القاهرة 11 ديسمبر 2018 الساعة 10:24 ص
كتب : أحمد مصطفى الغـر
منذ أكثر من 50 عام تقريباً، في مدينة "هانغتشو" في الصين، ولد طفل مثل آلاف الأطفال في مدينة يسكنها حوالي 2.4 مليون نسمة، لأبوين يعملان في مجال الغناء الشعبي الصيني، حيث يؤديان أغاني تقليدية يسمونها هناك "البينغ تان"، وهى نوع من السرد القصصي الملحَّن، عندما بلغ عمره الثانية عشر.. قرر أن يتعلم الإنجليزية بنفسه. كان يركب دراجته لمدة 40 دقيقة يوميا لمدة 8 سنوات بغرض الذهاب الى فندق قريب من بحيرة هانغتشو، كي يتحدث مع السياح الأجانب هناك ويقدم لهم خدماته كدليل سياحي مجاني، وفي نفس الوقت يتعلم الإنجليزية.
فكر أن يلتحق بالجامعة.. لكن للأسف فشل مرتين في امتحان القبول، وبعد معاناة طويلة استطاع في عام 1984م أن يدخل كلية صغيرة في مدينته هي كلية هانغتشو للمعلمين. بعد التخرج عمل كمدرس للغة الإنجليزية لمدة خمس سنوات، وكان راتبه 103 يوان = تقريبا 15 دولار في الشهر. وفي سنة 1995 ترك وظيفته وسافر إلى الولايات المتحدة الامريكية، تحديدا ذهب إلى سياتل، وهناك عمل كمترجم. وتعرف هناك على الإنترنت
بعد عدة سنوات عاد إلى الصين وأنشأ موقع ويب عبارة عن دليل للأعمال التجارية، أسماه "الصفحات الصينية"، لكن لم يكن مشروعا مربحا، ففكر في عام 1999م ، أن يجمع 18 صديقا في شقته في مدينة هانغتشو ليكشف لهم عن فكرة إنشاء شركة جديدة للتجارة الإلكترونية، موقع ويب أكبر يكون له نشاط تجاري أوسع، وبالفعل نجحوا في تجميع مبلغ 60 ألف دولار، وتمكنوا من تأسيس موقعهم الذي أسموه "علي بابا"، والذي معه تبدأ قصة النجاح الكبيرة للسيد "جاك ما" ، مؤسس ورئيس شركة "علي بابا" للتجارة الإلكترونية، والذي تقدر ثروته الشخصية بـ 40 مليار دولار، والذي يعد ثالث أثرياء الصين ثروة، ومن الــ 50 الأكثر ثراءا على مستوى العالم.
وبعد أن كان مجرد معلم بسيط للإنجليزية ويتقاضى راتب 103 يوان، أصبح يلتقى برؤساء وملوك ووزراء، ويتم استقباله استقبالا فخما يليق بشخص مهم ومؤثر في مسار التجارة الإلكترونية. فالشركة التي أسسها تعد أكبر شركة تجارة إلكترونية في العالم، تتجاوز مبيعاتها السنوية 170 مليار دولار، ويعمل بها أكثر من 22 ألف موظف، في أكثر من 70 مدينة حول العالم، القيمة السوقية لها 700 مليار دولار، كما يعتبر "جاك ما" من أكثر الأشخاص إلهاما للكثير من الشباب حول العالم، ويستمع طلاب جامعات العالم إلى محاضراته بكل اهتمام وشغف.
في عام 2003، أطلق جاك الموقع الإلكتروني التجاري "تاوباو"، لينافس موقع "إي- باي" الصيني، و بحلول شهر أكتوبر عام 2005، اكتسب الموقع 70% من سوق التسوق الإلكتروني في الصين.
كتب "جاك ما" في مجلة هارفارد بيزنس ريفيو في نوفمبر عام 2013، أن "الصينيين كانوا قبل عشرين عاما يركزون على سد حاجياتهم الأساسية، ولكن في يومنا هذا تحسنت ظروف معيشتهم تحسنا كبيراً وأصبحت لدى الأشخاص أحلام أكبر لبناء المستقبل، ولكن هذه الأحلام ستكون جوفاء إذا لم نتمكن من رؤية الشمس".
قصة حياة الملياردير الصيني "جاك ما" تمثل مصدر إلهام لملايين الشباب حول العالم، وتدعو لمواجهة قسوة الظروف، مهما ضاقت الأحوال، فقد حقق جاك نجاحا عالميا بمجرد جِدّه واجتهاده الشخصي. ومؤخراً .. قرر "جاك" أن يتخلى عن إدارة إمبراطوريته التجارية، ويتفرغ تماما للأعمال الخيرية، خاصة في مجال التعليم.
يرى "جاك ما" أن هذا هو الوقت المناسب جدا للتقاعد، هو أيضا يهتم بالبيئة، وخاصة بآفة التلوث في الصين الذي يعتبره سبباً لوفاة والدي زوجته بمرض السرطان، وقد تبرعت شركته بمساعدات مالية لتمويل مبادرات لحماية البيئة وتطوير الطب والتعليم كما أطلق مؤسسة خيرية لحماية البيئة في الصين. بأي حال .. فإن تقاعد "جاك ما" هو السن المثالي للتقاعد حقا، وهو بذلك يسير على نفس خطى مؤسس مايكروسوفت رجل الأعمال الأميركي "بيل غيتس"، الذي سبقه فى التخلي عن إدارته المباشرة لمايكروسوفت، وخصص معظم وقته للأعمال الخيرية، فهذا حقاً هو سن التقاعد المثالي!