القاهرة 06 نوفمبر 2018 الساعة 12:00 م
كتبت : د. هـنـاء زيــادة
منذ عقود طويلة، ويشكّل الفضاء الخارجي بكل ما يحتويه من غموض وأسرار مجهولة أمراً مثيراً للبشرية، فمنذ فجر التاريخ قد عرف الإنسان علم الفلك واهتم بمعرفة حركة النجوم والكواكب والقمر، ومع مرور الوقت وتقدم البشرية أصبح الفضاء الخارجي بيئة تحدٍ يحاول البشر دائما اكتشافها، فرصدت بعض الدول الكبرى جزءًا كبيرًا من اقتصادها لدعم أبحاث ومشاريع استكشاف الفضاء الخارجي، وتعددت الرحلات خارج كوكبنا، ويومًا بعد آخر يتم اكتشاف العديد من الأشياء المذهلة في ذلك العالم الواسع، كان آخرها ما تم التوصل إليه من معلومات جديدة عن المريخ، والتي تُجدد آمال العيش على سطحه.
فقد توصل علماء أمريكيون في مجال الفلك والجيولوجيا إلى معلومات جديدة عن الكوكب الأحمر تفيد بأن ثمة تقارب كبير بين بنية كوكب المريخ وكوكب الأرض بعد دراسة التغييرات الحاصلة في تربة الكوكبين، ويعتقد هؤلاء الباحثون أن المريخ شهد شروط الحياة نفسها على كوكب الأرض لكن منذ مليارات السنين، فقد سمحت معالجة البيانات التي جمعها مسبار "كيوريوسيتي" باستخلاص استنتاجات جديدة حول التغييرات التي طرأت على سطح الكوكب الأحمر، وبعد دراسة بنية التربة فيه والأحوال الجوية التي ساعدت على حفظ آثار الطين من خلال تجمده، والتي لا يمكن أن تتشكل إلا في خزانات المياه القديمة التي كانت على سطحه، وقد اكتشف العلماء أيضا في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في الولايات المتحدة أن آلاف البحيرات القديمة التي كانت صالحة لعيش أبسط أشكال الكائنات الحية، كانت موجودة على سطح المريخ قبل حوالي 3.5 مليار سنة، وذلك قبل وقت طويل من وقوع كارثة مجهولة يظنون أنها دمرت الكوكب الأحمر.
الأبحاث توصلت إلى أن عمليات تآكل التربة على سطح المريخ تشبه بشكل كبير عمليات تغير التربة على الأرض، وهذا يعني أن كوكب المريخ كان يمتلك نسخة طبق الأصل عن الغلاف الجوي للأرض ودرجات الحرارة أيضاً.
من جهة أخرى فقد أكد التحليل الطيفي أن هذه البقع من "طين المريخ" قد تشكلت تحت تأثير الهواء والماء، وهما المكونان الرئيسيان للحياة، كل هذه المعلومات الجديدة تصب في مصلحة الآمال القديمة للإنسان في محاولاته المتعددة للعيش على هذا الكوكب، كما أن هذه المعلومات أيضا ستفيد كثيرا وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) وتحفزها على المضي قدماً في أبحاثها من أجل إرسال فريق لغزو المريخ، حيث تقوم الوكالة التي تعتزم إرسال مستكشفين إلى الكوكب الأحمر بحلول عام 2030 بدراسة استخدام العقاقير التي تغير شفرة الحمض النووي للطاقم، ويمكن أن يؤدي هذا الأمر إلى إصلاح الضرر الناجم عن جزيئات الطاقة العالية، التي قد تضر بأجسام رواد الفضاء المرسلين إلى المريخ، حيث يزداد خطر الإصابة بالسرطان وغيره من الأمراض، لكن إلى أن تصل هذه الأبحاث إلى غايتها المرجوة، فإن العالم منشغل حالياً بتنظيم "أول رحلة ذهاب بلا عودة" إلى كوكب المريخ، حيث تقدم 200 ألف شخص من 140 بلداً مختلفاً من حول العالم، للمشاركة في هذه المهمة التي تقضي بإرسال فريق متطوع إلى الكوكب الأحمر، لكن المؤسف في هذه الرحلة أنها ستكون رحلة ذهاب فقط، حيث سيقيم الفريق هناك إلى الأبد وينشئوا مستعمرة بشرية، وهو مشروع تقوم عليه شركة "مارس وان" الهولندية, أما عن سبب كون الرحلة ذهاب دون إياب، فهو أن التقنيات العلمية المتوافرة حاليا تتيح الهبوط على كوكب المريخ، لكن لا تتيح العودة إلى الأرض لأن جاذبية كوكب المريخ كبيرة نسبياً، وذلك بخلاف القمر ذي الجاذبية الصغيرة الذي يمكن الإقلاع منه.
