القاهرة 01 يناير 2019 الساعة 11:20 ص
كتبت : د. هـنـاء زيــادة
التأثر السلبي الذي قد يحدثه التلفزيون في الأطفال أمر لا يمكن تجاهله، فهو لم يقتصر على تراجع مستواهم التعليمي أو قدرتهم على التحصيل الدراسي فقط، بل تعدى هذه الآثار إلى تعريض هؤلاء الأطفال للخطر؛ فبالرغم من تعدد وسائل الاتصال الاجتماعي المختلفة والتي انتشرت بسرعة في عالم اليوم، لكن يبقى التلفزيون هو الأهم من حيث الأثر واستمراره في نفس المشاهد، سواء كان كبيرا أو صغيرا، خاصة في ظل الانتشار السريع والواسع الذي حققه التلفزيون في العالم بشكل عام، بحيث لا يكاد يخلو منزل من جهاز للتلفزيون, بل لقد أصبح جهاز التلفزيون أهم قطعة أثاث في المنزل ونجده دائماً يحتل ركناً مهماً فيه، وكثيراً ما يتم استخدام التلفزيون كوسيلة لإلهاء الطفل وإبعاده عن عالم الكبار الذين يكونون في شغل عنه، وكثيراً ما يطلب الأهل من طفلهم الاهتمام بمشاهدة التلفزيون بلا توجيه أو مراقبة أو حتى نصيحة لطيفة.
بعض الدراسات النفسية ترجع اكتساب الطفل لأنماط سلوكية خاطئة إلى محدودية نضجه العقلي والعاطفي، وهو الأمر الذي يجعله سريع التقبل للإيحاء، بل ويميل الى محاكاة الآخرين, ومن هنا يقدم الطفل على ارتكاب حوادث كثيرة عن غير قصد، بسبب ميله إلى محاكاة سلوك خطر شاهدة في برنامج تلفزيوني ما، والمتابع لصفحات الحوادث في بعض صحفنا اليومية يمكن أن يدرك حجم الخطر الذي يشكله المحتوى التلفزيوني بما يقدمه من أفلام أو مسلسلات على الأطفال من عدد الحوادث التي يتعرض لها أو يرتكبها هؤلاء الأطفال تقليداً لما يشاهدونه من أعمال درامية على شاشات الفضائيات، كما يوضح انتشار وتعدد هذه الحوادث أنها قريبة أكثر مما نتوقع.
الحوادث كثيرة وليست خفية على أحد، منها ما قام به طفل لا يتجاوز الـ 10 سنوات من محاولة شنق نفسه، تقليداً لمسلسل تلفزيوني كان قد شاهده، وتم نقله سريعاً إلى المستشفى، وقال والد الطفل إن القصة بدأت بمتابعة الطفل للمسلسل خلال وجود والده ووالدته خارج المنزل؛ فجاذبية الصور والألوان والبرامج والمسلسلات التلفزيونية التي تعرض يومياً وبشكل منتظم تجعل الطفل مشاهداً ملازماً للتلفزيون, وطبقا لدراسة تم إجراؤها فإنه قد تم تقدير عدد الساعات التي يقضيها الطفل العربي في مشاهدة برامج التلفزيون بحوالي ساعتين يومياً.
إن مشاهدة الأطفال لأفلام العنف والرعب لها تأثير سلبي كبير، ويزيد من تعرضهم للاضطرابات النفسية، فأي إنسان يتعرض أو يشاهد أو يسمع حادثة عنف أو كارثة طبيعية أو مفتعلة من المحتمل إصابته بما يسمى (الضغط لما بعد الكرب)، وهي حالة مرضية تستوجب المعالجة، فما بالنا إذا شاهدها الأطفال؟، إضافة الى احتمال قيام الطفل بمحاكاة ما يشاهده.
وقد وجدت دراسة كندية أن إكثار الأطفال من مشاهدة التلفزيون لا يحرمهم من أنشطة محفزة فحسب، بل يسهم في تدني تحصيلهم العلمي واكتسابهم المزيد من العادات غير الصحية عند التقدم بالعمر, وطبقا للدراسة فإن كل ساعة إضافية يقضيها الصغار أسبوعياً أمام التلفزيون تترجم بالسلب فوراً على سلوكياتهم داخل الفصول الدراسية، وتدني معدل درجاتهم، والإقبال أكثر على عادات غذائية سيئة في سن العاشرة.
رغم أهمية تأثير ما يقدمه التلفزيون من برامج مختلفة، فإن اهتمامنا هنا يقتصر على برامج الأطفال والمسلسلات الدرامية, والصور المتحركة منها بالتحديد مع عدم التقليل من أهمية أثر البرامج الأخرى عليهم فكثيراً ما يشاهد الأطفال برامج أو مسلسلات درامية غير مخصصة أو معدة لهم, والغرض هنا هو تحديد مجال الاهتمام والبحث بتلك الشريحة من البرامج المخصصة أصلاً للأطفال مثل الرسوم المتحركة (الكرتون) والدراما التلفزيونية التي صارت تعتمد العنف والإثارة المجانية وتجتذب لمشاهدتها جميع أفراد الأسرة المصرية، ولاسيما الأطفال.
تشير الدراسات المكثفة التي أجريت في الولايات المتحدة إلى مخاطر معظم أفلام الصور المتحركة وبعض المسلسلات الدرامية الضارة التي تحتوي أكبر قدر من العنف والإفساد الأخلاقي مقارنة ببرامج التلفزيون الأخرى؛ فكل حلقة من حلقات الصور المتحركة أو الدراما تحتوي على معدل سبع حوادث عنف أو اعتداء أو ظلم وإذا أخذنا بالحسبان الفترة الزمنية القصيرة التي يستغرقها عرض الحلقة الواحدة تبين لنا أن هذه النوعية من البرامج تحتوي على مقدار ستة أضعاف العنف والأذى الموجود في معظم برامج التلفزيون الأخرى, وكذلك هي الحال في الدراما التلفزيونية المصرية الحالية، التي يصر الأطفال على مشاهدتها رغم أنها موجهة للكبار! فهل صارت السينما والدراما وحوش تتربص بأبنائنا؟!، هل بات المحتوى الذي يتم عرضه على التلفزيون هو المحرض ليجعل من الأطفال مجرمين دون أن يدركوا بعد ما معنى الجريمة؟!
لقد حان الوقت كي ندق نواقيس الخطر بكل ما نملك من قوة لنحذر من هذا المحتوى الذي لا يتناسب مع الأطفال، وعلى الأسرة أن تعمل بجدية من أجل تقنين علاقة الطفل بالتلفزيون وما يقدمه، لذا من الضروري أن يتم مراقبة أنواع الأفلام والألعاب التي يتابعها الطفل، ومحاولة تغيير العنيف منها, ومنع الطفل من المشاهدة قبل النوم قبل ثلاث ساعات على الأقل، وأن يكون آخر ما يشاهده الطفل قبل النوم مشاهد تحتوي على مناظر طبيعية كالماء والخضرة، وعلى الوالد أو الوالدة أن يحكي له قصصاً تحتوي على قيم إنسانية على فراش النوم، مع ضرورة منع الطفل من الوصول إلى أي أدوات ضارة.