القاهرة 11 سبتمبر 2018 الساعة 01:21 م
سعد الدين شاهين / الأردن
لن اقتصر في ورقتي على شهادة ابداعية بالمحض بل سأتجاوز ذلك الى توصيف مختصر ما امكنني ذلك للحالة . وسأقف عند بعض المحطات من شهادتي للكبار لست في عجلة ..ما زالت اللوحة تتشكل وربما نورثها لغيرنا لتكتمل في يوم ما .. . سماؤها مشدوهة بما يقع علينا من زواياها البعيدة البعيدة ... .. في الجانب , عصافير تتقافز باحثة عن غصن يشكو الفراغ تضع عليه رأسها وتتخذ من حصرمه وسادة تليق بحلم منتظر , تسهم في صياغته نسمات قادمة من وطن مصلوب قاب قوسين من ذات الحلم . الأغاني مرهقة والأناشيد أزهقت روحها .. وغادرها المنشدون .
في الأعالي .. في منطقة تحت الرؤى ثمة طيف أكبر من الحلم وجوارح تحوم ناهشة فضاءاته , واليمامات جففت مدامعها وأخرست هديلها جاهدة أن تعلق في أجراس أرجلها صيحة , غير التي كانت في الهديل , كنت أوشك أن أكون بينها , وكان من ينوب لأرث ما تبقى حتى الساعة , وجئت كمثلهم حاملا مأساتي وبطاقة برقم يدل على خيمة عنوانها الغيم والريح والمنفى وأمال مشرعة , مشرعا أسئلة بحجم الكلام , أذكر أنني عبرت طفولة ما في زمن ما لم تكن طفولة راكدة لتحتمل تشكيل دوائرها عند كل سقوط حجر في وسطها لذلك فأنا أتذكر انني ما زلت طفلا وأن رصيدا مخبوء من طفولتي ما زال قيد التحصيل وعليّ ان اسعى للظفر به لأبنائي لطلابي لأحفادي للطفولة المتآكلة امام زحف الأتمتة والالكترونيات والتكنولوجيا سارقة الطفولة وبراءتها , هل أنا الذي عليه أن يعلق الأجراس ويشكل الفضاء من جديد لأجيال ستأتي ولا تملك إلا بطاقة التموين وبطاقة الخيمة , مع أن الأيدي فارغة حتى من الأظافر التي عليها أن تخرمش أحيانا, فقد قلّمت ولم يبق إلا معالمها .
إذن لا بد من أن نملأ الفضاء أسئلة بحجم اللوحة , نجعلها ترفرف في الفضاء وتتقافز كعصافيرنا الماضية فوق شجيرات أشعارنا , ناقلة حصرمها لأجيال نبنا عنها وقد صار ثمرا ناضجا .. كيف ستصمت شهرزاد والليل ما زال بأوله والسيف بالبال والباب , والجلاد ينتظر الأشارة ؟ وبماذا ستغني ,, بغير الشعر والبرجمات وأناشيد الحياة من أولها لتحقق حلم الحياة ؟ كيف ستنفث غبراءها هذه السهول التي تنتظر لتعفر سحناتنا, ولا خيول لدينا تثير النقع غيرذكرياتنا الممحية من معالم الطفولة وبقية من الكلام المقفى والشعر والبحث الدؤوب عن سبائك الفرح ؟..
ولماذا تفر الكلمات من أشجارها لتفقد حرية تنفس الهواء , وشم عبير البساتين ,وتنتظم لتضع يديها في فم شاعر ورث مأساة أهله وقومه .. ؟ يستخرج نواتها بطريقته المشاغبة ,يموسقهاحينا ثم يعاود زراعتها على هواه من جديد في حقل جميل , يهديه للوطن , للأم , للمرأة , للحبيبة , للناس , للإنسانية وللطفولة بدء الانسانية معبرا فيه عن شفافية روحه في موقف يليق بالحياة التي ينشد سعيا وراء حاجاته المفقودة .
