القاهرة 05 مارس 2019 الساعة 10:32 ص
كتب : د. حسين عبد البصير
يدخل فاروق حسني فضاء التجريد الذي يعد أجد أهم عوالمه المفضلة في معرضه الجديد، وتعبر لوحات الفنان عن التجريدية بكل سماتها الفنية ولكن بمسحة شاعرية.. وفيها يسيطر الأزرق والأصفر، ويتداخل مع الأبيض في هارمونية لافتة، ويتفاعل عنف الأحمر ويندمج مع درامية اللون الأخضر بانسيابية غير مسبوقة، وتشتعل اللوحات ككل في انسجام داخلي متناغم يرنو إلى البدايات مرورًا بنقطة الانطلاق ووصولاً لاستشراف آفاق الروح وسبر أغوار الذات والوجدان.
ويلعب الوجدان دوره الكبير في هذه اللوحات التي لا توجد وسيلة لاستقبالها غير الروح والوجدان معًا بعيدًا عن سطوة العقل الحاكمة, وتعد ثيمات السفر والترحال من بين العلامات الفارقة والواضحة في مسيرة الفنان فاروق حسنى الإبداعية، ويبدو أن نهمه لها لم يتنه بعد؛ إذ ما تزال مسيرته الإبداعية أشبه برحلة سفر واستكشاف لقيم ومعانٍ كثيرة يغلب فيها الثقافي الجمالي ويتجاور فيها الروحي مع, ولم يشبع الفنان بعد من لذة المغامرة وروعة البحث والحنين إلى التجريب والتجريد والميل إلى سبر أغوار الهوية الفردية والكونية, وتحفل اللوحات بالمعاني اللانهائية متخفية وراء عدد من الصور المحدودة, وتعجز الصور الماثلة في لوحاته عن الإلمام بكل المعاني التي تطل علينا على استحياء بين اللمسات الساحرة لريشة الفنان المبدع العالمي.
ويظهر عشق الفنان للجمال الأسمى في هذه اللوحات التي تعلي من قدر الجمال في زمن غاب فيه الجمال عن الكثير من الأمور في حياتنا, وتسمح حواسه الفنية الراقية بالارتقاء بالروح وفتح آفاق غير مسبوقة للخيال من أوسع أبواب الإبداع الذي يسكن الروح, وتحتشد لوحات الفنان بالعديد من الأبعاد البصرية والأبعاد السمعية؛ فلكل لوحة الموسيقى الخاصة بها، ومن خلالها نعيش فى موجات عذبة النغم قد تصل إلى الذروة ولكنها لا تبلغ المنتهى, ويدهش الفنان العين بالجمال المتناثر على لوحاته الفنية البديعة التي تحدد أفقًا للوحة لكن لا تحدد أفقًا للجمال الذي ينساب من داخل اللوحة إلى محيطها وممتدًا إلى خارجها في جميع الاتجاهات.
وتكمن قوة فنه التجريدي في قدرته الفائقة على وضع إطار معرفي وجمالي يساعدنا على إدراك إمكانية وجود الأشكال المطلقة ذات البنية الفنية الواضحة أو الخفية, وتشع أشكال وتكوينات الفنان فاروق حسني بأضواء تبهج الروح وتشعل الوجدان وتفجر الطاقات الإبداعية في نفوسنا جميعًا, إن إبداع فاروق حسني هو نوع خاص وله سحر خاص, ويتجلى في إبداعه الغموض والسحر والجمال مع عفوية فنية كاشفة تتصل بروعة البدايات مرورًا بمحاولات التجريب وليس انتهاء بألق النضج الفني وبلوغ قمم الإبداع الذي ينبع من القلب لينير عتمة الروح.
وتعتبر قدرة حسني على إعادة الخلق والإبداع ليس لها مثيل، ففي لوحاته تتجاوز آفاق الفضاء الكوني مع حافة الصحراء من خلال اختياره المميز للألوان؛ حتى يبدع في النهاية عملاً إبداعيًا تتمثل فيه الطبيعة مع الذات والروحي مع المادي في أشكال لا توجد مثيلاتها في الطبيعة من الأصل.
وتولد لوحاته طاقات هائلة في نفوس متلقيه.؛ وهي طاقة تتولد من الوجدان والحواس وتصل بنا إلى دنيا العقل في النهاية, وتعكس اللوحات قدرة الفنان فاروق حسني على المعاصرة والحداثة بحق من خلال تشكيل فني بديع, وتميل رسالة الفنان فاروق حسني إلى العاطفة في لوحاته البصرية والوجدانية والتي تهتم بقضية الجمال في المقام الأول, كما يعتمد بشكل كبير على الألوان المشبعة ويجعل من التشخيص في لوحاته وسيلة لتفتيت اللون المشبع وتحليله إلى مستويات عديدة., وتسفر لوحاته ذات الحس التجريدي عن ظواهر بصرية فى عالم الواقع المعيش والمتخيل معًا, ويعشق الفنان فاروق حسنى التفرد من خلال مزج خلفية لوحاته مع الأشكال غير الظاهرة في أفق غير محدود من الرؤى اللامتناهية.
ومن خلال لوحاته المشبعة بالألوان الجميلة التي تزهو بها الروح ويشدو لها الوجدان، يمكن القول إنه من خلال بنائها من عناصر الخط الدقيق إن هذا الفنان المصري العالمي يجعلنا نفكر فيها وكأنها تشرق مع ضوء الفجر النقي الذي بزغ للكون من سماء مدينة الإسكندرية العالمية حاضنة الثقافة والإبداع والمعرفة عبر العصور, والممثلة لثقافة البحر الأبيض المتوسط الذي تسحر الروح وتزلزل الوجدان.
إن لوحات معرض الفنان فاروق حسني الأخير هي لوحات تعبر عن مسيرة فنية حافلة لفنان رائد صاحب رؤية تجريدية عالمية, تطوف بفضاء الأكوان وتستكشف آفاق الفضاء اللامتناهي للكون والذات في رؤية فنية وإبداعية تميل إلى التجريد, وتكشف الأفكار وتمزج الأحاسيس والمشاعر معًا بحثًا عن الصوت الفني الخاص به الذي لا تخطئه عين, من خلال التماهي بين الشكل المطلق واللون الخالص؛ فتحية احترام وتقدير للمبدع العالمي الفنان فاروق حسني, وفي انتظار الكثير من إبداعاته الفنية المصرية العالمية الفريدة والأصيلة.