القاهرة 18 سبتمبر 2018 الساعة 11:00 ص
د. هـنـاء زيــادة
على مدار عقود مضت، ظل تناول القصص الحقيقية سينمائياً يضفي نوعاً من الجاذبية للمتلقي، حيث تقدم السينما إلى جانب المتعة فائدة أخرى للمشاهد من خلال تقديم جزء من أحداث التاريخ وقصصه الواقعية، ونظراً لشغف الناس لمشاهدة أفلام سينمائية تعود إلى قصص حقيقية، سواء كانت قديمة أو معاصرة، فقد أدى ذلك إلى إقبال صناع السينما على تحويل الكثير من الأحداث الحقيقية التي مرت بها الإنسانية إلى أفلام سينمائية، الكثير منها قد نال الإعجاب الفني من قِبَل النقاد، فحصدت تلك الأفلام الكثير من الجوائز والتكريمات، كما أنها حققت أرقاماً قياسية في شباك التذاكر، ولعل أبرز هذه الأفلام والذي لا يُنسى، هو فيلم "تايتانيك"، والذي يعتبر من الأفلام الرائعة التي تعود إلى قصة غرق السفينة العملاقة تايتانيك عام 1912م، وتم إنتاج الفيلم في عام
1997م، ومن إخراج "جيمس كاميرون" وبطولة "ليوناردو ديكابريو" و"كيت ونسيلت"، على نفس المنوال فإن ثمة قصة أخرى حقيقية وقعت قبل 17 عاما، هزت الولايات المتحدة والعالم بأسره، ففي الحادي عشر من سبتمبر من العام 2001م، وقعت أحداث هجمات برجي مركز التجارة العالمي ووزارة الدفاع الأمريكية، هذه الأحداث ألهمت صناع السينما فقاموا بتصوير العديد من الأفلام حولها ومن وجهات نظر مختلفة، حيث اختلفت الأفلام التي تم تقديمها وفق رؤية المنتج أو المخرج أو المؤلف.
على الرغم من أن بعض الساسة الأمريكيين وجهاز الاستخبارات المركزية "سي آي إيه" قد كشفوا لاحقا عن توقعهم المسبق لمثل هذه الهجمات، إلا أن السينما الأمريكية كانت سبّاقة في تنبؤ وتوقع مؤامرة بهذا الحجم قد تصيب الولايات المتحدة، فهناك العديد من الأفلام الأمريكية التي تتناول سيناريوهات المؤامرة واختطاف طائرات والقيام بعمليات إرهابية بها، وبمجرد أن بثت شاشات التليفزيون حول العالم هذه اللقطات المروعة للانهيار العظيم للبرجين واختباء الرئيس الأمريكي جورج بوش ونائبه خوفا من استهدافهما، حينها سارعت هوليوود لتتصدر المشهد، سواء من خلال إجراء لقاءات مع الناجين وشهود العيان أو من خلال أخذ اللقطات والمشاهد التوثيقية، أو حتى من خلال التذكير بالأفلام التي توقعت من خلالها هوليوود بأن مثل هذه
الأحداث سوف تقع، فمثل هذه الأحداث قد ظهرت في أفلام قبل هذا الحدث بنحو 13 عاما مثل فيلم "موت عنيف" الذي تم إنتاجه عام 1988م، وقام ببطولته "بروس ويلز" و"آلان ريكمان" وقام بإخراجه "جون ماك تيرنان"، وكذلك فيلم "الحصار" الذي تم إنتاجه عام 1996م، والذي تقوم فيه خلايا إرهابية بمهاجمة مدينة نيويورك، وهو أيضا من بطولة "بروس ويلز" وشاركه البطولة "دينزل واشنطن"، وأيضا فيلم "صانع السلام" الذي قام ببطولته "جورج كلوني" و"نيكول كيدمان" عام 1997م.
وبعد انتهاء صدمة الهجمات، بدأ صناع السينما في التهافت على إنتاج عشرات الأفلام التي تتناول الهجمات من زوايا مختلفة، ومن بين هؤلاء المخرجين مخرجنا الكبير الراحل "يوسف شاهين"، إلى جانب آخرين مثل: أوليفر ستون، وكاثرين بيجيلو ، وروبرت ريدفورد، وكين لوتش، ومايكل مور، وغيرهم، حيث حاولوا جميعا أن يقولوا شيئاً مميزاً حول أحداث ذلك اليوم.
