القاهرة 18 ديسمبر 2018 الساعة 11:07 ص
حوار : سماح عبد السلام
ما أجمل الفن عندما يحمل هدفاً سامياً من شأنه نبذ العنف والتطرف وإعلاء القيم والمبادئ الإنسانية، وهو ما تجلى بشكل صريح فى مشروع فني دولي تحت عنوان "وحدات الحياة".. ولدت فكرته للفنانة التشكيلية لينا أسامة .. وكشأن أى مشروع يبدأ صغيراً ثم ينمو محققاً صدىً دولياً نجح معرض وحدات الحياة عبر عدة دورات تجولت بعدة أماكن داخل وخارج مصر.
حول فكرة المشروع وهدفه تحدثت لينا أسامة لـ"مصر المحروسة" وقالت: ولدت الفكرة لدى منذ الصغر؛ فعندما كان عمرى ست سنوات سافرت مع والدي لأنجلترا لمدة عامين فى أوائل التسعينات حيث كان يدرس للدكتوراة. شغل ذهنى وجود أنقسام بين الطلاب بالمدارس لمجموعات, الأفارقة لا يتحدثون مع غيرهم وكذلك الحال مع الآسيويين، الأنجليز لا يتعاملون بصورة كبيرة مع باقى الجنسيات وهكذا, استغربت أن يحدث ذلك فى سن صغير, وظلت هناك أسئلة تداعب مخيلتى حول هذه الإشكالية عدة سنوات.
وبعد دراستى الجامعية سافرت في 2006 للدراسة فى النمسا بأكاديمية سالزبيرج الدولية للفنون مع الفنان محمد عبلة الذى قام بالتدريس لنا. استفدت جداً بالدراسة بها فسافرت مرة ثانية عام 2008, وحصلت على أربعة دورات تدريبية بنفس المكان على مدى ثلاث سنوات التقيت خلالها فنانين شباب يهتمون بقضية التفرقة العنصرية, فشعرت أنها قضية تشغل جيلنا.
وتستدرك: لدينا أمرين عكس بعضهما, فجيلنا لديه السوشيال ميديا والتواصل والترحال وفى نفس الوقت هناك أحكام مطلقة غير صائبة!، كل فرد بدأ يصنف الناس لمجموعات لفهم الأمور, ولكن هذه التصنيفات أحياناً يشوبها نوعاً من التعامل الغير سليم للشخص الذى يضطهد الآخر.
وتتابع: عندما التقيت زملاء فنانين من دول مختلفة شغلتهم نفس الفكرة، فكرنا بعمل مشروع فنى فى هذا الإطار, لكن مدة الكورس كانت شهر لا تكفى لتنفيذها, وانتظرت أن يأخد أحد زملائى زمام المبادرة للتنفيذ فلم أجد. وشعرت أن مصر مناسبة لأن ينطلق منها هذا المشروع حيث يوجد بها تنوع كبير بين البشر وثقافة غنية وعمق إنسانى, وبالفعل بدأت التخطيط والتحدث مع المشاركين وخرج المشروع للنور عام 2016.
وتستكمل: فى البداية فكرت فى العرض أونلاين ولكن تراجعت؛ حيث تكمن فكرة العمل فى أن يسافر الفنانين ويعرضون أعمالهم سوياً لكى يحدث نوع من الاحتكاك بالجمهور المختلف؛ إذ أن فكرة وحدات الحياة تنص على أن البشر وحدات متساويين فى الحقوق والواجبات التى تكون كيان واحد وهو الإنسانية, إذا أضر شخص ما شخص آخر بالتالى يكون أضر بنفسه لأن هناك تأثير وتأثر.
و تستطرد: وضعت عنواناً فرعياً عن الذات والآخر، فضلت أن تكون البداية عامة فى البداية.
واستهلت لينا أسامة أول عرض لمشروع "وحدات الحياة" فى جاليرى النيل بمشاركة 8 فنانين هم : لينا أسامة، مهنى داوود واسامة عبد المنعم, وإيمان أسامة, وثلاثة فنانين من النمسا, وأخرى رومانية"؛ جمع بينهم إيمانهم بقضية التعايش مع الآخر وضرورة إعلاء القيم الإنسانية, وتم ذلك بدعم الدكتورة رشا العجروى و د. أشرف رضا ود. خالد حافظ.
وبعد عقد الدورة الأولى بمصر تجول المعرض بألمانيا، حيث لاقى نجاحاً كبيراً وحدث نقاشاً حوله عن وضع الفن فى مصر, ثم عُرض فى فيينا بالمكتب الثقافى المصرى, وتخلله ندوة فى اليوم الأول بمشاركة الثلاث فنانين النمساويين في العام الماضى, وفى يناير 2018 أقيمت الدورة الثانية بمركز الجزيرة تحت عنوان "وحدات الحياة .. جينات متوالية".
وتشير لينا إلى أن الفكرة بيولوجية ولكن تناولتها بشكل أدبى, كل إنسان لديه جينات ظاهرة وأخرى مستترة يكون لها تأثير قوى على الإنسان, مؤكدة على أن الفكرة بها نوع من الدعابة أو التهكم، بمعنى أنه لا يجوز أن تضطهد فرد لأنه ربما تكون بداخلك الصفة التى انتقدها دون أن تشعر بها.
وأقيمت الدورة الثانية بمشاركة 11 فنان من ست دول، تنوعت أعمالهم بين التصوير والنحت والخزف والأنستاليش تأكيداً على فكرة المعرض فى التنوع والتعامل، حيث تعرض منسقة المشروع على الفنان الفكرة ويختار هو آلية التفيذ, وتخلل المعرض ندوة بمشاركة هدى لطفى والناقدة والمؤرخة الفنية الأمريكية أليكس سيدرمن.
وتواصل: بعد انتهاء المعرض بمركز الجزيرة تواصلت مع معهد جوته بوسط البلد والذى رحب باستضافة المعرض لعرضه لجمهور مختلف، لأن جمهور جوته يشكل خليط ما بين المهتمين بالفن التشكيلى والمهتمين بالثقافة العامة وتنمية المجتمع, وهذا مهم فقد حدث تغيرات فى بعض الأعمال المعروضة لأسباب جمالية وأخرى عملية.
وتشير إلى أن الدورة القادمة ستُقام بمتحف التراث الأمازيجى فى أغادير بالمغرب في يوليو القادم بتفاصيل مختلفة, لافتة إلى مدى حرصها على التجول بمشروع "وحدات إنسانية" فى أماكن مختلفة للتأكيد على فكرة المعرض ذاته واكتشاف المشترك بين البشر.