القاهرة 05 سبتمبر 2018 الساعة 11:35 ص
تغطية: محمد زين العابدين
إرادة لا تلين، وحرص على الاستفادة من الأساتذة، وطموح تجاوز صعوبة الظروف وقلة الإمكانيات، بهذه الأسلحة الفعالة تجاوز هذا الفنان
الشاب الحالم ظروفه واستطاع التحليق بأحلامه بعيداً، وبعد أن كان لا يستطيع توفير ثمن تذكرة السفر للقاهرة لحضور عرض مسرحي، استطاع أن يقطع تذكرة إلى عالم النجاح من بلده ببا بمحافظة بني سويف في صعيد مصر، إلى عاصمة النور والفن والأدب باريس، لينهل من تيارات الفن العالمي المعاصر متسلحاً بثقافة رفيعة اكتسبها من أساتذته بمصر وعشق كبير لعالم المسرح .. إنه الشاعر والمخرج المبدع محمد زناتي، الذي استطاع أن يصنع لنفسه اسماً لامعاً في المسرح الفرنسي والأوروبي.
حصل محمد زناتي على ليسانس الآداب من قسم اللغة العربية في عام 1994، ودرس النقد الأدبي, ثم حصل على دبلوم المعهد العالي للنقد الفني بأكاديمية الفنون, حصل على جائزة الشعر الأولى في المسابقة المركزية لوزارة الثقافة, سافر بعدها إلى فرنسا وحصل على دراسات في المسرح, شارك فى مهرجان سان مالو بشمال فرنسا بمسرحية (لعبة الحرب), قام بتأليف وإخراج مسرحية (نفس) التي شارك بها في مهرجان المسرح التجريبي بالقاهرة عام 2007/2008, خاض تجربة مسرحية بألمانيا بعنوان (أوبرا 3 بنسات) من إخراج هناء عبد الفتاح، وبطوله نيفين علوبة, شارك بمسرح الدولة في العروض التالية: (هبط الملاك فى بابل) بطولة محمد شومان وأشرف طلبة- (ظروفنا) بطولة أحمد ماهر وغادة إبراهيم- (حار جاف صيفاً) بمسرح السلام, قام بعمل ورش مسرحية مع طلبة الجامعة الأمريكية, أسس فرقة موسيقية بفرنسا تمزج بين النغم الشرقى والغربي، كما أسس فرقة مسرحية بمدينة بايون بجنوب فرنسا, شارك بالتأليف في العرض المسرحي "في محطة مصر" بمسرح العرائس, شارك في المهرجان القومي للمسرح بالعرض المسرحي "روح" بمسرح الطليعة, حصل على جائزة أحسن عرض مسرحي من مهرجان سان مالو بفرنسا, ترجم كتاب "ما العلمانية" الصادر عن المركز القومي للترجمة.
حول التجربة الثرية لمحمد زناتي كنموذج لمبدع مصري شاب نجح في تحقيق العالمية، نظم محكى الأديب والناقد السويفي خالد الصاوي ندوة تكريمية لمحمد زناتي في بلده بني سويف بحضور أصدقائه ورفقاء جيله من مبدعي بني سويف، وذلك بقاعة عباس صفى الدين بنادي بني سويف الرياضي، والذي يرأسه شاب رياضي مثقفه و الأستاذ علي سليم, أدارت الندوة الشاعرة غادة شحاتة، وشارك بالحديث فيها الشاعر والناقد الكبير د.أشرف عطية هاشم، والشاعر الكبير محمود الحلواني، وبعض أدباء ومبدعي بني سويف منهم الشاعر وليد ثابت والشاعر أسامة بدر والأديب إبراهيم على عبده, وفيما يلي تغطية لأهم ما دار فيها:
*أساس متين بمصر:
تحدث محمد زناتي فأكد أنه أتيحت له قبل سفره لفرنسا فرصة كبرى لأن ينهل من فيض ثقافة أكاديمية أدبية وفنية رصينة؛ ليس فقط من خلال أكاديمية الفنون، ولكن أيضاً من خلال كلية آداب بني سويف التي حصل من خلالها على الليسانس في اللغة العربية وآدابها، وأضاف: لقد تتلمذت على يد قامات علمية وثقافية كبيرة مثل الدكتور نصر حامد أبوزيد، والدكتور محمد بريري، والدكتور حسن حنفي، والدكتورسيد حنفي؛ فهؤلاء الأساتذة كان لهم دور كبير جداً في تفتيح ذهني على العالم، وعلى كل الدراسات النقدية التي كانت حاضرة في وعيي عندما سافرت، مما سهل على الكثير في التجاوب مع ما تلقيته من أفكار ونظريات في فرنسا؛ فلم أكن كالقادم من كوكب آخر، وذلك على الرغم من الصورة الذهنية التي كانت في البداية عند الفرنسيين عندما كنت أقدم لهم عرضاً مسرحياً أو أدخل معهم في مشروع تعاون؛ لدرجة أن الكثير منهم -خصوصاً القاطنين في قرى الجنوب الفرنسي والإسباني والإيطالي- كان يسألني عن لغتي الأصلية هل هى الهيروغليفية، وهل ما زال الطلبة في مصر يذهبون لمدارسهم على ظهور الجمال؟!..لكنني ذهبت لهم وعندي أساس متين تشكل بفضل أساتذتي العظام الذين سأظل مديناً لهم طوال عمري، وقد أتيحت لي أيضا فرصة عظيمة أيضاً قبل سفري للتلمذة والعمل في أكاديمية الفنون على يد أساتذة عظماء مثل الراحلة الكبيرة د.نهاد صليحة، والأستاذ صلاح قنصوة؛ وكان لهما فضل كبير جداً في تشكيل فكري خلال فترة دراستي بالأكاديمية، وكان لي شرف تقديم تجربة مسرحية شارك فيها ممثلون من خمس جنسيات، وشاهدها الدكتور أحمد عبد المنعم بمسرح الطليعة عندما جئت مع العرض من فرنسا للمشاركة به في أحد المهرجانات المسرحية بمصر، وكان الهدف من العرض التأكيد على فكرة الأخوة بين البشر، وكانت هذه الفكرة بمثابة الأرضية الواحدة التي تعاملت بها مع الجنسيات الخمس المشاركة بالعرض، وكان الهدف من العرض إنسانياً أصلاً، لذا لم يكن هناك بيننا أى مشكلات في التواصل أو العلاقة مع الآخر.
