القاهرة 26 فبراير 2019 الساعة 02:39 م
كتب : أحمد مصطفى عمر
أقام بيت الشعر بالأقصر أمسية بعنوان " في حضرة امرئ القيس" ، وذلك مساء الاثنين الماضي الموافق 18 فبراير الجاري. حاضر فيها د. زياد الجبالي وقام بتقديم الأمسية الشاعر حسين القباحي مدير بيت الشعر.
بدأ الجبالي حديثه بالحديث عن دراسة الشعر الجاهلي بوصفه أهم الدراسات الأدبية التي ينبغي لدارس الأدب أن يعني بها ويغترف منها مرجعًا هذه القيمة لعدة أسباب: الشعر العربي هو أقدم ما وصل إلينا من فنون الأدب العربي قاطبة، فقد كان الشعر قديمًا هو ديوان العرب؛ ففيه صور حياتهم ورسم مواقفهم وذكر وقائعهم ومنه نستطيع التعرف على حياة العرب وظروف معيشتهم قبل الإسلام، معتمدين على كثير مما ورد في الشعر الجاهلي، والقرآن الكريم نزل موافقًا للغة العرب في الجاهلية ومشيرًا على كثير من عاداتهم وتقاليدهم التي غيَّرَ الكثير منها، فإذا أردت أن تفهم القرآن الكريم فهمًا دقيقًا وجب عليك أن تعرف لغة القوم في الجاهلية وما أحاط بحياتهم من ظروف مختلفة، والشعر الجاهلي من أهم فنون العربية التي أبرزت الوجدان العربي فهو شعر غنائي فيه صور لكمائن النفس الإنسانية، ولا تجد من بين قصائده شعرا ملحميا.
ثم انتقل الحديث بعد ذلك عن الشاعر امرئ القيس بن حجر الكندي مستعرضا بعض جوانب سيرة حياته الحافلة بالأحداث ومخالطته للصعاليك ونزواته وانصرافه إلى اللهو والعبث، ثم تفرغه للثأر من قتلة أبيه وسفره إلى قيصر الروم لمساعدته في ذلك، وهو الشاعر الذي قال عنه لبيد " أشعر الناس ذو القروح" متحدثًا عن خصائص معلقته فهي من أجود المطالع في الشعر الجاهلي، وقد ضربوا بحسنه المثل فقالوا أحسن من "قفا نبك"، وفيها كذلك من الرقة في وصف صواحبه بكلام طيب في نغمة رقيقة وعذوبة شيقة، وقد شهدوا له بالفحولة الشعرية وسار على غرارها الشعراء العرب، وهو أول من وصف الليل والفرس ممهدًا الطريق لمن جاء بعده، وفي معلقته تحدث عن ألوان الطعام وطرق طهيها وتناولها، ومن خلال قراءة معلقته نعرف أن العرب عرفوا الفلفل الأحمر وأن المرأة كانت مدللة ومعززة عندهم.
كما تميز الشعر الجاهلي بالوقوف على الإطلال والالتزام مع الذات والجماعة، فقد التزم الشعراء في العصر الجاهلي بالمقدمات الطللية في بداية قصائدهم بالتعبير عن تجاربهم الشخصية ومشاعرهم الذاتية، فوصف كل واحد منهم ما يعانيه ويكابده من عواطف خاصة، ولكن في الوقت نفسه كان ملتزما بالتعبير عن حياة المجتمع، فالتجارب والمشاعر الذاتية إنسانية بطبعها يشترك فيها كافة البشر والأفكار الذاتية نبع لخواطر المجتمع وأثر من آثاره.
ودار بعد المحاضرة حوار ثري و مداخلات كثيرة من جانب جمهور الحاضرين، أثارت الكثير من القضايا حول نسبة الشعر الجاهلي إلى أصحابه، ودور الرواة في ذلك، وحول قضية انتحال الشعر والسرقات الأدبية وتدوين الشعر الجاهلي ومدى صحة وصدق ما وصلنا منه، وتفاعل الدكتور المحاضر مع كل التساؤلات وأضاف إلى ما قاله إضافات بالغة أثرت الأمسية.
الجدير بالذكر أن الدكتور زياد الجبالي أستاذ متفرغ في الأدب القديم ونقده بكلية الآداب قسم اللغة العربية بجامعة سوهاج، وحاصل على درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى في موضوع خصائص البيئة اليمنية وأثرها في الشعر العربي حتى نهاية القرن الثالث، وله عدد كبير من المؤلفات منها: الأدب المصري الأدب الأندلسي، فارس بني زبيد عمرو الزبيدي، النقد الأدبي عند الإغريق، دراسات في الأدب الجاهلي، كما أن له عدد من الأبحاث المنشورة ودراسات في الأدب القديم.