لم يعد يرجى من الشعر أن يحقق تلك الغاية وأن يكون ديوان العرب.
ما يحسب للشعر اليوم هو حفظه للغة العربية ولهجاتها المختلفة من الاندثار، لأن أغلب المعارف تكتب باللغة العربية الفصحى وهذا شيء جيد لا غبار عليه، لكنه من جهة أخرى يترك اللهجة العربية الأصيلة لتضيع في مهب الريح، لهذا كان للشعر الشعبي بجانب الشعر الفصيح دور مهم لأجل حفظ اللهجات ونقلها بين مختلف الأقطار العربية وحفظها للأجيال اللاحقة من الاندثار.
وحول انخفاض مبيعات الشعر وتجاهل دور النشر لنشره قال: نعم فعلا اتفق معكم في هذا، والسبب في اعتقادي عائد إلى تغير ذائقة المتلقي والمتذوق للشعر، فالشعراء الفصيح يكتبون في كوم والمتذوقون يبحثون في كوم آخر، كما أن حركة التجديد الغربية التي طالت الشعر العربي أثرت فيه أيما تأثير حتى جعلته غريبا بين أهله، وهذا أمر أقف عليه وأريد من الأكادميين والشعراء أن يعيدوا النظر فيه، أنا لست ضد تحديث الشعر وتطويره، ولست ضد كسر القيود الخليلية ولست أيضا ضد قصيدة النثر ولا أي نوع من الشعر المستحدث، لكني أقول بأن الشاعر فقد جمهوره، فهناك فجوة كبيرة جدا بين الشعراء والجمهور، ذائقة عموم الجمهور العربي ما زالت متدنية جدا والسبب في ذلك الأنظمة التعليمية العربية، فهو يريد أن يستمع إلى تلك القصيدة التقليدية التي تطربه في الآن واللحظة والتي تحوي الموسيقى وقليلا من الخيال وبعضا من الحكم والشاعرية مع أسلوب خطابي مباشر. لهذا نجد هذا النوع من الشعر يلقى صدى وحضورا واسعا من الجمهور ويتم تناقلها، ولهذا نجد أن بعض الشعراء يضطر أن يكتب هذا النوع من الشعر حتى يلاقي قبولا وانتشارا بين الناس.
وبسؤاله عن هل نملك اليوم شعراء جادين؟ قال: نعم هناك كثير من الشعراء الرائعين في الوطن العربي، في المحافل والملتقيات الثقافية العربية التي حضرتها أو المسابقات والبرامج التي انتشرت في الآونة الاخيرة نستمع إلى شعراء جيدين وحقيقيين، كثرة بلغت من العسير جدا على أحد أن يتميز أي الشعراء أفضل، مع عدم وجود حركة نقدية حقيقية تقيم هذا الانتاج الغزير جدا من الشعر الذي أصبح مختلطا بالرديء والضعيف، ومع فقداننا للنقاد المخلصين، فالمجاملات في الشعر أصبحت ظاهرة والجوائز والشهادات التي توزع على الجيد والرديء أفسدت الساحة والذائقة حتى أن الأديب يشك في ذائقته الشعرية, نحن كعرب بحاجة لأن نكون أكثر صرامة وجدية في النقد والاختيار سواء في الشعر أو غيره من الفنون، المجاملة هي فساد أدبي خاصة حين تصدر من المحكمين والنقاد.
وعن كيفية إحياء الشعر وإعادته إلى سابق مجده قال: الشعر ما زال حيا ونشيطا، هناك أنواع من الشعر هي مهددة بالهجر، لكن الشعر عامة ما زال يحظى بشعبيته مع الجمهور العربي، فالعربي بطبيعته يحب الشعر ويطرب له ويحفظه ويتغنى به، وهذا نادر الحصول في الأمم الأخرى فهم لا يحفظون الشعر ولا تمتلأ القاعات لأجل سماع قصيدة، مع الاشارة إلى أن الجماهير تهتم وتسعى لسماع الشعر وليس لقرائته، فالدواوين الشعرية لم يعد لها إقبال وقلما تقتنى الدواوين، لكن القصائد المسجلة بالصوت تنتشر بكثرة في وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى الشعراء أن يواكبوا هذا التطور وينشرون قصائد مصورة ومسجلة وربما عليهم أن يتعاونوا مع غيرهم من الفنانين كالمصورين والموسيقيين, فبهذه الطريقة يمكنهم أن يحييوا قصائدهم وشعرهم.
وحول صعوبة نشر القصيدة الآن في الصحف الورقية ومن المسؤول وما الحل؟ قال: بالنسبة لي الصحافة الورقية سوف تنتهي خلال خمس السنوات القادمة، معنا في سلطنة عمان أغلقت معظم الملاحق الثقافية الورقية، ولم يعد من السهولة إيجاد صحف ورقية للنشر فيها، وهذا ليس له علاقة بجودة المنتج الشعري ولكنه كما أسلفت ضريبة التطور الرقمي، نحن الآن في العصر الرقمي حتى تلك القصائد التي تنشر في الصحف لا يتم نشرها إلا إكراما وتقديرا للشاعر نفسه، وإلا فإن الصحيفة الورقية لم تعد الخيار الوحيد والأفضل لنشر قصيدة شعرية.