*حرص على تأكيد الهوية:
أضاف زناتي بأنه كان لديه حرص منذ البداية على التأكيد على هويته العربية المصرية، وضرب أمثلة ببعض العروض المسرحية التي قدمها في الشارع بفرنسا، والتي يتمنى أن يتاح له تقديم عروض مماثلة لها بمصر؛ حيث كان يقدم العرض بغابة مفتوحة على الهواء الطلق -مثلاً- وهنا لفت د.أشرف عطية هاشم نظره إلى وجود بعض التجارب بمصر مشابهة لذلك مثل مسرح الجرن؛ فوافقه زناتي الرأى وأشار إلى أنه عمل سابقاً مع مؤسسي مسرح الجرن بمصر، وإن كانت تجارب قليلة عابرة؛ ففي بعض العروض التي قدمها بفرنسا استخدم زناتي خلفيات موسيقية وغنائية شرقية، من بينها توظيفه للنشيد الوطني المصري، وقام أيضاً بتعليم ممثل فرنسي العزف على العود بأحد العروض، وبرغم ترحيبهم بتقديمي لهذه الأفكار فإنني سخرت في أحد عروضي من نشيدهم الوطني الفرنسي، حيث شعرت أنه برغم الشعارات البراقة عن الإخاء والمساواة إلا أن الواقع مختلف ولا يخلو من العنصرية، لكنني هنا يجب أن أشيد في الوقت نفسه بروح الحرية الفكرية والفنية وتقبل النقد السائدة عندهم حيث تقبلوا سخريتي بدون أى مشاكل، وفي عرض آخر قدمت مشهداً يتبول فيه الممثل في بداية العرض بشكل إيمائي على الجمهور وقدمت إشارات إلى مشاركة الأوروبيين في المسئولية عن كل ما حل ويحل بالدول العربية والعالم الثالث من مشكلات وتخلف وإرهاب، فهم ساهموا في إيواء الإرهابيين ودعمهم على الرغم من وجود فرص حقيقية للتعايش بيننا وبينهم.
*ساحة مفتوحة تكفي لإبداع مسرحي خلاق:
استكمل زناتي شرحه لنوعية التجارب المسرحية التي كان يقدمها هناك فأشار إلى أنها تنتمي للمسرح الفقير في الإمكانيات ولكن الغني بالخيال والإبداع في الفراغ, فكل ما كان يحتاج له هو فراغ يقدم فيه عرضه يحتشد بالجمهور، ولم يكن يعتمد سوى على الممثلين المشاركين معه وديكور مسرحي بسيط يتشكل من الكرتون وأوراق الصحف بما تمثله من دلالات عن الميديا، ولذا لم يكن يتأخر عن المشاركة في أى عرض يدعى له هناك بأى مكان، وفي هذا الصدد استهجن تذرع بعض الكسالى من الفنانين بعدم توفر الإمكانيات لهم لتقديم عروض مسرحية إذ أن الفنان المسرحي الحقيقي يستطيع الإبداع بأقل الإمكانيات.
*ذكرياتٌ مع الشعر وإصرار على تحقيق الحلم:
وعن ذكرياته مع الشعر تحدث زناتي عن إحدى ذكرياته الطريفة عندما تقدم بديوانه لمشروع النشر الإقليمي بقصر ثقافة بني سويف وتم رفضه من قبل لجنة إجازة الأعمال الأدبية، وبدون أن يعرف أخذ أحد أصدقائه المؤمنين بموهبته والمتعاطفين معه ديوانه وقدمه للمسابقة المركزية للنشر بهيئة قصور الثقافة, فإذا بالديوان يحصل على المركز الأول ويتم نشره, ثم تتم ترجمة بعض قصائده إلى لغات أخرى! وأكد زناتي أنه مدين لبلده ومسقط رأسه بني سويف وخاصة مركز ببا الذي نشأ به وأنه يعتز بأهله وأصدقائه فمن ليس له ماضي ليس له حاضر، وأنه مستعد لتلبية أى دعوة تأتيه من بلده.
في الختام أكد زناتي سعادته بتعليقات الحاضرين للندوة والباعثة على بث طاقة إيجابية والتشبث بالأمل بأننا نستطيع إثبات ذواتنا وتحقيق أحلامنا في أى مكان إذا توافرت لنا الإرادة والأدوات اللازمة لتحقيق ذلك، وذلك على الرغم من كم التعقيدات التي تواجهنا والتي تكون في كثير من الأحيان أكبر من تحملنا، ومن الممكن أن تحبطنا ولكن لا يجب أن نسقط في فخ الإحباط، ولولا تسلحه بهذه الإرادة واستفادته من أساتذته في بلده لما تغلب على ظروفه الصعبة التي كانت تجعله لا يستطيع توفير ثمن تذكرة السفر للقاهرة لحضور عرض مسرحي إلى مخرج مسرحي مشهور، ولما تمكن منقطع المسافة من ببا إلى باريس!