إن أكثر الأشياء إحساسا بعذاب العبودية هي الكلمة التي يقولها شاعر , وشاعر يقول الكلمات لتصبح من قطعان عبيده لا تمتلك الفكاك من أسره , ويشعر أنه لا يمتلك من حطام الدنيا غيرها . يقولبها كما يشاء ولا تضج ,ويضج غيرها , لكنها في الحقيقة هي أكثر الأشياء بلسمية وسعيا لنيل حريتها ولهذا أحببتها , فهي تبرئ جروح النفس إن أرادت , وتقتلها وقتما شاء ناظمها , ولكنها في أكثر الأوقات تظل كعصافير النار تفلت من بين يديه دون أن يستطيع حبسها . بعكسنا تماما تظل سعيدة حيثما وضعت , تبني بيتها في المكان الذي يختاره لها شاعرها , ويأسرها داخله ليستضيف فيه كل من أحس بها وكل من أثّرت فيه, هنا فقط تعلن الكلمة عن تحررها من عبوديتها , لتصبح سيدة المكان والزمان , سيدة الفرح والحزن والغضب آسرة الوالهين والمعذبين.
أما بخلاف ذلك فهي أسيرة السطر والكتاب …. أسيرة المعنى والتأويل . وإرهاصات الحياة بين هواجس عديدة تتأرجح بين الغربة والحنين وبين الحنين والأمل بحثا عن طفولة منسية في أزقة الحارات والحواري وعلى مقاعد الدراسة في مدارس متجهمة وبيئات خشنة ومعلمين عابسين طول الوقت الا من رحم ربي هذه عجينتي الأولى وطينتي التي جبلت في حمأ أشد حرارة من الجمر أضع بداخله ما أشكله من حروف لتكون الوردة وجمال الرؤيا, الرصاصة والموقف , الشمس والغيمة الماطرة , أرطب من نسمة الصبح في نيسان تتحرك الفراشات من خلالها متنسمة عبير الأزهار أرق من الفخار وأصلب من الصوان وألين من الزجاج وتشف عن كل ما بداخلها ليكون الشاعر الذي عليه ان يغير النمط , ويزوق الكون ما أمكن صانعا طفولته,,لأكون أنا منذ الطفولة وحتى الطفولة باحثا عن حاجاتها ورغباتها فالطفولة في مجملها منبع الذات وولاّدة الابداع ,إذ ليس من السهولة بمكان أن يعيد المبدع صياغة سيرته كتابة على الورق منذ المدماك الأول في الوعي كما أن القلم عندما يضع سنه على الورق قضما لا يستطيع إلا أن يكون صادقا حتى النخاع فيما يستطيع اللحاق بتذكره لكنه قد يضطر لاختصار بعض المحطات أو الأحداث طبقا لمقتضى المساحة المعطاة له للنشر لأن التاريخ والسير متشابكة ومتصلة وممتدة فهي عادة تسبق الذاكرة حيث يبدأ الإبداع بكل أنواعه كردود فعل أولية وبصورة معينة تبعا لشخصية الإنسان ذاته ومعاناته , وينمو الإبداع ويتشكل وتنمو معه الذاكرة التي تبدأ الاختزان , وذاكرة الكبار المشوشة بالكثير الكثير من الأفكار تسحل دائما باتجاه فترة الطفولة لتأخذ فترة نقاهة من أعبائها التي لا تجد لها خلاصا إلا ضمن هذه الرشوحات التي تؤنس وحشتنا وتؤسس لمستقبلنا .ومستقبل من بعدنا
الصف الخامس كان بداية لوعي حقيقي آخر في تشكل معاني الأشياء واستنباط التفاصيل التي مرت بأهلي والتي على وشك أن تمر .. البحث عن قدوة ومثل يقتدي به طالب الصف الخامس في مخيم كمخيم الوحدات الى الجنوب من عمان حيث استقر بي المقام والوعي , هاجس يجعلك كقشة على ظهر موجة في محيط وحين كان معلم اللغة العربية آنذاك يجوّد دروس القراءة والمحفوظات يجعلنا نسبح في خيالاتنا معه . حين لم يتبق لنا إلا الخيال , والحلم لعبتنا الوحيدة , وعندما تكون حصة التعبير الشفوي يجعلنا نبكي على حالنا وأوطاننا .. ونخرج الى الشوارع مقلدين عباراته وطريقة القائها بصوت عال .
من هنا تماما بدأ إحساسي بجمال اللغة العربية, وبمأسسة الطفولة حين تتحول من قشة في المحيط الى يرقة تتحرك في بطن الأرض بإرادتها فتخرج وقت تشاء وتناغي يراعاتها في ليالي الشتاء .
كان حين يقرأ درس المحفوظات بعنوان " أنا الديكُ" يطلب من أحدنا إحضار ديك حي إلى الصف في اليوم التالي نفتتن بكبريائه وجماله اولا يوم كان للديكة وقتها ريش مزركش وكبرياء تعتز بكبريائها حين تنفش ريشها الذي نحسدها عليه وكأنها تحثنا على التمثل بها والبحث عن كبرياء لنا .
