القاهرة 11 سبتمبر 2018 الساعة 09:42 ص
ترجمة (عن الإنجليزية): صلاح صبري
قصة قصيرة من التِّبِتْ
خلف بناية حمراء عالية، كان ثمة طريق مغطًى بأوراق الخريف. ذلك الطريق هو صديقها الوحيد. وقفتْ تحت شجرة ناظرةً إلى السماء. من خلال الأوراق، تتراءى شظايا السماء الزرقاء وأشعة الشمس. الشمس جعلت الدفء يسري في جسدها. وقفت ساكنة، تفكر بهدوء.
تتساءل: "هل بلغتُ نهايتي؟" يسري الألم في أوصالها. تصيح في النهاية عاليًا: "أحب الحياة! لا يمكن أن أفقدها! هل هذا قدري؟"
تنساب الدموع على وجنتيها الشاحبتين لتتساقط على أرض الشارع. الريح تبعثر الأوراق برفق في كل اتجاه. تراقب الأوراقَ منتبهةً لكل ما تفعله. بعض الأوراق تطير بعيدًا مع الريح، بينما أخرياتٌ تقاوم الريح ثابتاتٍ كالصخور.
فجأة، تسقط من الشجرة ورقة صفراء. يضايقها أنها لا تعرف ما اسم تلك الشجرة. تتساءل: "لماذا سقطت تلك الورقة؟ هل أرهقها طول بقائها معلقة على غصنها؟" تضع الورقة في كفها. ثم تقربها من شفتيها وتقبلها.
تصير الورقة مرآة صغيرة. يتراءى في المرآة وجه شاحب، وأنف صغير، وشفتان جافتان، وعينان حمراوان. تتحرك شفتاها في وهن. صوتها خفيض. تخاطب الوجه الشاحب قائلة: "لا أريد أن أموت. بإمكاننا تغيير الأمر... معًا... نحن..." تقبض على المرآة بقوة. وعندما تفتح يدها، لا تجد سوى الورقة الصغيرة.
يشجعها أصدقاؤها وزملاؤها: "الخريف يقترب من نهايته يا ‘لامو LHAMU’.. الثلوج آتية.. الشتاء موسمكِ المفضل! نحن واثقون أنكِ ستصنعين امرأة من الثلج هذا الشتاء.. ستكون امرأة جميلة."
"أنتِ قوية يا ‘لامو’!"
"سنقف إلى جانبك للأبد!"
"لن تستسلم أبدًا.. لن تتخلى أبدًا عن أسرتها ولا عن أختها الوحيدة!"
تفكر: "كلا، لن أستسلم.. أثق في أصدقائي وفي نفسي.. سأصنع مرة أخرى تمثالاً من الثلج لامرأة جميلة.. بإمكانك أن تفعلي ذلك يا ‘لامو’."
قابضة على الورقة الصغيرة بقوة، تجري إلى غرفة سكنها. عندما تصل، تقف ساكنة. هي وحيدة في الغرفة الخاوية. تأخذ نفسًا عميقًا لتسترخي. تضع الورقة على سريرها. الغرفة مُسِحت عما قليل، ولا تزال مبتلة. تجلس على الأرضية غير عابئة بآثار المياه. تفتش في حقيبتها المدرسية الزرقاء البالية عن قلم حبر أخضر. عندما تجده، تمسكه بقوة. ثم تأخذ الورقة الصفراء الصغيرة وتلونها بالأخضر. عندما تنتهي من تلوين الورقة، تتأوه: "لم أعد طفلة غريرة.. من السخف أن أخدع نفسي بهذه الحماقة.. سأموت قريبًا جدًّا.. ربما الليلة.. وربما بعد أشهر قليلة.. لن أصنع تمثالاً آخر من الثلج.. لن أفتح محلاًّ في القرية لأختي كما وعدتها.. يجب أن أتوقف عن الحلم.. ولكن سرطان الدم؟ إنهم لم يعرفوا بعد.. ماذا عساي أن أفعل؟"
تنهي درولما ‘DROLMA’ يومًا من العمل الشاق في المزرعة. تغمض عينيها نصف إغماضة في ضوء الشمس الساطع. عقلها مشتعل بالفضول. عندما تفتح عينيها، تجد الشمس قد غابت. تثبِّت قبعتها الزرقاء البالية بإحكام فوق رأسها. ثم تجلس القرفصاء على الأرض الموحلة إلى جوار كومة كبيرة من الحشائش. تجلس برهة لتفكر. ثم تقف وهي تحمل كومة كبيرة من الحشائش فوق ظهرها. تبدأ المشي ببطء نحو البيت. الكومة ثقيلة جدًّا، ولا يزال أمامها مسافة طويلة حتى البيت. تفكر وعلى وجهها تلوح ابتسامة طفولية: "آخر سنة لابنتي في الجامعة."
تسمع صيحات آتية من بعيد: "خالة درولما.. لامو على الهاتف." تسرع درولما بقدر استطاعتها. تتأرجح كومة الحشائش على ظهرها.
يحلق فوق رأسها سرب من الغربان السوداء. تنعق الغربان في صخب. تشعر درولما بانزعاج عندما تسمع نعيقها.
في الثامنة من صباح ذلك اليوم، تصل إلى الجامعة سيارة إسعاف بيضاء. صافرة الإسعاف العالية تبدد هدوء الجامعة. سرعان ما ترحل سيارة الإسعاف. تنطلق مسرعة في الشوارع، ولكن لامو تكون قد استسلمت لقدرها.