القاهرة 11 سبتمبر 2018 الساعة 11:09 ص
أسماء عبد المحسن
استطاع الكاتب أحمد أبو خنيجر مؤلف رواية "نجع السلعوة"، أن يجعل منها وطنًا كاملًا متكاملًا من شخصيات وأحداث تجري بداخل هذا المجتمع "أي النجع" وما مرت به مصر في تلك الفترة العصيبة سواء حرب اليمن أو النكسة والانعكاسات السلبية على الشخصيات المحورية والثانوية سواء.
السلعوة تلك الخرافة التي صدقوها وعاشوها على مدى أجيال رغم معايرة النجوع الأخرى لهم كون جدتهم التي أنجبت أجدادهم وآبائهم ما هي إلا حيوان متوحش يشتهي لحم البشر مع نهاية كل ليل وبالرغم من ذلك كانوا يمجدون جدتهم السلعوة، بل حريصون على تأدية طقوسها، في المناسبات، ويحكونها لأطفالهم: "وتقول الجدة :أخاف من بقه من بقه تقولها الأم اكسري عنقه" ، اللغة التي استخدمها الكاتب على لسان الشخصيات احترافية وعميقة، مما يجعل لها مصداقية لدى القارئ بل استطاع أن يطوعها طبقا لكل شخصية مدى ثقافتها وتعليمها.
ونجع السلعوة تلك الصورة الرمزية التي قدمها الكاتب ليظهر لنا إلى أي مدى عزفنا عن العقل والأخلاق والقيم وانشغلنا بالرغبات والملذات والتي بدأها الراوي بذلك الغريب الذي عرض عضوه أمام النساء متباهيًا. بينما نجد من يلحقه بالسلف شعبان الذي أشعره الغريب بالعجز أمام نفسه أنه لم يعد رجلًا منذ أن فعلها به ابن عمه وهم يحرسون السد الطيني من الفيضان ذلك الغريب الذي وجد مقطوع العضو وعلى وجه ابتسامة تدل على الراحة، وتلك الرائحة الغريبة المنبعثة منه، التي تهيجهم قبل مماته وبعد وفاته، هكذا، ويحرم أيضا من سعاد ابنة خالته التي خطفها منه محمود القلام، الذي أصيب بداء نفسي مزمن ولم يعرف أحد سببه حتى سعاد زوجته وحبيبته منذ مجيئه من الحرب نفاجأ بالسبب في المشهد الأخير له عند صعوده نخلة جدتهم السلعوة ، اليمنيون يقبضون عليه وهو مشغول بقضاء حاجته ويفعل به قائدهم ما فعل بشعبان الواسع.
وقد اختار الكاتب لنهاية محمود في خريف 1967، صيغة رمزية سواء اختيار فصل الخريف أو سنة النكسة رغم تداخل الأحداث واستخدام الكاتب صيغة الماضي والرجوع الى الخلف كثيرًا، ولهفتك كقارئ في معرفة المستقبل، إلا أنه استطاع أن يلعب بالخيط الرفيع بينهما وهو الحاضر.
استخدم الكاتب السرد على طريقة المدرسة السلوكية المعرفية في علم النفس. الرمز هو سيد الأحداث والمواقف في هذه الرواية حتى العضو لدى الغريب يمثل الرغبة والعجز في الوقت ذاته "عليّ الأحمر ذو الجسم المفتول الذي يهوى سعاد العزباء ونقيضه شعبان كما ذكرنا. والسد الطيني الذي يحميهم من هجوم الفيضان، الفيضان الذي يهجم على سعاد وأمها هانم التي ترفض ترك منزلها لتغرق وبعد بحث مضن وجدوا الجثة في نفس الغرفة التي مات فيها زوجها كما تمنت، لتصاب سعاد بحالة شرود خاصة بعد موت زوجها محمود القلام.
تمر سنوات زالت سعاد تغني إن جيتني يا حبيب.....، تمنت عليّ الأحمر وتمناها كما تمناها شعبان ، وإن كان الأحمر الذي يراقبها والداية خضرة لا نستطيع وصفها شخصية ثانوية، بل هي التي على علم تام بكل ما يحدث في كل منزل.
نجد أن الأحداث والشخصيات سلبية، نتيجة لمرارة الواقع في هذه الرواية، ولكن لا ينفي وجود أكثر من شخصية إيجابية، الشيخ محمد الذي طالبهم أن يرفقوا بالغريب، وقدم له الطعام والشراب عندما لحظه عند سور المدرسة القبلي، ظنه عفريتًا ليتأكد أنه هو فيعود إلى منزله ويحضر له ما يسد رمقه ويروي عطشه، قال الشيخ: "قوم نروح البيت، ظل الرجل على صمته وهو يمد يده يأخذ الإبريق ليشرب ثم صب على يده يغسلها ثم ركن الإبريق بجوار صحن اللبن الفارغ، ويدعوه لدخول المدرسة من برودة الجو عندما سمع بخبر وفاته قال :اشتممت رائحة الموت منه، والمعلم الذي ينتظر ولادة زوجته كان أول من رأى الغريب في حقله" والكلب يتمسح في ذلك الرجل ظنا منه في حاجة للمساعدة ولكن لم يجيب عليه ويتركه ويتجه نحو النجع مباشرة.
ورؤية الكاتب الفلسفية في تزامن ولادة طفلة مع لفظ ذلك الغريب أنفاسه الأخيرة أي الحياة والموت، المفاجأة الكبرى أن الغريب في النهاية ما هو إلا الجد وأن عضوه الذي عرضه إشارة يبحث عنها، لتشتم سعاد رائحته وتعرفه وترسل إليه إشارة وهي البصقة، يجوب كل شوارع النجع يعاتب والده الذي طرده من النجع عند زواجه من السلعوة، ويترك أبناء النجع يشفون غليلهم وعجزهم بضربهم جسده، وظل هكذا إلى أن وصل إليها من البصقة تتبع رائحتها كانت تنتظره، وينعما بعلاقة زوجية تنتهي بأخذ البذرة منه، في ذات الليلة التي نعما أهل النجع بنفس العلاقة، ويجداه مقطوع العضو في أحد فصول المدرسة، لتذهب تلك الرائحة برحيله.
سعاد هي السلعوة الجدة هي النجع والجد هو الغريب والمجذوب والمطرود مفاجأة مكملة للأحداث ومناسبة للواقع خاصة وأن رغم التغيير الذي طرأ على البلدان كافة إلا أن المدرسة والنجع ظلا كسابق عهدهم ظل كما هو نجع السلعوة.