ثم يقرأ علينا محفوظة أنا الديكُ أنا الديكُ كوكوريكوكوكوريكو ونرددها من ورائه حتى نحفظها قبل أن تنتهي الحصة , تشدنا موسيقاها , ونسبح في معانيها حين كان أستاذنا يتخيل نفسه ديك الصباح في حوش الوطن, وأن عليه أن يوقظ النائمين دون أن يتذمر أحد , يطلب أن نكتب موضوعا في وصف الديك , كان لا يقبل وصفا مجردا لا يحمل رؤية أو تشبيها , وأذكر أن موضوعي الذي كتبته كان أجمل الموضوعات في الصف, بل كان يقترب من الشعر كما قال لي أستاذي آنذاك ولم أكن أعرف الشعر بعد , وقد أدخلت في نصي مواجع المأساة والشتات , وحلولها حسب ما أرى , وربطته بنشيد " برز الثعلب يوما في ثياب الواعظينا" الذي كنا قد تعلمناه مما زاد في إعجاب المعلم آنذاك .
وحتى حين نما زغبنا قليلا واصبح في طور الريش وانتقلت الى رغدان الثانوية فيما بعد قيض الله لنا مدرس اللغة العربية الذي خلته كبر معي , مع أنني لم أره من قبل , وهو الاستاذ عبد الحميد المعيني , كان يقرأ الشعر كقائد في معركة , عندما يكون حماسيا , وكعاشق يتفتت شوقا عندما يتقمص قيس لبنى ,الذي كان مقررا آنذاك في المنهاج المدرسي, وكطفل يذوب رقة ودلالا حين يكون الامر كذلك , بعث فيّ الشعر من جديد , فكتبت بثقة هذه المرة اولى قصائدي العمودية للكبار متلمسا وقفته وطريقة القائه وتغنيه .
كنت أعرف أن الكتابة الى الطفل لا تقود الى الشهرة وأعرف أنها لو قادت الى الشهرة فإنها ستكون شهرة محدودة وتكون في ذهنية المتلقي ضربامن التعامل مع الماضي في نظر من كبروا لأن الذين يقرؤون هذا النوع أصبحوا رجالا وأصبح الشعر والشاعر او القاص ماض بالنسبة لهم والأطفال لا يذهبون بوحدهم الى منتديات القراءة أعرف أن الكتابة للطفولة لا تجمع حولك جماهيرا من المصفقين , لأن الأمسيات الشعرية والأدبية عموما مقتصرة على شعر الكبار , وأدب الكبار وإن حصلت فلا يكلف الكبار خاطرهم حتى بمرافقة أبنائهم أو اصطحابهم لحضور ندوة أو أمسية خاصة بفئتهم. وأعرف أن كثيرا من النظر الى شعر الأطفال ومن يكتبونه , ما زالت نظرة قاصرة , وإلا ما معنى ان تفتقر الحركة النقدية العربية لتناول هذا الأدب على تنوعه وأعرف أن هذا الأدب قليل الاهتمام به وليس على اولويات وزارات الثقافة من حيث تقديمه على كل الاجناس لاهتمامه بنسغ الحياة من اولها ولا من حيث الجوائز ,والمهرجانات وإن حصلت فإنها تأتي بين حين وحين على خجل ولا تتكرر.
و مع ذلك فإن كتابا ما زالوا مهمومين بالطفولة بدافع انساني محض مصرين على سقاية هذا الفرع المهم من الأدب العربي , وتنميته والارتقاء به بوازع من إيمانهم بمسئوليتهم تجاه فئة عمرية من مراحل الطفولة المظلومة من مزوقات الحياة الفكرية والروحية واللغوية , بينما تصرف الدول والمستثمرون في تصنيع مزوقات مادية لهم من الالعاب البلاستيكية المستهلكة والملوثة للبيئة وغيرها , بمليارات الدولارات يدفع ثمنها اباؤهم قطعة قطعة ومن أنواع المأكولات السريعة كالشيبس وغيره دون أن يكون لها التأثير المطلوب الذي يتناسب مع المأمول ... لصنع عدة المستقبل .
