القاهرة 08 يناير 2019 الساعة 11:07 ص
د.فايزة حلمي
رغم أن اللغة العربية, غالباً ما تم ربطها مع العرب والتقاليد الدينيةالإسلامية ، إلا أنها حظيت بشعبية واسعة على مدى أكثر من ألف سنة بين شعوب مختلفة ،بما في ذلك ليس فقط المسلمين بل والمسيحيين واليهود, وهنا عددا من الأمثلة الرئيسيةالتي توضح التأثير العالمي للغة والأدب العربي.
من الواضح أن اللغة العربية أساسية في اللغةوالأدب, في البلدان التي تكون فيها اللغة العربيةهي اللغة السائدة ، كما أن لها دوراً فريداً للمسلمين في جميع أنحاء العالم, بسبب الأهمية الدينية للقرآن, لكن في عصر العولمة هذا ، كيف نفهم دور اللغة العربيةوآدابها من حيث صلتها ببقية العالم؟ هذا سؤال مهم لأنه، كما قال السير هاملتون جيب، "الأدب العربي الكلاسيكي هو النُصُب التذكاري الدائم للحضارة، وليس للشعب",وبعبارة أخرى، اللغة العربية ليست ملكية حصرية للناس المعروفين اليوم بإسم "العرب"،ولا هي ملكية حصرية للمسلمين, في الواقع ، بدلاً من ذلك ، هي إرث حضاري للعالم, وهنا تعليقًا موجزًا على جوانب اللغة العربية والأدبالذي يتجاوز المنهج التقليدي للثقافة الإسلامية ليشمل منظورًا عالميًا.
واللغة العربية هي لغة الممارسة الدينية, لمليار ونصف مسلم في جميع أنحاء العالم, والأدب العربي هو مُستودع لعدد كبير من المؤلفاتالأدبية التي تغطي جميع مجالات الثقافة والدين ، التاريخ والعلوم, حيث تُعْتَبرالعربيةلغة سامية ، وهي تنتمي إلى عائلة اللغات, ذاتالمخطوطات الأبجدية (مثل العبرية والآرامية والإثيوبية) التي تنحدر منها في النهاية,الفينيقية القديمة, وتم العثور على أشكال مكتوبة مِن اللغة العربية القديمة, في نقوشالروك في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية ، والتي تستخدم العديد من االمخطوطات المختلفة, مستمدة في النهاية مِن جنوب الجزيرة العربية.
فالمتحدثون العرب استخدموا الكتابة النبطيةمن القرن الثاني قبل الميلاد، وبشكل خاص في مدينة البتراء (في الأردن الحديث)، وأصبحذلك أساسًا للنص العربي المميز, الذي ظهر في سوريا وشمال غرب الجزيرة العربية في القرنالسادس م , ولا شك في أن الأثَرِيين الرئيسيين للأدب العربي القديم هما, الشعر الجاهليوالقرآن، كانت قصائد الشعراء قبل الإسلام هائلة الإبداعات, التي تُلخص وتُعبر عن أفراح المجتمع العربي خلالتلك الفترة.
ثم تنتشر اللغة العربية من خلال الإمبراطوريةالمبكرة للخلافة, بإعتماد اللغة العربية, لغةرسمية للحكم, وكان هذا مَرْسوما من قِبَل الخليفة عبد الملك في عام 691 م. مِمّا جعلاللغة العربية هي اللغة الأساسيّة للإدارة,ومطلوبة للعديد من غَيْر العرب (وغَير المسلمين) للتعلم, وفي البيئة السياسية والثقافيةالجديدة, كان البروز الجديد لها, كَلُغة خلَقت الظروف لثقافة عريضة باللغة العربيةكتقليد أدبي بين مجموعة واسعة من الشعوب.
ثم تتجلى الأهمّيّة الخاصة للشعر العربي, في الثقافة القِبَلِيّة في تصوير الشعراء والمغنين والموسيقيين،فَضْلا عن الموضوعات الفِكْرية العَلمانية, مثل الفلسفة والعلوم ، والكيمياء, ومن هذاالكتالوج العريض، يحصل المرء على حس بالمنظور العالمي المتاح للذين تلقّوا تعليمهمباللغة العربية في العصر الكلاسيكي, وبالتالي كان إنتشار اللغة العربية والأدب بينغَيْر العرب, أمرًا طبيعيًا كمُنتَج ثانوي للفتوحات العربية.
وكان إتقان الأدب العربي, مُتاحا لأي شخص يأمل في تحقيق الشهرة الاجتماعيةأو السياسية, وهذا مثال مثير للإهتمام لهذا الاتجاه, وهو السيرة الذاتية للفيلسوف ابنسينا (1040) ، حيث نعلم أنه على الرغم من إنجازاته الرائعة في العلم والفلسفة, أنْتِقِدَ هذا المُفكّر الفارسي مِن قِبَل باحِث عربي لعدممعرفته قواعد اللغة وفقه اللغة العربية, ورداً على ذلك، أمضى إبن سينا ثلاث سنوات فيدراسة اللغة العربية, وفي نهاية المطاف ، قام بتأليف عدة قصائد شعرية, ورسائل أدبية,في الأساليب الأكثر تعقيدا.
