القاهرة 03 ديسمبر 2018 الساعة 12:00 م
د. هويدا صالح
"ويبدو هذا التقريع الخفيف الذي قام به غانم تجاه غالي شكري،هو طريقته في المعارك دوما،فهو لا يهتف ولا يصرخ ولا يصيح، ولم يحاول إثارة أي زوابع حوله،والمتابع لمسيرته، فهو لم يكن منتميا إلى جماعة أو شلة أو تيار أو اتجاه أيديولوجي ينظّر له" هكذا وصف شعبان يوسف كلام غالي شكري الذي افتتح به كتابه الجديد(وجوه أخرى لفتحي غانم ) الذي صدر مواكبا لمؤتمر"الرواية العربية" في المجلس الأعلى للثقافة، وكان شكري قد وصف غانم في أحد حواراته أنه مسالم لا يثير أي ضجيج، ولم يعرف عنه أنه خاض معارك فكرية أو سياسية:" في مخيلتي كان له وجهان، أحدهما لتلك الشخصية الهادئة التي تلوح لي كثيراً في أسلوبه وتعبيراته وموضوعاته التي تكاد في همسها أن تصل إلى حدود المونولوغ الداخلي، فلم أره يوماً في معركة حادة من معارك الفكر أو الأدب أو السياسة، حتى خلافاته مع الآخرين يكسوها هذا الهدوء الشفاف، ولا تصل إلى مُستوى "الحوار" إلا في القليل النادر، فمعظم صراعاته – إن وجدت – من طرف واحد لا يشتبك إلا مع كل ما هو عام ومُجرد، اشتباكات أقرب ما تكون إلى لغة الاحتجاج المهذب والتحفظ الوقور، وهي لغة تحيطه بسياج قوي سميك يحول بينه وبين التلاحُم المباشر أو الاحتدام العنيف".
مما جعل غانم يرد على شكري بأن يذكر له المعارك الفكرية والإبداعية التي خاضها على صفحات روزا اليوسف وصباح الخير، ومن خلال رد غانم على شكري يبرر شعبان يوسف لماذا قال شكري ذلك، فاعتبر أن طريقته في الرد العقلاني المدعم بالدليل والبرهان سببه بحسب تعبير ـ شعبان يوسف ـ أنه:"المغني الأعظم خارج كل الأسراب السياسية والثقافية، ورغم أنه كان يكتب بغزارة، وفي مجالات شتى،في الفن والسياسة والأدب والثقافة بشكل عام،ولأنه لم يكن منتميا إلى جماعة سياسية،فقد حصل على قدر كبير من التهميش والعنت في التهميش". ولم تكن معارك غانم على المستوى الأدبي والثقافي فقط، بل كانت على المستوى الفني، فهو كتب عشرات المقالات في السينما والمسرح والفن الشعبي والرقص والباليه، وكتب عن الفنانين أنفسهم، وهاجم كثيراً منهم، أو أبدى ملاحظات فنية على أداء بعضهم. ودافع غانم عن استقلال الفنون، واستقلال الثقافة عن القرارات السياسية.
يجمع شعبان يوسف في الكتاب مختارات من النصوص والبورتريهات وشذرات من السيرة الذاتية، في محاولة لتقديم بانوراما حياتية وأدبية يتداخل فيها الثقافي مع السياسي والأدبي في تلك المرحلة الزاخمة بالرموز الثقافية، وبالأحداث السياسية والفكرية.تأتي مختارات نصوصه السردية التي تروى بضمير الغائب ، وبطلها شخصية "يونس" لتكشف عن تمتع الكاتب بقدرة جمالية وسردية كبيرة، في حين أن البورتريهات التي رسمها ونشرها في"صباح الخير"و"روزا اليوسف" كشف فيها عن رؤيته للفن والإبداع، فقد كتب فيها عن السينما والمسرح والفن التشكيلي والشعر والأدب. كتب عن فاتن حمامة وعبد الحليم حافظ، كما كتب عن فاطمة اليوسف( روزا اليوسف) وكمال الطويل، والفنان التشكيلي"صمويل هنري". ويأتي القسم الثالث من الكتاب تحت عنوان:"مختارات من الفن"،فيتحدث عن مشكلة المؤلفين، وعبد الحليم الحافظ حين أراد أن يمثل في فيلم دون أن يغني، وكيف نصحه صلاح أبو سيف أن هذا سيخيب أمل الجمهور الذي ينتظر منه أن يغني،كما كتب عن علاقة الفن بالتجارة، والفرق بين المهرج وصاحب الرأي،واعتبر أن من يعطي لفيلم اسما مثيرا لا صلة له بموضوع الفيلم أو من يحشر نكتة في رواية لا علاقة لها بالسرد اعتبره مهرجا، بخلاف صاحب الرأي والرؤية.كذلك تحدث عن أسلوب الرقص والغناء، والانتقادات التي توجه للرقص الشرقي، وعلاقته بالرقص الشعبي، وهكذا اجترح فتحي غانم مئات الموضوعات التي تشغل الحياة الإبداعية والفنية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش
ـ فتحي غانم أديب مصري، اشتغل بالصحافة، وله العديد من الروايات منها: الجبل، والرجل الذي فقد ظله،والساخن والبارد،تلك الأيام، والمطلقة، وزينب والعرش، وقليل من الحب كثير من العنف، بنت من شبرا،وست الحسن والجمال.
ـ شعبان يوسف، شاعر ومؤرخ، له العديد من الدواوين الشعرية منها:تظهر في منامي كثيراـ مقعد ثابت في الريح،أحلام شكسبيرية، كما له مجموعة من الكتب التي قدم فيها لمجموعة من المبدعين منها: خلوة الكاتب النبيل، وخيري شلبي فيلسوف الهامش، وحلمي سالم نقادا ومحاورا.