حين يتمدد الزمان على مهله أو في غفلة من حرصنا المتزايد على البقاء دون غزو الشيب لمفارقنا اولا ولكامل رؤوسنا تاليا فإننا نلبس عباءة الحكمة بعد ان نقصبها بذكرياتنا ايام الطفولة كل حسب رؤيته , نحكيها بلغتنا وطرائقنا المتنوعة لأبنائنا , ونتلذذ بوصفها لهم في مساءاتنا بكل فخر , على شكل قصص , وحكايات واغاني .... نكتبها الان ونحكيها غناء وقصة على غير ما كان اباؤنا وجداتنا ينعسوننا عند النوم بأغانيهم وحكاياتهم , ومع ذلك نود لو أن للزمن رجعة للوراء يعيد لنا اناشيدنا التي كنا نعيش كلماتها ومعانيها حرفا بحرف منذ الصف الأول في المدرسة . لبست عباءة الحكمة مبكرا , منذ اخترت طريقي لأكون شاعرا اولا ثم معلما أدواته في الحالتين القلم والحرف النابض والنفس البريئة الصافية من ملوثات الحاضر ممثلة في الطفولة بمراحلها المختلفة وبتدرج خصائص كل مرحلة عما قبلها .
وأعترف أنني لم استطع التخلص من سعدالدين الطفل الذي بقي متمسكا بأذيالي يمشي معي ويشاركني دندناتي كلما هممت بكتابة أغنية أو أنشودة او قصيدة أو حتى وقفت في الصف امام التلاميذ معلما لأنقاشهم او لأشرح درسا ما اثناء عملي في التدريس بكل مراحله .. متلمسا ما خسرناه بانقضاء طفولتنا المتشيخة ... حين ثرت ناقما وانا في الرابعة على ضيق المخيم واختبأت في حافلة متجهة من مخيم الدهيشة في بيت لحم في القدس الى عمان محاولا توديع طفولة منتهكة بعد احتلال للوطن للحاق بجدي الذي كان يشبعني قصصا مشوقة وحكايات وتراويد وأغاني خفت افتقادها ان غادرنا من اجل لقمة العيش وتركنا .
فشلت خطة اللحاق بجدي مستودع القصة والأغنية في بداية طفولتي فأعادني مرغما الى مخيم الدهيشة وسافر الى عمان .... ولكنه أودعني أغانيه وقصصه التي كان يفرحني بها زادا للبهجة والوعي حتى كبرت وصرت معلما أعي ما تعنيه الاغنية والحكاية للطفل .. كنت اجرب فراءة دروس القراءة العربية ملحنة لطلابي الاطفال وكذلك الاناشيد اعلمها لهم على صورة مغناة ملحنه مما يسهل حفظها وفهم معانيها ...تجرأت بعد ذلك من تأليف الأغاني والأناشيد المفسرة لمادة المنهاج المقرر كتبت الاوبريتاتالغنائية القصيرة التي تعالج قيما وطنية ودينية واجتماعية واجعل طلابي يشاركون بها في احتفالات المدرسة مع بعض المسرحيات الغنائية القصيرة ا كنت أحس بهذا الطفل الملازم لي .. فكان علي أن أتقن التعامل معي ...معه بطريقة أو بأخرى ليتلذذ الطفل موضوع الكتابة اولا , ويتلذذ معه سعد الدين المعلم ثانيا ,, فكان علي أن أجرب اختيار الأسلوب الأمثل في التعامل معه أولا, وفي الكتابة له ثانية , حين تجشمت عناء الكتابة للطفل وعرفت ان عليّ عندما اكتب .
اما بالنزول الى مستوى هذا الطفل الذي يمثلني ويتمسك بثيابي ويجعلني طفلا واعيا كما كان جدي يعاملني ويقص عليّ قصصه وأغانيه ,,,,,وإما أن أكابر قليلا وأقول أن عليّ أن أجعل منه رجلا ..لذا يجب أن أخاطب هذا الطفل بلغة الكبار .... وفي الحالتين اقتنص حاجاتي المنقوصة المفتقدة لأعوضها للاطفال الذين اتعامل معهم لا شك ان مقولة ( علموا ابناءكم لزمان غير زمانكم ) قد جعلتني أدور حول نفسي لأعرف ما سيكون عليه الزمن القادم لأختار الأسلوب الصحيح , وشكل الوجبة التي يستحقها أبناء اليوم رجال المستقبل مع انني ابتدأت الكتابة طفلا يحاكي اناشيد الكتاب الا انني اخفيت كما من الطفولة الابداعية لحساب الكتابة الإبداعية للكبار شعرا .