هذا المشروع الجديد لاستعمار المريخ سيتم تمويله من الإعلانات التجارية، إذ أن كل مراحل التدريب والانطلاق والرحلة الفضائية والهبوط على المريخ وإنشاء المستعمرة البشرية والإقامة فيها ستكون منقولة مباشرة على الهواء ليتابعها الملايين حول العالم، أما بالنسبة لاختيار المرشحين لهذه المهمة فإنه سيتم بناءاً على معايير عدة، منها: القدرة على اتخاذ القرار، وسرعة وحسن التعامل مع المشكلات، والروح المعنوية، والتركيبة النفسية، والسلوك أثناء الاختبارات وخارجها، ومع انتهاء مرحلة الاختيارات الأولى سيبقى من المرشحين 24 فقط، يوزعون على 6 مجموعات، كل واحدة تتكون من 4 أشخاص فقط، وتعتزم شركة "مارس وان" أن ترسل في مرحلة أولى مركبة غير مأهولة، لاختبار قدرتها على الهبوط على سطح المريخ، وسيكون ذلك قبل نهاية العام الحالي أو في بدايات العام القادم، أما الرحلة المأهولة الأولى فتنوي إطلاقها في العام 2026 حاملة الفريق الأول من مستعمري المريخ، ثم تليه الفرق تباعا بفاصل زمني مدته 26 شهراً بين الرحلة والأخرى.
ويدرك المشاركون في هذه المهمة تماما أنهم ذاهبون من دون عودة إلى الأرض، وأن عليهم أن يتدبروا أمورهم على كوكب المريخ، من حيث بناء مساكنهم الصغيرة التي تقيهم من الجو وحرارته، وان يبحثوا عن الماء، وينتجوا الأكسجين، وأن يزرعوا طعامهم داخل حجرات مقفلة، وغيرها من الأمور التي تحتاجها الحياة البشرية، وقد تبدو هذه الأمور بسيطة نظرياً، لكنها فعليا صعبة جدا على الكوكب الأحمر، نظراً لأن المريخ كوكب قاحل ذي غلاف جوي غني بغاز ثاني اكسيد الكربون، والطقس قارس البرودة، فمتوسط درجة الحرارة 63 درجة مئوية تحت الصفر، لذا فإن هذا المشروع يحيط به الكثير من الجدل والمخاوف، رغم أنه يحظى بتأييد كبير من عالم الفيزياء "جيرارد هوفد" الحائز على جائزة نوبل للسلام.
عموما .. فنحن في انتظار ما ستؤول إليه الأبحاث، ومثلما كانت الرحلة الأولى إلى الفضاء محفوفة بكثير من الشكوك والمخاطر، وبعدها غدا الذهاب إلى الفضاء وإلى القمر أمراً اعتيادياً؛ فإن هذا المشروع ـ وهو الأول من نوعه ـ يثير شكوكاً، لكن الآمال المعقودة عليه كثيرة، خصوصاً وأنه يحدد تاريخاً جديداً للبشر على سطح المريخ، فكل المهمات الفضائية حتى الآن انزلت على سطحه مسبارات أو روبوت، وستكون هذه هى المرة الأولى التي يهبط فيه إنسان على سطح المريخ.