القاهرة 30 اكتوبر 2018 الساعة 11:23 ص
كتب : محمد غباشي
عندما سُئل عن اتجاهه لكتابه الرواية بعد الشعر والمسرح قال : أخيرا وجدت ضالتي في الرواية حيث صرت أعيش تجربتها أكثر..
هكذا كان تصريح جمال مطر المسرحي الذي كتب وأخرج للمسرح العديد من الأعمال الفنية نذكر منها " جميلة – قبر الولي – دار الهوى دار – راعي البوم عبرني – ومؤخرا " خفيف الروح " غير مشاركاته العديدة في لجان التحكيم والإشراف على ورش فنية مختلفة بالإضافة إلى حصوله على العديد من الجوائز والتكريمات في المسرح والإعلام.
ولا يخفي على أحد وجوده على الخارطة الاعلامية منذ سنوات طويلة في تقديم البرامج الحوارية المتلفزة المختلفة اضافة الي صوته المميز عبر الأثير الإذاعي والذي ارتبط بأسماع الجمهور الإذاعي.
ومن يعرف جمال مطر يعرف ولعه بالشعر أولا وبحبه للمتنبي الذي يحفظ له الكثير من الأبيات الشعرية بل ويحفظ ترقيمها بالصفحة من ديوانه الكبير.
لكنا هنا نقف عند حالة إبداع جديدة في عالم الرواية والمتعارف عليها كجنس أدبي ينحو إلى السردية, والتوصيف, وكذا رسم الشخصيات التي تلعب أدوارها في الرواية حسب ما يراه الكاتب وما ينسجه من أحداث يراد بها المتعة والفائدة لعموم القراء.
رواية كلب :
لاتحتاج الفراشه إلى بندقية لتصطادها ..تحتاج وردة ..حلم مفزع ....كلمات متناثرة .. هبت فزعة من نومها والنوم حلال مطلق ....الخ
بهذه العبارات الناعمة يبدأ الكاتب روايته ليقدم لنا استهلالا محمودا ينحو الى الشعر تارة والى السرد الرومانسي أحيانا أخرى؛ ليدفعنا دفعا لحالة التساؤل والفضول التي تنتاب القاريء عند بداية القراءة .
وعليه فيقدم لنا الروائي شخصيته الرئيسيه ليلي, والتي تحمل الجنسية العراقية وهي التي تعرضت في طفولتها لعضة كلب, جعلها تخشي الاقتراب من أي كلب تراه في عالمها, وحتي في حلمها الذي أرقها وجعلها تستيقظ خائفة قلقة ومذعورة فباتت لا تعرف أهي حقيقة أم حلم راح يطاردها كثيرا.
حتي وهي ترضع ابنها الكبير ومن ثم الصغير, لتقارن بين الرضاعة ونهش الصدر الذي تعرضت له وهي صغيرة, ومع ذلك فهي تعاقب ذاتها يوم أن صادفت كلبا صغيرا يبدو لطيفا وهو ينبح على المارة, فألقمته حجرا أصابه فبكت وذهبت إليه تربت على ظهره بحنان وكأنها تعتذر له, بل وتأخذه للطبيب وتداويه متأسفة له عن كرهها لكلب قد نهشها وهي صغيرة.
لذا وعوضا عن ذلك, فقد سمحت بوجود نانو الكلب اللطيف الذي أحبته كل الأسرة وصار سببا لحدث هام غيّر مسار حياتها.
يأخذنا جمال مطر في روايته هذه إلى أكثر من عالم وأكثر من حياة نعيشها معه في كل أحداثها, ومع كل شخصياته التي سطرها لنا؛ لنجدها قريبة منا نراها ونلمحها في ذواتنا أو في من يحيط بنا.
فشخصيه الزوج سالم الزوج المصري المحب اللطيف, والذي يتحول إلى شخص آخر عندما يبدأ بتناول الخمر؛ فيصبح لا سالم ولا مسالم إلا مع أصدقاءه.
