القاهرة 30 اكتوبر 2018 الساعة 12:13 م
كتبت : د. هـنـاء زيــادة
خلال السنوات الأخيرة انتشرت موضة تدخين الشيشة، أو النرجيلة أو البورية أو الجوزة كما تسمى في بعض بلدان المنطقة العربية، في البيت وفي المطاعم والكافيهات، على انفراد أو في جلسات الأصدقاء والعائلة، وكل ذلك يتم على اعتبار أنها طريقة ترفيه عن النفس، صحيح أن تدخين الشيشة عادة قديمة كانت منتشرة في المنطقة العربية، يُقال أنها كانت موجودة منذ القرن السابع عشر، حيث يتم تدخين التبغ الخشن المخلوط بعسل السكر, ومؤخراً أصبح يُضاف إليه رائحة الفواكه المعطّرة، كما أن هناك أشكال وأنواع من الشيشة تفنن بها الصناع والحرفيون من البلدان العربية، وامتد تأثيرها إلى كثير من الدول الأوروبية، خاصة تلك التي تتواجد فيها جاليات عربية، وقد كشفت دراسة ميدانية حديثة عن ازدياد عدد مدخني الشيشة خلال السنوات الأخيرة في الولايات المتحدة وأوروبا، وهو ما جعل النرجيلة مصدر قلق كبير بالنسبة لحركات التوعية ضد مخاطر التدخين خصوصا لانتشارها المتزايد في أوساط الشبان وفي الجامعات، وأيضا في ظل تزايد استثمارات الشركات الدولية للتبغ في النرجيلة، وضعف التدابير المتخذة لوقف تفشي هذه الظاهرة بالمقارنة مع تلك المرتبطة بمكافحة تدخين السجائر.
من المؤسف أن وسائل الإعلام لا تكف عن الترويج للشيشة بشكل غير مباشر عبر المسلسلات والأفلام، وكأنها باتت جزء أساسي من حياة الناس أو أنها من ضروريات الحياة. لكن لا تذكرنا أبدا تلك الوسائل الإعلامية بالأضرار التي تسببها للصحة وصحة من يحيط بالمدخن، فطبقا لبعض الدراسات فإن تدخين نرجيلة واحدة يعادل تدخين علبة سجائر كاملة، حيث يحتوي الدخان على مركبات سامة كأول اكسيد الكربون، والفورمالديهايد والهيدروكربون العطري المتعدد الحلقات والنيتروجين وأسيد النيتريك والزرنيخ والمعادن الثقيلة وغيرها من المواد الكيميائية المسبّبة للسرطان.
وحتى إذا مرّ الدخان الذي ينتج عن الشيشة عبر الماء، فهو لا يزال يحتوي على مستويات مرتفعة من المركبات السامة، كما يضر تدخين النرجيلة بالحويصلات الرئوية وجهاز التنفس عامة، ويسبب حموضة دائمة في المعدة وتلفًا في اللثة وسطح اللسان، كما يؤثر دخانها على نضارة البشرة وتسبب اسودادًا تحت العينين، ويسبب اصفرار الأسنان ورائحة فم كريهة، كما يضر بالحبال الصوتية ويجعل الصوت خشنًا، كما أن تدخينها بالبداية يكون للتسلية وينتهي بالإدمان، ومعظم هذه الأضرار يقع على من هم حول المدخن أثناء تدخينه لها، لأنهم عندما يستنشقون دخان النرجيلة يصبحون مدخنين سلبيين.
وفي المقاهي حيث يتم تدخين الشيشة بشكل مشترك.. فقد لا يتم تنظيف أنابيب الشيشة المستخدمة فى المقاهى بشكل صحيح، مما يهدد بانتشار الأمراض المعدية، بما في ذلك السل، والرشاشيات (الفطريات التي يمكن أن تسبب التهابات الرئة الخطيرة)، و هيليكوباكتر (وتسبب قرحة المعدة).
إن الترويج المكثف للأدوات المصاحبة للشيشة، كالمبسم والفلتر وغيرها، وهى من الأشياء التي يتخيّل المدخن أنها تجعل تدخين النرجيلة غير مؤذٍ، هو ترويج مضلل يزيد بشكل خاطئ من سلامة استعمال هذه الأدوات، حيث تشير بعض الأبحاث إلى أن الفحم الذي يستخدم في الشيشة ليحترق يزيد من المخاطر الصحية لأنه ينتج سمومه الخاصة عندما يحترق، ومنها أول أكسيد الكربون الذي يُشكّل أخطر هذه السموم، كما أن أنواعاً جديدة من الفحم يتمّ تسويقها للاستعمال الخاص وهى خطيرة جدا، كذلك فإن ورق الألومنيوم الذي يستعمل مع (المعسّل) قد يكون مصدراً لأبخرة معادن خطيرة في الدخان، كما أن وضع العلامات التى توضع على عبوات (المعسل) كمحتوى القطران والنيكوتين والتي يفترض أنها تشير ضمناً إلى السلامة هى الواقع من الأرقام المضللة.
وبالرغم من نشاطات وحملات التوعية لأضرار التدخين على الصحة، فما زالت نسب المدخنين في ازدياد، وقد أشار تقرير طبي حديث صادر عن منظمة الصحة العالمية، فإن معدل استهلاك الفرد من السجائر في منطقة الشرق الأوسط ارتفع بنسبة 475? خلال العقود القليلة الماضية، وهو ثاني أعلى ارتفاع في العالم، مما يضع المنطقة في مرتبة متقدمة عالميا بنسبة استهلاك السجائر للفرد عند النساء و الرجال، فهل يمكن تكثيف حملات التوعية بمخاطر الشيشة، خاصة وأنها تفوق في مخاطرها مخاطر تدخين السجائر، كما أن انتشارها بين الشباب وصغار السن فاق انتشار السجائر؟.. في الواقع نحن في أمس الحاجة إلى ذلك.