وبالفعل تراكم في أدراجي كم من الأناشيد والأغاني الى ان جاء يوم طلب مني فيه أحد الأصدقاء الملحنين واحدة من قصائدي بعينها بعد ان أعجب بها من خلال سماعه لها في حفلة المدرسة التي اديرها فطلب تلحينها والمشاركة بها في مسابقة مهرجان اغنية الطفل العربي الثامن ,, وافقته على الفور وكان نصيبها الفوز والحمد لله حتى ان أعضاء لجنة التحكيم فوجئوا عند فوزها باسمي وأنني انا كاتب كلماتها لعدم معرفتهم بجانب الكتابة للطفل عني مما غير قليلا من فكرتي بعدم الاهتمام بالعمل للطفولة كما منحني حافزا لطباعة مجموعة أولى بعنوان بسمات مبكرة دفعت بها الى وزارة الثقافة وتم اختيارها للنشر ضمن منشورات الوزارة , توالت بعدها عليّ طلبات الاستكتاب محليا وعربيا فكتبت أوبريت طيور الوحدة حول حلم الوحدة العربية .
ثم طلبت مني مؤسسة عبدالعزيز الخنين في السعودية كتابة اوبريت حول هيئة الامم والكيل بمكيالين بما يخص القضية الفلسطينية والخلاف بين الصهاينة والفلسطينيين بلغة الاطفال يناسب سن اليفاع فكتبت ( اوبريت الخصم والحكم ) وبعدها كتبت مجموعة طيور السنونو مجموعة اغاني للطفولة لمنتديات جامعة دولة قطر ثم مسرحية الزيز والصرار والادخار وقد أخرجت وطافت مدارس المملكة ثم قمت بتأليف مناهج رياض الأطفال لصف التمهيدي وضمنتها اناشيد وقصصا وأغاني فربية فصيحة لكل درس وموضوع بما يوازي منهاج الاول الاساسي بعد توصلي لأهمية هذه المرحلة الأساسية فأصدرت حروف وقطوف العربية -- ثم مدارات في الرياضيات ---- first hundredenglish wordو اخيرا مجموعة دوار الشمس اغاني واناشيد من منشورات الدائرة الثقافية في امانة عمان ليتبين لي أن معتقدي بعدم الشهرة لكتاب الطفل معتقد خاطئ وان الذي يتحكم في ذلك جودة المنتج ووعي الكاتب بدوره وبقيمة من يكتب لهم أتساءل بعد كل هذه المعرفة وأكثر عن أي ظلم غير مباشر يحيق بأطفالنا وأبنائنا حين نحرمهم من التفاعل بنشاطات تخصهم كحضور ندوة شعرية أو قصصية أو موسيقية أو مسرحية أو غير ذلك مما كتب خصيصا لهم ثم كيف لنا أن نقنن ما يكتب لهم من اغان وأناشيد ومسرحيا ومقطوعات موسيقية ولوحات فنية , لنساعد في تنقية أرواحهم ونبني في شخصيتهم قيما إيجابية شتى ونهذب نفوسهم , وتثري مقدرتهم اللغوية والتعبيرية , بما نكتب وبما يقرأون .
ومع معرفتي بكل هذه الحقائق التي خبرتها و بمعايشتي للتجربة وبفضل عملي كتربوي عمل اكثر من اربعين عاما في سلك التربية ومع الطفل بمراحله ومثلها في الكتابة للكبار الا أنني اجد نفسي كغيري ممن يواظبون على الكتابة للطفل ..مدفوعا بالمسئولية اولا وثانيا وعاشرا للكتابة لمرحلة الطفولة واليفاع . متلاعبا بمعجون اللغة العربية الفصيحة شعرا واناشيدا ومسرحيات مشكلا منها سبائك للفرح والبهجة وعلى قلة الشعراء والكتاب المكرسين للكتابة للطفولة والذين لا يزيد عددهم على اصابع اليدين فإننا ما زلنا نلمس نقصا واضحا وجيدا فيما يقدم للطفل وان هذا الطفل يحرم من الوجبات الجمالية الدسمة للغتنا الجميلة ومعانيها وابعادها التي تخطط لمستقبل نرجوه لهم وتثري لغتهم التي تؤثر في بناء شخصيتهم بفضل ما يقدم من بعض الشعراء ممن لا علاقة لهم بمعرفة خصائص الطفل بمراحله يكتبون على هواهم وبسجيتهم .... غناء ونشيدا موشحا بالموسيقى والوزن والقافية دون تمحيص ووعي للمضمون ومناسبته للعصر ولمقتضى الحال .
