القاهرة 05 مارس 2019 الساعة 10:38 ص
كتب : أحمد رجب شلتوت
"أرحب بكم لتحميل كتبي مجانا وإن أعجبتكم يمكنكم شراء النسخة الورقية منها، وهكذا سنخبر دور النشر أن الجشع لن ينفعها". هكذا خاطب الروائي البرازيلي "باولو كويليو" قراصنة الكتب الذين أتاحوا أعماله للتحميل المجاني عبر تحويلها إلى صيغ تصلح للقراءة الإليكترونية، فلدى كويليو قناعة كبيرة بأن النشر المجاني لأعماله عبر الانترنت زاد من أرقام مبيعاتها الورقية بنسبة كبيرة، وهو يرى في قراصنة الكتب لصوص من نوع خاص لا يضر أحدا، بل يقدمون فوائد جمة سواء للكاتب أو الناشر والقراء، فإذا كان الناشر سيكسب من زيادة المبيعات الورقية، فإن ربح الكاتب يتمثل في إتاحة أعماله لأكبر عدد ممكن من القراء، وهم بدورهم يستفيدون من إتاحة الكتب لهم مجانا، فإن أعجبه الكتاب واشتراه ورقيا لن يندم على ثمنه. وقد تبنت الكاتبة الجزائرية أحلام مسغانمي موقفا مشابها حينما أهدت كتابها "نسيانcom." إلى "قراصنة كتبي، فلا أعرف أحداً انتظر إصداراً جديداً لي كما انتظروه، أنا مدينة لهم بانتشاري، فلولاهم لما فاضت المكتبات بآلاف النسخ –المقلدة طبق الأصل – عن كتبي. يسعدني أن يجد الكل في هذا الكتاب باب رزق؛ الله يجعلني غابة، والناس فيّ حطابة". لكنها تراجعت عن موقفها بدعوتها عبر التليفزيون الجزائري إلى مكافحة قرصنة الكتب، باعتبارها خطرا يهدد مستقبل صناعة النشر.
من جانبه يهاجم سعيد عبده رئيس اتحاد الناشرين المصريين قراصنة الكتب، سواء قاموا بتزوير الكتاب الأصلي وطبعه ورقيا أو حولوه إلى صيغ إليكترونية وأتاحوه عبر مواقع الإنترنت، ففي الحالين تتم سرقة المؤلف والناشر، ومع تأكيده على أن الكتاب الورقي لا يزال هو الأكثر رواجًا، بدليل الإقبال الكبير من القراء على معارض الكتب، لكنه يخسر رصيده تدريجيًا بسبب تعرضه للقرصنة، ويقول إنه في ظل عدم وجود قوانين تحرم ذلك فلم يعد أمام الناشرين إلا تكرار مخاطبة جوجل لمنع ظهور المواقع المقرصنة على محركها، مع أنها سابقا لم تستجب لنا، وذلك لمناشدة ضمير القارىء حتى لا يلجأ للكتب المزورة مهما كانت صيغتها وشكلها، ويرى أن انتهاك الحقوق الفكرية والأدبية هي ثقافة؛ فالقارئ العربي لديه فكرة أن الناشر يسرق المؤلف وبالتالي تصح سرقته!".
القارىء أولا:
وقد تباينت مواقف الكُتّاب من تلك الظاهرة، فالكتاب الأكثر مبيعا يقلقون على العائدات التي ينتظرونها من النشر الورقي، بينما الأغلبية منهم يجدون فيها سبيلا يضمن وصول ما يكتبون إلى القرّاء.
ويقول الروائي السوداني "أمير تاج السر": الكاتب في الوطن العربي لا يتضرر من نشر كتبه عبر منصات النشر الإلكتروني لأنه في الأصل لا يتلقى حقوقا من الناشر عن كتابه، مهما انتشر، ومهما باع من النسخ، هنا لا توجد ثقافة الدفع المقدم للكاتب، أو الدفع الذي يحث على الكتابة، مثل أن تشتري دار نشر كتابا لم يكتب بعد من كاتب له اسمه وتاريخه، وإن انتشر الكتاب إلكترونيا، فهذا يزيد من عدد القراء بلا شك، ويوسع من دائرة مناقشة الكتاب بين الأجيال الجديدة، حين يتم إنزاله مجانا، وتتم قراءته بلا تكلفة من أي نوع، ويمثل ذلك ربحا معنويا للكاتب الذي يهمه القارىء أولا، وأنا لا أؤيد قرصنة الكتب بلا وجه حق، ونشرها كأنها عمل مشروع، وفي نفس الوقت أتمنى لو خفضت دور النشر من أسعار الكتب نسبيا، أو أصدرت طبعات شعبية رخيصة؛ بحيث لا يلجأ الناس لسرقتها، وإتاحتها بلا تكلفة.
