القاهرة 01 يناير 2019 الساعة 11:32 ص
كتب : د.محمد السيد إسماعيل
يأخذ الاهتمام باللغة العربية أهميته من كونه عاملا أساسيا فى تأكيد الهوية فى عصر العولمة التى تسعى لمحو الهويات الثقافية المتمايزة وفرض سيطرتها بغرض تطويع الشعوب على اختلاف أجناسها وثقافاتها ولا شك أن الأدب : شعرا وقصة ومسرحا هو التجلى الجمالى لهذه اللغة, ومن هنا تأتى ضرورة الاهتمام به خاصة فى مراحل التعليم المختلفة .
بهذه الاعتبارات يمكننا النظر إلى مقررات الأدب المصرى الحديث فى المناهج التعليمية خاصة فى المرحلة الثانوية, والملاحظة الأولى التى يمكن أن نشير إليها هى أن منهج الأدب المصرى الحديث مقرر فحسب على سنة دراسية واحدة هى السنة الثالثة, وتأخير دراسة هذا الأدب وتذوقه إلى هذه المرحلة العمرية يجعله قليل الفائدة والتأثير فى تشكيل ذائقة المتعلم, خاصة أن النماذج المقررة فى مراحل التعليم السابقة قليلة وفاقدة للجماليات الجاذبة للطالب, وتهتم بالقيم الأخلاقية والوطنية بصورة تغلب عليها المباشرة وتفتقر لما يميز الأدب – أساسا – من وسائل مجازية تثير خيال المتلقى .
فإذا ما اقتربنا من منهج الأدب الحديث فى الصف الثالث سنجد أنه يغطى مساحة زمنية كبيرة تبدأ من عصر النهضة إلى الجيل الثانى من مدرسة شعر التفعيلة أو الشعر الواقعى كما يسميه الكتاب المدرسى, والحقيقة أن هذه المساحة الأدبية تُعجز الطالب عن المعرفة العميقة بالمدارس الأدبية المتعاقبة, ولايكون هناك حل سوى الاختصار المخل لخصائص كل مدرسة مع دراسة نموذج ممثل لها .
وينقسم منهج اللغة العربية عموما – كما هو معروف – إلى فروع محددة هى : النصوص – الأدب – البلاغة – النحو – القراءة المتعددة – القصة, ومن الواضح – بناء على هذه الفروع – أن منهج الأدب مقرر فى كل الفروع عدا مادة النحو, وأن هناك تآزرا بين فروع النصوص والأدب والبلاغة, ثم بين القراءة المتعددة والقصة .
ففى فروع الأدب تتم دراسة الشعر ومدارسه, ويبدأ بمدرسة الإحياء والبعث, ثم المدارس الرومانتيكية ممثلة فى الاتجاه الوجدانى ومدرسة الديوان ومدرسة أبولو ومدرسة المهجر, ثم مدرسة الشعر الواقعى, وفى فرع النصوص تتم دراسة نماذج ممثلة لهذه المدارس مثل " غربة وحنين " لأحمد شوقى و" المساء " لخليل مطران و" فى رثاء مي " لعباس محمود العقاد و" أهواك يا وطنى " لمحمود حسن إسماعيل و " من أنت يا نفسى " لميخائيل نعيمة و" النسور " لمحمد إبراهيم أبو سنة, وفى مجال النثر يدرس فرع الأدب تعريف المقال وخصائصه, وتقدم النصوص نموذجا لذلك بمقال " التكافل الاجتماعى فى الإسلام " لأحمد حسن الزيات, كما يدرس سمات القصة القصيرة نظريا وتطبيقيا على قصة " الكنيسة نورت " لإبراهيم أصلان, ثم فن المسرح .
كما يشمل فرع القراءة موضوعات تتسم بالتنوع مثل : إرادة التغيير, والبيرونى, والقدس مدينة عربية إسلامية, والعلم فى الإسلام, وقيم إنسانية, أما القصة المقررة فهى قصة الأيام لطه حسين .
من خلال هذا الاستعراض نستطيع أن نكتشف مايلى :
- كثرة المادة المقررة فى فرع الأدب سواء فى مدارس الشعر أو الفنون الأدبية الأخرى .
- كثرة النصوص المقررة الممثلة لمدارس الشعر وأجناس الأدب المختلفة .
- الاختصار المخل لقصة الأيام مما يفقدها بناءها المتماسك.
- المساحة الكبيرة التى يأخذها الشعر مقارنا بالأجناس الأدبية الأخرى.
إن كل ما سبق أقرب إلى توصيف الحالة وإبداء الملاحظات عليها, ويبقى السؤال حول الرؤية المطلوبة لتطوير مقرر الأدب الحديث, وفى هذا السياق ينبغى أن نفرق بين المنهج والمقرر الدراسى, فالمنهج أكثر شمولا وهو يحوى المقرر ويتجاوزه ليشمل الأنشطة الثقافية وتحديد الأهداف التربوية والعلمية والجمالية؛ بغرض الوصول إليها وتمثلها, فالتعليم ليس مجرد تلقين معلومات بل تكوين شخصيات فاعلة تتمتع بالوعى والثقافة.
ولتحقيق ذلك يمكن الإشارة إلى أننا أمام ثلاثة أركان فى العملية التعليمية وهى : المرسل, والرسالة, والمستقبِل, والحقيقة أن المرسل – وهو هنا المعلم – يفتقر – غالبا – إلى الإعداد الثقافى والقدرة على تذوق النصوص الأدبية, وهو الأمر الذى ينعكس على المستقبل / الطالب, وتصبح العملية التعليمية كلها مكرسة لاجتياز الامتحان ويأخذ الحفظ أولوية أولى فى هذه الحالة .
- كيفيات تطوير مقرر الأدب المصرى الحديث :
ينبغى علينا إذا أردنا تطوير مقرر الأدب المصرى الحديث فى مناهجنا أن نوزع هذا المقرر على السنوات الثلاثة؛ بحيث يكون الصف الأول مخصص لمدرسة الإحياء, مع تقديم أكثر من نموذج لها وشرح واف لخصائصها وظروف نشأتها, ثم يخصص الصف الثانى للمدارس الرومانسية الثلاثة, ويختص الصف الثالث بالمدرسة الواقعية مما يتيح إمكانية التعرف على أجيالها المتتابعة, بدءا من جيل الريادة الذى يمثله صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطى حجازى مرورا بجيل الستينيات والسبعينيات والثمانينيات .
الأمر الثانى هو تغيير نمط تدريس هذه النصوص وتطبيق المناهج النقدية الحديثة عليها بدلا من الطريقة التعيسة التى تفتت البلاغة إلى علوم البيان والبديع والمعانى, ويظل الطالب حائرا فى التفريق بين نوعى الاستعارة وأنواع التشبيه والمجاز المرسل, وكأن ذلك غاية فى ذاته وهو مايفسد ذوق الطالب وينفره من اللغة العربية بصورة عامة.