قد يجوز ذلك للكبار بدعوى انفتاحه على التأويل , او لخلق المفارقة المدهشة . ولكنه بالتأكيد سيكون ضارا للصغار اذا ما راعينا وعي وحلقات تفكير هذا الطفل الذي نستهدف وجعلنا منه شريكا أصيلا في ما نكتب نهبط الى ما يمكن ان يصل اليه لنرفعه الى ما نريد أن نوصله له فالمعلومة موجودة اصلا ولكن مهمة الشاعر أن يتقن وضعها في قالب يحلو للطفل التقاطها والتغني بها وتمثلها ..مبتعدا عن المباشرة الكتابة للطفل تحتاج الى ابعاد ثلاثية ومجسمة اولا من شاعر او كاتب صديق قدوة ..لا معلم متعالي يزج له النصح والارشاد المباشر ثانيا تحتاج الى كاتب يعرف كيف يوجه اللغة باتجاهها ليخلق ثروة لغوية لدى الطفل يحبها ويعتز بها وتنمي مقدرته على التعبير بها ان اراد وثالثا فالكتابة اسهام تربوي علمي غير مباشر نشبع به رغبات الطفل عن طريق الحركة واللعب.
وعلى الشاعر ان يتقن أساليب وطرق الربط بين الادراك والمفهوم (في اعتقادي ان الكتابة للطفل تساوي عملية ربط بين الادراك والمفهوم بالاسلوب الذي يحبه الطفل حين ينزل المعلم من برجه الى مستوى ادراك الطالب قبل اقحامه والزج بالمفهوم الجديدويتدرج معه وبه علوا وارتقاء حتى الوصول للمفهوم بطرح الموضوع او المفهوم بطريقة سلسة جاذبة بحيث تشعر الطالب بالمتعة وهو يتغنى ليبلغ الانجاز وان لا يشعر بالقهر والاجبار حين يقرأ وان تغرس فيه أن الواجب غير القهر والإجبار ولهذه الكتابة محطات
1- الإشعار بالحاجة : على الشاعر ان يعرف كيف يشعر الطفل بأهمية ما يقدمه له من مفاهيم ومعلومات تلبية لحاجاته وكيف ستعود على الطفل نفسه بالفائدة ما جدوى هذا المفهوم
2-الإشعار بالواجب والدور المنوط بالطالب:=على الشاعر ان يكون فنانا في توليد الشعور لدى الطفل بأنه مهم وبدونه فإن المعلومة لا قيمة لها ولا اهمية لأنها ستخدمه هو اولا وأن عليه واجب كأهميته في الحياة
3- خلق الامل والفرح والبهجة الايجابية بخلق الصور الابداعية المتفاعلة في بعدها الدرامي في المنتج المقدم للطفل
4- تبسيط المفاهيم بما يناسب الادراك واشراكهم في حلول المعضلات عند الكتابة وهنا تخطرني قصة الطلاب الذين قالوا لمعلم اللغة العربية بصعوبتها وتظاهروا عليه فرسم لهم فرخة داخل زجاجة وطلب منهم اخراجها دون كسر الزجاجة ودون قتل الدجاجة وحين حاروا في الأمر قال انا اخرجها وذكر لهم (الجواب أن الذي ادخلها هو الذي يخرجها ) صاحب الفكرة يتخلص منها
5- الابتعاد ما امكن عن القيم السلبية و الطاقة السلبية التي تسبب الانسحاب الداخلي لدى الطالب أي التي تجعله ( يكون غائبا وهو حاضر ) ويكتفي بالحفظ دون الاستمتاع والتذوق.... وهذا لا يكون الا بالتغني الذي يقود الى الهدف وهو بلوغ الانجاز او التطبيق
6- التشارك : الطفل في هذه المرحلة يحب الحركة والتشارك مع الاخرين في الحل والتأليف اخيرا ومنعا لمزيد من الاطالة اذ ان موضوع الكتابة للطفل لخطورته فإنه يتسع لندوات كثيرة وتفريد أوسع اكتفي بما ذكرت وأزيد انني لم أشأ أن أقدم شهادة ابداعية عن ذات الشاعر فهي لن تجدي لأنني اعرف أنني لن أخاطب في هذه الامسية الا كتابا شعراء وقصاصين وفنانين وكنت اعلم انني لن أحظي بابتسامة طفل ممن نكتب لهم في هذه القاعة وآثرت ان تكون كلمتي موضوعية ما أمكنني ذلك . وأشكر حضوركم البهي الجميل مسجلا عرفاني بالجميل لكل فرد منكم ودمتم