من بين أبرز الأفلام التي تناولت الأحداث، نجد في العام 2003م، تم إنتاج فيلم "البرجان التوأمان"، و بالرغم من قصر مدته التي تبلغ 34 دقيقة، إلا أنه يعدّ من أبرز الأفلام الوثائقية التي تناولت الأحداث الإرهابية، وقد أخرجه "بيل جوتينتاج" و"روبرت ديفيد بورت"، وتدور قصته حول شقيقين، الأول شرطى والثاني إطفائي، وما قام به كلا منهما خلال الهجمات من محاولات لإنقاذ الضحايا، وقد حصل الفيلم على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم تسجيلي قصير، والفيلم مأخوذ عن قصة حقيقية للشقيقين جو وجون فيجيانو، اللذين لقيا حتفيهما خلال جهود الإنقاذ.
كذلك نجد أيضا فيلم "11-9"، وهو فيلم عالمي يضم مساهمات من أهم مخرجي وصناع السينما العالميين من دول مختلف، حيث قام كل مخرج من أصل 11 مخرج بتقديم رؤيته الخاصة للأحداث في فيلم قصير من 11 دقيقة و9 ثوان ومشهد واحد، وقدم التصور الأصلى وقام بالإنتاج المخرج الفرنسي "ألآن بريجاند"، وقد شارك في الإخراج والتأليف مخرجنا المصري الراحل يوسف شاهين، وصدر الفيلم حول العالم تحت عدة أسماء مختلفة، ووفقا للغة كل دولة، لكن تم تصنيفه في الموقع العالمي للسينما تحت اسم "11-9"، بينما صدر بالفرنسية تحت اسم "11 دقيقة و9 ثوانٍ وصورة واحدة".
وفي عام 2004م، قام المخرج الأمريكي "مايكل مور" من خلال فيلمه "فهرنهايت 11/9"، والذي يعتبر من أشهر الأفلام الوثائقية التي انتقدت سياسة الرئيس الأمريكي السابق "جورج بوش ـ الابن"، حيث انتقد بوش في تعامله مع الأحداث وكذلك أكذوبة الحرب على الإرهاب التى أعلنتها أمريكا على العالم عقب الهجمات، وبسببها تم غزو أفغانستان والعراق، وما لحق بالمنطقة والعالم من قلق ودمار وإرهاب.
بعد عامين .. في العام 2006م، ظهر فيلمان هما: فيلم "مركز التجارة العالمى" لأوليفر ستون، حيث قام بطولته "نيكولاس كيدج" و"ماريا بيلو" و"مايكل بنا" و"ماجي جيلينهال"، والفيلم الثاني هو "يونايتد 93" من إخراج "بول جرينجراس" وقام بطولته الممثل البريطاني من أصل مصرى "خالد عبدالله" والمغربي "عمر بيردوني" و"كريستيان كليمينسون"، والذي يدور حول اختطاف إحدى الطائرات بواسطة أربعة إرهابيين تابعين لتنظيم القاعدة. ونجد أيضا فيلم " 30 دقيقة بعد منتصف الليل"، الذي قام ببطولته كل من مارك دوجلاس، وكيلي شاندلر، و هارولد بيرنيو، ودارت أحداثه حول وقائع من مطاردات دامت حوالي عشر سنوات لزعيم تنظيم القاعدة، بعد هجمات 11 سبتمبر، ومصرعه على يد فريق من القوات الخاصة الأمريكية لاحقاً.
فيما قدم النجم الهندي "شاروخان" رؤية مختلفة للأحدث عبر فيلمه "اسمي خان"، والذي دارت أحداثه حول "رضوان" المسلم الهندى الذي يعانى من مرض التوحد بعد وفاة أمه، ثم ينتقل إلى الولايات المتحدة ليقيم عند أخيه، وهناك يتعرف على فتاة هندوسية تدعى "مانديرا" مطلقة ولديها ابن من زواج سابق ليقع في غرامها، ثم تتأزم أحداث الفيلم بعد انهيار برجىَ التجارة العالمى، ويبدأ المسلمين بالتعرض للاضطهاد، ويروي الفيلم رحلة رضوان لمقابلة رئيس الولايات المتحدة لإخباره أن المسلمين ليسوا إرهابيين ويتعرض خلالها لمواقف مختلفة تكشف عن نظرة الأمريكيين للدين الإسلامي.
