القاهرة 15 يناير 2019 الساعة 7:59 ص
كتب: محمد علي
أقيم أمس الاثنين الرابع عشر من يناير على مسرح السلام، العرض المغربي "عبث" للمخرج إبراهيم رويبعة، ضمن جدول فعاليات الدورة الحادية عشر لمهرجان المسرح العربي، وقد استلهم العرض فكرته من كتابات ألبير كامو. وسبق للعرض أن شارك في إطار مسابقات مهرجان أيام قرطاج المسرحية.
"عبث" نص تتمحور فكرته حول ماهية الوجود وأهمية أثار الإنسان على الأرض.
لماذا نحن هنا الآن، وماذا لو تخلينا عن منطقية الحياة؟ دون أن يكن لنا ما نميز أو نُعرف به!.
ربما يكون هذا غير معقول داخل عالمنا المادي، لكنه عالم خلقه الفن لعلنا نجد أنفسنا في فهم ما يحيط بنا.
اعتمد رويبعة في مستهل العمل على الألوان الغامقة -حد القتامة- تنبيهًا للحدث المأساوي الذي سيأخذ به وعي وعقل المتفرج إلى زمرة من الأسئلة والأحداث، والتي كانت كفلية بأن تقوم بالمرجو منها تمامًا.
ديكور مُقبض ألوانه قاتمة، إضاءة خافته؛ حتى تظهر أولى الشخصيات التي لا تحمل لقبًا عائليًا، لا حقيقة لها سوي إنها تتحرك، وذلك ما قد حدث لكل شخصيات العمل. مما أكد منذ البداية على النسق العبثي للعمل، علمًا بأن المسرحية تخلو من السريالية نهائيًا.
ماذا يجدر بإنسان مجرد أن يفعل، لا يحمل ذاكرة تمكنه من المطالبة بأحقيته في الحياة؟ لا شيء سوى الخوف والذعر حيال تلك الحياة؛ ومن هنا تبدأ الأسئلة التي يحاول من خلالها مخرج العرض التعرف والوقوف على معنى وسبب واضح لأهمية الوجود. مما يزيد من غموض وجدلية العرض. حتى أنه ومع سرعة إيقاع العرض، لا يتلاشى الشعور بالحيرة وكثرة الاستفهامات.
والحوار قد وصل إلى بعد وعمق فلسفي دلالي في مشاهد عدة وذلك من خلال سرد المعاناة التي تتعرض لها الشخصيات من ضياع لمفهوم المواطنة مما أدى إلى تفاقم إحساسهم بالغربة والضياع. كما ساهم أيضًا في خلق صراعات ضمنية من إشكاليات فلسفية نتيجة المقارنة بين ما هو قد مضي وبين المستقبل وكيف يمكن أن نكون فيه.
ولم تغفل المسرحية الجانب السياسي في أن تدلو بعبثيتها على كيفية إدارة المجال العام السياسي للوضع العربي الراهن، حتى إنه يفاجئ الجميع بأن هناك في جزء ما من هذا العالم يمكث الساسة الذين يخططون لتجريد الإنسانية جميعها من ذاكرتها التي تمكنها من العيش، إلا أنهم يرغبون في نفيهم. والعمل على تعثرهم اجتماعيًا.
أيضًا لم يغفل الجانب السيء للإنسان وما يعتريه من شرور ومكائد. فعلى مدار الساعة لم نشاهد الإنسان على سجيته سواء كان حاكم أم محكوم.
هل عقول الساسة الذين تسببوا في دحر الحياة الاجتماعية والإنسانية والسياسية من خلال تحكمهم في مقاليد الأمور؟، أم هو العقل الجمعي للشعب الذي فضل عمل الشر واغتال المبادئ والقيم الإنسانية الخلاقة؟!
ختامًا؛ قد يكون من الاختزال الاكتفاء بتقرير خبري-تحليلي عن العرض. فالعمل في مجمله يحتاج إلى قراءة ما هو أكثر من ذلك.. ولكن على أي حال كانت "عبث" نجمة أخرى مضيئة في مهرجان القاهرة للمسرح العربي.