وقد تَفَاجأ الباحِث العربي, بالكلمات وأسلوبالتأليف في المجلد الذي ألّفه إبن سينا، والتي تنافس كتابات أساتذة اللغة العربية الأوائل؛وانتهى الأمر باعتذاره لإبن سينا، حينها أدْرك أن الفيلسوف قد حَصَل على معرفة متفوّقةبالأدب العربي, على الرغم من أصوله الفارسية.
ولا يخفى على أحد أن هناك العديد من غَيْرالعَرب, قد أصبحوا من بيْن أبرزالعلماء, فيجميع العلوم المختلفة الموجودة بالعربية, هذهالظاهرة ربما يمكن تفسيرها من قِبَل حقيقة, أن على غيْر العرب أن يبذلوا جهوداًغير عادية من أجل إتقان اللغة العربية الأدبية, لأنّها لم تكن لغتهم الأم, وهكذا ، في التاريخ وتفسير القرآن، ربما لا يوجداسم مشهور أكثر من العالِم الفارسي "الطبري" ، الذي له أعماله الضخمة, فيكل من تلك الحقول.
وإحدى الوسائل التي أصبحت بها اللغة العربيةواسعة في تغطيتها, الثقافات والعلوم المختلفة, كانت بلا شك حركة الترجمة الضخمة ، والتي ابتداءمن حوالي 800 م , نُقِلَت كمية ملحوظة من العلوم في الفلسفية والأدب من اليونانية إلىالعربية, هذه الحركة ، والتي سُهّلَت إلى حدكبير من قِبَل المسيحيين السريان المتعلمين ، وكثيرا ما شاركوا في الترجمة الأوّليّةمِن اليونانية إلى السريانية ، تليها ترجمة أخرى من السريانية إلى العربية.
وعلى مستوى الجغرافيا ، أصبحت العربية وسيلةلوصف العالَم بشكل كبير, أكثر شمولا مما كان مُمْكِنا في لغات أخرى قبل التوسع الأوروبيمن القرن السادس عشر, بناء على عِلم العلماءاليونانيين مثل بطليموس , والعرب الجغرافيين مكسب مشترك، وكانت النتيجة تصويرًا لامثيل له, من مجموعة واسعة من المجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية في جميع أنحاء العالم,كما أصبحت اللغة العربية أيضا وسيلة, إستطاع بها العلماء العرب, دراسة ثقافات ودياناتشعوب العالم الأخرى والعَكْس, وأحد أبرز الأمثلة هو الباحث البيروني, الذي ترجم عددامن الأعمال السنسكريتية إلي اللغة العربية,ولَم يستطع عربي آخر السَبْق على خُطى البيروني كمتخصص في الدين والفلسفة الهندية.
وقد رحّبت المناطق الأخرى خارج الشرق الأوسطالتاريخي, بتطور اللغة العربية لغة الدين والثقافة, فمنذ القرن السابع عشر، تم استخداماللغة العربية في جنوب شرق آسيا, جنبا إلى جنب مع لغة الملايو كوسيلة لإيصال التعاليمالإسلامية ، وخاصة في النصوص العربية الرئيسية لنشر الإسلام, وفي الأزمنة الحديثة ،كانت اللغة العربية هي وسيط المنشورات الصحفية, في الشتات اليمني والحضرمي في جنوبشرق آسيا.
وفيما يتعلق بدور اللغة العربية في الولاياتالمتحدة الأمريكية، تعمل العربية على توثيق الوجود المهم للإسلام في أمريكا ، من خلالالمسلمين الأفارقة الذين كانوا مُسْتعبدين وتم جلبهم إلى أمريكا الشمالية, هذا الوجودالمدهش للإسلام في أوائل أمريكا, معروفا لنا فقط بسبب تعلم العربية.
والشاعر اللبناني المشهور جبران خليل جبران(توفي عام 1931) ، الذي أخذه عمله من جبل لبنان إلى نيويورك في سن مبكرة، حيث تلقىالدعم من رعاة الفن الأمريكيين, لبراعته في الرسم وقدراته الأدبية, كان أيضًا جزءًا من دائرة مُهِمة مِن شعراء نيويوركالعرب في العشرينيات ، والتي شملت ميخائيل نعيمي, وهكذا أصبحت اللغة العربية لغة أدبيةأمريكية ، وازداد الإهتمام بدراسة اللغة العربية بشكل كبير في أمريكا في السنوات الأخيرة.
ومن وجهة نظر أخرى، كانت هناك سلسلة طويلةمن الزيارات لأمريكا من قِبَل العرب، والعديد منهم سجّلوا ملاحظاتهم في شكل أدبي, وأصبح هذا التقليد للكتابة العربية عن أمريكا, مؤخرا,موضوعا لكِتاب مهم, يوضح الروابط المهمة بينالولايات المتحدة والثقافة العربية.
بإختصار ، أصبحت اللغة العربية, لغة ذات أهمية كبرى، وتُعتبر واحدة من اللغات الرسمية الستّ للأمم المتحدة، وهي ذات ميِزة ثقافية دائمة في التراث العالمي للحضارة, لِذا دراسة وتدريس اللغة العربية وآدابها,هو موضوع ذو أهمية مَرْكزية, يجب أن يكون له أولوية قصوى لمناهج الدراسات الإنسانية,وبالمثل المعلمين والطلاب المهتمّون باللغةالعربية يستحقون كل التشجيع من جامعاتنا.
المَرجع:
- Carl W.Ernst (2013): The Global Signi?cance of Arabic Language and Literature.University of North Carolina. Religion Compass 7/6 (2013): 191–200, .wiley.com