من بين الأفلام التي تناولت الأحداث أيضا، نجد فيلم "كلوفيرفيلد" من إخراج "مات ريفيس" والذي قدم زاوية تقليدية لمحاكاة الأحداث، كما تناولت دراما The Guys من إخراج "جيم سيبمسون"، وبطولة النجوم "سيجورني ويفر" و"أنتوني لابجليا" و"إيرين والش"، قصة قائد المطافئ الذي يفقد ثمانية من رجاله في انهيار مركز التجارة العالمي، ويحاول أحد المحررين مساعدته في إعداد كلمات التأبين التي يجب أن يلقيها، أما فيلم World Trade Center من إخراج "أوليفر ستون" وبطولة النجم "نيكولس كيدج" و"كونور باولو" و"مايكل بينا" والذي يتناول الهجوم على مركز التجارة العالمي، واحتجاز اثنين من ضباط شرطة أسفل أنقاض مركز التجارة العالمي، وكذلك الفيلم الدرامي "نهارا ليلا نهارا ليلا"، وهو من تأليف وإخراج "جوليا لوكتيف"، وتم إنتاجه عام 2006م، ومن بطولة "لويزا ويليامز"، حيث يصور الفيلم 48 ساعة من حياة مراهقة تبلغ من العمر 18 عاما تخطط لأن تصبح مهاجمة انتحارية في ميدان التايمز، وبعد أحداث 11 سبتمبر، أصبح من الشائع في نيويورك أن ترى ملصقا يدعو المواطنين إلى الإبلاغ عن أى أشخاص أو أنشطة مشبوهة، وأن تجد ضباطا مسلحين يفتشون حقائب الركاب الذي يدخلون محطات القطار، فكرة الفيلم هذه قدمت زاوية سياسية عن الخوف والتحذير من أعداء الداخل، حيث أن هذه الفتاة الأمريكية الشابة الطموحة والأخلاقية، نجدها قد انحرفت عن مسار حياتها السوي وبدأت رحلتها عبر مانهاتن لتفجير ميدان التايمز! الفيلم لم يقدم إجابات حول هوية الفتاة، أو لماذا تفعل ذلك؟، لكن الفيلم يقدم تجرية استثنائية وتظهر الإرهاب كأداء.
ثمة فيلم آخر مهم من إنتاج (أمريكي- مكسيكي ـ فرنسي) مشترك، وقام بإخراجه "إليخاندرو جونزاليس إناريتو" وحاول تقديم إجابات حول صراع الثقافات، حيث تدور أحداث الفيلم في المغرب واليابان وأمريكا والمكسيك، وكانت إحدى الأسئلة المثارة بشكل كبير بعد 11 سبتمبر، التي طرحها الأمريكيون: لماذا يكرهوننا؟، هذا الفيلم هو فيلم "بابل"، الذي حاول صناعه أن يكون تعبيراً لمواجهة التفتت الثقافي العالمي.
ومن الأفلام الأخرى التي تناولت الأحداث "WTC View"، الذي يتناول قصة المصور "إريك" الذي يسكن في منزل جديد يطل على مركز التجارة العالمي، ثم يبحث عن زملائه في السكن بعد صدمة الهجمات. ومن الأفلام التي تدور في إطار برجي التجارة، وإن لم يكن هناك ظهور مباشر للهجمات الإرهابية التي وقعت بها، نجد فيلم "رجل على الحبل"، وهو فيلم وثائقي بريطاني من إنتاج "جيمس مارش"، وهو من الأفلام المهمة التي لم تتناول الأحداث بشكل مباشر، لكنها ألقت ضوءاً ساطعا عليها، ويؤرخ الفيلم ل "فيليب بيتي" الذي يسير على حبل ممتد بين برجي مركز التجارة العالمى عام 1974م، ويستند الفيلم إلى كتاب بيتي: "للوصول إلى السحاب"، والذي صدر تحت عنوان جانبي "رجل على الحبل"، وبالرغم من أن الفيلم لا يقدم صورة مباشرة عن أحداث 11 سبتمبر، لكنه يصور اللقطات التي يسير فيها بيتي على الحبل، وتفاصيل التحضيرات وأسرار الهروب من أمن نيويورك لتنفيذ هذه المهمة الخطيرة التي يحظرها القانون.