أما القاص المصري شريف صالح فلا ينكر التأثير السلبي لنشر الكتب مجانا عبر الإنترنت، لكنه يضيف: " قبل أن نلوم من يفعل ذلك فعلى الناشر أن يسأل نفسه هل هو أساسا يحاسب الكاتب بما يرضي الله وفق العقد؟ وعن سبب رواج الظاهرة يضيف "ما يدفع القراء إلى شراء الكتب المزورة أو انتظار نشرها مجانا من خلال مواقع الانترنت هو ارتفاع سعر الكتب الأصلية، ودور النشر تستطيع وقف سوق التزوير من خلال تقديم طبعات متفاوتة الجودة وبالتالي متفاوتة السعر".
خدمة المعرفة:
أما الباحث المغربي عبد الغني عمراني، وهو حاصل على الماجستير في الأدب العربي، وله نشاط في إتاحة الكتب المتخصصة مجانا عبر العديد من الجروبات على الفيس بوك، فيقول إنه وأغلب من يشاركونه النشاط يقصدون تيسير الحصول على المعرفة للباحثين والمثقفين، وهم يتطوعون بجهدهم الخيري وغرضهم فقط المساهمة في نشر المعرفة، بإرشاد الناس إلى روابط كتب موجودة فعلا، أما أصحاب مواقع تصوير الكتب ورفعها، فربما يعززون مكانة مواقعهم لأهداف ما. وأغلب الظن أنهم يجنون الأموال تبعا لكثرة المستعملين، فهذه المثابرة على تصوير الكتب وفق أحدث التقنيات و إدارة الموقع تحتاج أطرا و عاملين و رواتب تدفع، وربما يعوضون هذه التكلفة عن طريق الحصول على نسبة من الإعلانات التي تنشرها جوجل على مواقعهم، وعموما تشكل الكتب المصورة و المنشورة الكترونيا فتحا علميا وتكنولوجيا لم يكن متاحا من قبل، لهذا السبب يتم الإقبال عليها، وكذلك لأنها توفر سيلا معرفيا كبيرا غير معهود قبلا، بالإضافة إلى سهولة الولوج إليها دون الحاجة إلى الذهاب للمكتبة للقراءة، لأنه لا يمكن للاشخاص كلهم أن يتوفروا على مكتبات ضخمة في منازلهم، وأيضا إلى جانب العامل الاقتصادي لأنها تتوفر مجانيا على النت، فاقتناء كتاب ذي جودة أصبح مكلفا اقتصاديا، كما أن توفرها على جهاز الحاسوب يوفر حيزا في المكان والجهد. لكن في المقابل تطرح قضية حقوق المؤلف والنشر و الطباعة، لأننا لا نملك في العالم العربي قوانين مهيكلة للنشر الالكتروني، وأنا أرى أن هذا لا يضر كثيرا، فلازال للكتاب الورقي زبائنه، وهذا ما يلاحظ في معارض الكتاب التي تقام هنا وهناك، كما أن القراءة إلكترونيا متعبة، وأنا شخصيا لا أستطيع القراءة على الحاسوب لمدة طويلة لتأثيرها السلبي على العينين، لذلك لا أستغني عن شراء الكتاب ولو توفرت لي نسخة إلكترونية لنفس الكتاب.
أخيرا يقول الدكتور خالد عزب: إن انتشار هذه الظاهرة فضلا عن بعده الاقتصادي فهو يكشف عجز دور النشر العربية عن مواكبة متطلبات الباحثين، مما اضطر الباحثين إلى تشكيل مجموعات عبر الفيس بوك لتبادل رسائل جامعيّة حول موضوعات يصعب العثور على مصادر عنها بالطرق التقليدية، كذلك تقوم بإتاحة الكتب بصيغ رقمية، وبصورة مجانيّة، وهو ما يراه الناشر الأصلي إهداراً لحقوقه، وهو يرى الحل في ضرورة وجود قنوات للتوزيع الرقمي المنخفض التكلفة، إضافة إلى ضرورة صدور قوانين في الدول العربية للتعامل مع تلك الظاهرة، بحيث تقوم وزارات الاتصالات بحجب المواقع التي لا تحترم حقوق الملكية الفكرية للمؤلف والناشر.