القاهرة 06 ديسمبر 2018 الساعة 11:38 م
فتحي بن معمر ـ تونس
هل تبوح "قبّعة غريغوري" للمتّقي بأسرارها، هكذا بعفوية، ودون تمنّع؟ أسئلة جالت بخاطر عديد المتابعين الذين تناقلوا بشغف صدورها وقد أخذهم التّوق إلى قراءتها بمجرّد اطّلاعهم خلف غلاف الكتاب على الكلمة القصيرة التي قدّم بها الأستاذ فتحي بن معمّر المجموعة. فكان حضور عبد الله المتّقي الشّاعر والقاص ذو القلم البديع في مضمار السّرد الوامض باعتباره من أهمّ من تميّزوا في هذا المجال رغم قلّة ما طُبع له، فرصة للتّداول حول مجموعته القصصيّة الجديدة الصادرة مؤّخرا بعنوان "قبّعة غريغوري". هذه المجموعة التي يستعير فيها الكاتب مفهوم المسخ من فرانز كافكا ومختلف معاني التحوّل المفروض من "تحوّلات الحمار الذّهبي" لأبليوس. ولئن كان تحوّل "غريغوري" بطل رواية "المسخ" لكافكا إلى صرصار يطرح قضايا وجوديّة معاصرة حارقة وتحوّلات الحمار عند أبّوليوس مطيّة لمحاكمة المجتمع الموغل في القدم بالنسّبة إلينا، فإنّ "قبّعة غريغوري" بما احتوت عليه من غريب وعجيب ومدهش ومفزع ومرعب وفظيع تطرح أسئلة حرجة وملحّة لا تقبل التأجيل بالنّسبة إلى هذا الإنسان الذي يفقد المعنى فيلاحقه دون جدوى فيهرع إلى معانقة الفوضى علّه منها يُشكّل المعنى بمعنى الفوضى الخلاّقة. وبذلك تنتشر رائحة الفوضى واللا-نظام واللا-انتظام في كامل المجموعة فيبرز التّجريب والتّنويع شكلا والتّداخل والزّخم والفظاعة والغرابة مضمونا مسايرة لفظاعة الواقع وفوضاه ومرارة الإحساس بالحقارة وفقدان الذّات حين البحث عن الذّات في دروب نخالها تُحيينا فتُردينا.
واحتفاء بهذه المجموعة القصصية المثيرة للجدل، وإيمانا من القارئ التونسي بجدوى التجديد وعمق الطّرح، وسعيا من النّاقد التونسي إلى الاطّلاع عن التّجارب الجديدة ومحاولة الكشف عن قوانينها ومميزاتها وخصائصها، فقد أقام ثلّة من المهتمين بالأدب وبالقصّة القصيرة جدّا على وجه الخصوص مجموعة من اللقاءات مع المتّقي لمُدارسة مجموعته السّالفة الذّكر "قبعة غريغوري" وقد انتظم لهذا الغرض لقاء أوّل يوم الجمعة 30 نوفمبر 2018 بنادي الناشئة في فوشانة جنوب العاصمة التونسية حيث كان الحضور متنوّعا طريفا تلتقي فيه الأجيال؛ أطفال وشبّان وكهول وقد أدار الجلسة ... ودار النّقاش حول .....
في حين نظّمت جمعية "ملتقى الحرف الأصيل" بدار الثّقافة "أحمد بوليمان" بباب سويقة بالعاصمة تونس أمسية مساء السّبت 01 ديسمبر 2018 قُدّمت فيه المجموعة بحضور مجموعة من المثّقفين والمثقّفات ومن عشّاق الأدب ومحبّي القصّة القصيرة جدّا. وقد كانت الأمسية متنوّعة حيث تولّى القاص المتّقي قراءة بعض أقاصيصه على الحضور، في حين قدّم الناقد التونسي فتحي بن معمّر قراءة نقديّة حول المجموعة كشف فيها عن مدى براعة المتقّي في السّبك وتجويع اللّفظ وإشباع المعنى بجعل العبارة غمامة كثيفة حُبلى بآلاف الدّلالات بل بدلالات متعدّدة حسب تعدد القراء كما وقف على جرأة الكاتب في تناول موضوعات عادة ما يسعى الناس إلى إخفائها إذ قد استطاع المتّقي أن يصل إلى حيث يُخفي معظم النّاس ما لا يريدون إظهاره واستخرجه بديعا أو غريبا أو مدهشا أو فظيعا أو مرعبا كما يفعل السّاحر حين يُخرج لنا ما يُخرج من قبّعته ونحن صغار فاغرو الأفواه ومن هنا جاءت شرعية تسمية المجموعة بـ"قبّعة غريغوري". ثمّ فُتح باب النّقاش لتنهار على الكاتب عشرات الأسئلة ممّا زاد الجلسة دسامة وروعة وإبداعا.
غير أنّ جمعية "ألق الثّقافية" ارتأت أن تحتفي بـ"قبّعة غريغوري" بطريقة أخرى حيث نظّمت عشاء على شرف المتّقي وضيوفه مشفوعا بصالون أدبي حضره جمع من المثقفين من أعضاء الجمعية وأصدقائها. وقد كان الصّالون ثريّا جدّا حيث تولّى تنشيطه الأستاذ فتحي بن معمّر رئيس الجمعية وقد كانت ضربة البداية بقراءات شعرية للشّاعرة التونسية سلوى الرابحي من مجموعتها الشعرية "ضمائر الطّوفان" ثمّ بقراءات من للمتّقي من مجموعته القصصية فقراءات شعرية للدكتورة أنديرا راضي المديرة الفنية للجمعية في حين اختار فتحي بن معمّر أن يقرأ قصّة بعنوان "سِفر أيّوب". والطّريف في هذا الصّالون أنّ كل القراءات أثارت نقاشا حادّا بين الحاضرين بيّن المستوى الرّفيع لروّاد الصّالون وضيوفه وذوقهم العالي وحسّهم الأدبي المرهف ووعي بعضهم بخصائص مختلف الأجناس الأدبية إذ كانت مداخلات الأستاذ النّاقد الحبيب فيش أمين مال الجمعية دقيقة صارمة في حين كانت أسئلة المخرج المسرحي أحمد مصباح كاتب عام الجمعية مباشرة وموجّهة غير أنّ مداخلات الأستاذة نزيهة بن عمر نائب رئيس الجمعية كانت تشيد بالجانب المضموني المفعم بالإنسانية في أغلب ما تمّ قراءته من نماذج مُبدية إعجابها بقدرة أصحابها على الغوص في أعماق النّفس وسبر أغوارها ممّا جعل ببعض الضّيوف ينبّهون إلى الأبعاد الأسطورية في بعض ما قرأت الشاعرتان سلوى وأنديرا. وقد اختتم الصّالون في ساعة متأخرة من الليل بعد جملة من مُلَح الوداع التي ألقاها المتّقي فأدخل السّرور على الجميع.