تستمر أحداث الرواية لنعيش مع أبطالها وشخوصها حياة أسرية كاملة فيها الكثير من التفاصيل التي نتعرف من خلالها على نماذج لحياة بعض الوافدين المقيمين في بلد خليجي يحوي أنماط وجنسيات مختلفة, وهذا ما نلمسه حين نتعرف على الأسرة الأخرى التي تتناص في الأحداث مع أسرة ليلي وسالم.
وهاهي شخصية ياسمين المرأه الجميلة والآتية من الأراضي الروسية التي قدمها لنا المؤلف هكذا.. وزوجها طوني رجل الأعمال اللبناني المحب للحياة بكل ما فيها من معان .. تلك الاسرة التي نشرت إعلانا على صفحات الوسائط الاجتماعيى تطلب تزويج كلبتها النادرة النوع لكلب ذكر من نفس النوع, والذي تصادف أن نانو هو الكائن المطلوب لذلك التلاقح.
تتوالى أحداث الروايى في نسق لطيف يقودنا إلى اكتشاف اشتعال الغريزى من قبل سالم تجاه المرأى الروسيىة, والتي بات لا يحلم إلا بها فازدادت الهوة اتساعا بينه وبين زوجته ليلى, والتي لم تجد من تلجأ إليه في محنتها هذه إلا سلمى صديقتها الوفية, والتي عاشت معها محنتها ونصحتها بالتروي والتريث دون اتخاذ أية قرارات قد تهدم ذلك العش الجميل.
نقف هنا قليلا لنستعرض تركيبة الشخوص والأحداث في بناء الرواية التي كتبها مطر بأسلوب شيق سلس ومحبب للقاريء, ومما لا شك فيه أن الكاتب هنا قدم لنا حدثا رئيسيا واحدا تفرعت منه أحداث أخرى, اشتركت فيه شخصيات الرواية مع وجود شخصيات ثانوية شاركت الحدث الرئيسي.
قدم لنا الكاتب شخصيات مختلفة الجنسيات والأهواء في مكان وزمان واحد, تسير في إحداثيات قريبة من بعضها البعض, بسبب كائن آخر ليس آدميا كأبطال الرواية الآدميين, لكنه في كل الأحوال محور الحدث الحقيقي الذي تدور حوله الحكاية أو الروايه المقروءة, والحبكة المطلوبة لتكملتها للنهاية في لغة سلسلة مليئة بالصور العديدة في الواقع والحلم والرغبات المكبوتة والمعلنة.
نأتي إلى مسألى الصراع المتأصل في كل البشر والتي تنحو غالبا إلى مسالة الخير والشر في دواخلنا, وهذا مايجعلنا نتسائل عندما نلاحظ التغيير الذي طرأ على شخصية الزوج سالم حين التقى المرأة الجميلة صاحبة الكلبة, إلى أي مدى كان هذا التغيير الذي قلب حياته رأسا على عقب ؟
وهل كان على استعداده للتغيير حاضرا عند أول محطة توقف عندها قطار حياته ؟
هل يضحي الإنسان عادة بكل ما يملك من حياة هانئة وزوجة تحبه وترعاه وطفلين هما أجمل مباهج الحياة, مقابل غريزة أوعاطفة أوشعور لم يكن يعرفه من قبل ؟
ثم ما ذنب المرأة الزوجة ليلى حين يتحول عنها زوجها ؟
وبالتالي ما موقف المرأة الأجنبية تجاه رجل هام بها وغرق في حبها, دون إذن منها ؟
هذه الأسئلة وغيرها وضعنا أمامها جمال مطر كي نستمر معه لاستكمال روايته التي دعانا إليها, لنجد أن الأمور قد تعقدت في النهاية حين يتحول سالم الزوج المحب لأولاده وزوجته إلى كلب, أشبه بالكلب الذي نهش زوجته وهي صغيرة عندما حاولت أن تحنو عليه وتلاطفه.
بالتأكيد هناك أكثر من حالة استكشافية ومتعة لا حدود لها عند قراءة الرواية كاملة بدلا من المرور عليها مرور الكرام.