القاهرة 06 نوفمبر 2018 الساعة 12:18 م
كتب : عاطف محمد عبد المجيد
إن غذاء العقل هو المعرفة والمعلومة، ولذا كلما زادت ثقافتك وعلمك أصبح المخ في حالة مرونة وقبول للآخر، وقد قال الفيلسوف براتراند راسل: "إنه عادة ما يتمتع الأغبياء باليقين، بعكس الأذكياء الذين دائمًا ما يكونون في حالة شك".. وللأسف أن كثيرًا من عالمنا يحكمه الأغبياء!؛هذا ما يقوله د.أحمد عكاشة في تقديمه للكتاب الممتع والمفيد ? كيف تصبح إنسانًا؟..ما بعد التنمية الذاتية “ لـ شريف عرفة، وصدرت مؤخرًا طبعته الثامنة عن الدار المصرية اللبنانية.
بداية يمكن اعتبار هذا الكتاب كتابًا جماهيريًّا إذ يحتوي مضمونه على معلومات وموضوعات تهم القطاع الأكبر من الناس، ويناقش مسائل لا تخص فئة بعينها، أو تقتصر على مجتمع بذاته، وقد فضّل عرفة أن يكون كتابه هذا مسليًا، سهل القراءة، لكنه ليس مختصرًا ككتبه السابقة، كما يرى أنه مناسب للقاريء إن كان مهتمًّا بالثقافة العلمية، أو بالتنمية الذاتية، أو كان باحثًا متخصصًا في علم النفس.
عكاشة يقول في تقديمه للكتاب إنه كتاب يناقش مفهوم أن الإنسان منذ خَلْقه يحاول أن يجد معنًى لحياته، ويذكر أن المؤلف يقول في الفصل الخاص بالتدين إن كل الحضارات عرفت الدين، ويفسر ضرورة الاستعداد النفسي لفكرة الإيمان بشيء ما، بل يناقش أفكار بعض العلماء بافتراض وجود حياة في الجماد, ويذكر المؤلف نظرية أن التدين موجود في جينات المخ بما يُسمى جين الرب، وهو أمر مرتبط بالسمو الذاتي مثل الإحساس بوحدة الوجود، وتجاوز الذات، والتفكير الإبداعي.
أيضًا يناقش المؤلف أنه لا يوجد جين للرب، ولا علاقة له بالإيمان بالله، بل ببعض السمات الأخلاقية والسلوكية, كما أن الكتاب يشير إلى مجال علمي جديد، كما يقول عكاشة، وهو علم الأعصاب الديني، وفكرة أن الإنسان القديم عجز عن تفسير الظواهر الكونية ففسرها بالآلهة والأرواح والغيبيات، موضحًا أن التدين ليس سدًّا للفجوات المعرفية، بل إن كثيرًا من العلماء يؤمنون بوجود الخالق، أينشتين مثلًا رفض القول بأن الكون عشوائي وقال إن الله لا يلعب النرد، بمعنى أن الله يدير الكون بقوانين محكمة لا عشوائية, ويعترض عكاشة على مصطلح التطرف الديني الذي ذكره المؤلف، لأنه لا يوجد دين سماوي أو روحاني إلا ويحض على التسامح، ولذا فالتطرف إحدى سمات الشخصية التي يولد الشخص باستعداد وراثي لها، فيتبع أي مذهب تطرفي سواء أكان سياسيًّا أو دينيًّا أو اجتماعيًّا.
الإنسانية :
أما مؤلف الكتاب فيبدأ متسائلًا: ما هي الإنسانية؟ ويجيب بأن الإنسانية تعني العودة إلى فطرتنا، ويقول البعض إنها تعني مقاومة فطرتنا البدائية هذه لنكون أكثر تحضرًا, وفي موضع آخر وبعد أن يقول إن التجارب الناجحة التي أجريت على الحيوانات لفهم آليات التفكير والسلوك البشري لا يمكن تطبيقها على جوانب كثيرة في ذهن الإنسان، يذكر أن علماء النفس الإيجابي يرون أن السعادة ليست مجرد إشباع غرائز، إذ إن هناك مكونات أخرى لها مثل الرضا عن الحياة، ووجود معنى يعيش المرء من أجله، والرغبة في الارتقاء والنمو، وتحقيق الذات والسمو، والسعي نحو أهداف ومُثُل عليا، وهو ما قد يصل إلى حد التضحية بالنفس، بل ورأى العلماء أيضًا أن التزام الإنسان بفضائله يزيد من سعادته.
عرفة يذكر أيضًا أن العلماء قد بحثوا في المعاني المشتركة لمعنى كلمة ? الإنسانية “ في الحضارات المختلفة، وقد وجدوا أنها تشمل صفات الحب والذكاء العاطفي والطيبة التي تشمل الكرم والرعاية والتعاطف، أي أن هناك ما يشبه الإجماع في هذا العالم على أن التحلّي بالإنسانية يعني أن تكون شخصًا جيدًا, إضافة إلى هذا يستهل عرفة فصل كتابه المعنون بـ ? الإنسانية والتفتح الذهني “ بمقولة لطه حسين نَصّها: ? الكسل، يُحبب إلى الناس أن يأخذوا بالقديم تجنبًا للبحث عن الجديد، ولكن الله لم يرزقنا هذا النوع من الكسل، فنحن نؤثر عليه تعب الشك ومشقة البحث.ثم يضيف عرفة أن معظم الناس يرفضون التغيير والخروج من منطقة الراحة لممارسة شيء لم يعتادوه، ويطمئنون لفعل أشياء يعرفون نتيجتها مسبقًا، فالتغيير صعب، خاصة لو كان تغييرًا للأفكار والقناعات, ويؤكد أنه نادرًا ما نجد شخصًا يعترف أنه قد غيّر رأيه وقناعاته، معلنًا أنه كان على خطأ، ويُرجع هذا التصلب الذهني الشائع إلى صديقنا رجل الكهف البدائي الذي كانت تضطره ظروف حياته إلى ذلك, أما ما ساعد في تطور الجنس البشري فهو أن بعض أفراده قد قرروا خوض المجهول واكتشافه، بدلا من الخوف منه وتجنّبه، كما قرروا التفكير بشكل مختلف عن التفكير الشائع، على الرغم من المقاومة الغريزية تجاه هذا, هذا ويرى عرفة أن من عيوب العقل البشري ثقافة القطيع، إذ يبدو أن مسايرة الآخرين وسيلة مهمة للحفاظ على النوع، ويذكر ما قاله نيتشة في هذا الصدد: ? أتريد حياة سهلة؟ ابقَ إذن في القطيع، وانْسَ نفسك في القطيع “.
المعرفة :
عرفة يقول أيضًا في مقال له عنْوَنَه بـ ? كيف تكون متفتح الذهن؟ “ إن علماء النفس الإيجابي يعتبرون التفتح الذهني من أهم القوى الإنسانية، ووجدوا أن الذين يتمتعون به يسجلون درجات أعلى في اختبارات الذكاء والأداء الأكاديمي، أي أنه مرتبط برقي المستوى الفكري بشكل عام، ولذلك لا يتمتع به كل الناس بنفس القدْر, أما الشخص متفتح الذهن فيصفه عرفة بأنه غالبًا ما يكون أقل تعصبًا وتطرفًا وأكثر تسامحًا مع المختلفين معه، فهو يعرف الرأي والرأي الآخر، ولا يعتبر المختلف معه شيطانًا زنيمًا، بل يتفهم موقفه، وقد يتعاطف معه، لأنه يفهم دوافعه، فالمعرفة تتيح للإنسان القدرة على تقمّص منطق وجهة النظر الأخرى.
وبعد.. هذا كتاب مهم لأي إنسان، إن كان متخصصًا أو غير متخصص، ومفيدة قراءته والاطلاع على ما فيه من موضوعات بالغة الأهمية.