القاهرة 04 سبتمبر 2018 الساعة 09:50 ص
جيلان صلاح الدين
خرجت علينا مؤخراً سلسلة من الصور المثيرة لإحدى الفنانات والتي صدرت نفسها طوال تاريخها التمثيلي على أنها فنانة رقيقة تؤدي الأدوار الرقيقة المنسية. لا يذكر أحد دور قدمته باستثناء دورها في مسلسل "سابع جار" ربما لأنه مسلسل أثار الجدل لمحتواه الجريء ومحاولته نقد المجتمع المصري ما بعد الثورة مسلطاً الضوء تحديداً على الطبقة المتوسطة العُليا، إحدى الفئات شبه المندثرة في المجتمع. وجد دورها صدى لدى كثير من فتيات الطبقة المتوسطة العُليا اللاتي يعشن حياة شبيهة لها، لكنه كالعادة مر مرور الكرام، ولم نجد أنفسنا أمام ممثلة يمكنها أن تتلوَّن وتتشكَّل كما ينبغي لممثلة أن تكون.
ما هي الممثلة؟
في العصر الذهبي للسينما كانت الممثلة هي سعاد حسني وهند رستم وشادية وماجدة وسميرة أحمد وكلهن قدمن الإغراء بتفاوت من القبلة وحتى المشاهد الساخنة اللازمة لاكتمال أي عمل فني أو درامي بغض النظر عن موجة الهراء المجتمعي والتي تعزز التمثيل من وراء حجاب، ضاربين بالجماليات وأبسط قواعد الضرورية الدرامية عرض الحائط.
وفي الجيل الأحدث، ظهرت الممثلات أمثال نادية الجندي ونبيلة عبيد ومن بعدهن يسرا وإلهام شاهين وليلى علوي بنفس المبدأ، يسرن على نفس النهج وبنفس العقلية، حتى أتت ممثلات جيل السينما النظيفة منى زكي وياسمين عبد العزيز وغادة عادل وغيرهن ليرفعن شعار سينما اللامرأة، لم تعد هناك من تقبل الظهور على الشاشة بمايوه أو في قبلة تختم بها الفيلم مع البطل، أصبحت الممثلات قوالب "للكيوتنس" والرقة أو الشر المستعر من "بعيد لبعيد" وأصبح وجودهن في معظم الأحيان استكمال لدور البطل الذكر، وعندما حاولن التمرد، انقلب السحر على الساحر؛ حصرت ياسمين عبد العزيز نفسها في الكوميديا، ولاقت منى زكي هجوماً عنيفاً بعد ظهورها في فيلم "احكي يا شهرزاد" لتعود بعده متخبطة ما بين رغبتها في الانغماس كلياً في الفن –مسلسلي آسيا وأفراح القبة– والرغبة في إرضاء جمهورها العائلي –فيلم "من تلاتين سنة"– والرضوخ للتبعية للبطل الذكر والذي بيده يتحرك شباك التذاكر.
والآن، خرج جيل من الممثلات في حالة تخبُّط من المجتمع اللاتي يعشن فيه؛ تجدهن ينشرن صورهن على الشواطئ مرتديات المايوه وهن في قمة الإثارة والجمال، ثم يحجمن عن إبراز هذه الإثارة على شاشة السينما أو –على أضعف الإيمان– التلفزيون. إذا كان هذا مقبولاً في الحقيقة فلماذا لا يكون مقبولاً في مهنتكن؛ وهي ليست المحاماة أو الطب بالمناسبة، بل هي الفن! تلاقي إحدى الفنانات انتقاداً على دور قدمته في إحدى المسلسلات أو الأفلام فتجدها تتراجع وتعتذر عن دور في فيلم أو مسلسل مشابه. أصبحت الممثلات تائهات ما بين دور "القدوة" اللاتي تضطلعن به والرغبة في التمثيل للتمثيل ليتركن وراءهن تاريخ من الأدوار والأعمال الخالدة أسوة بالرائدات نبيلة عبيد ونادية لطفي وميرفت أمين ونجلاء فتحي ويسرا وغيرهن. المتابع للمقابلات واللقاءات قد يصيبه الذهول من تصريحات الفنانات؛ ريم مصطفى إحدى الفنانات اللاتي عُرفن بجمالهن في الفترة الأخيرة تعترف بأنها تلبس المايوه في حياتها العادية ولا ترتديه على الشاشة وتعتذر عن مشهد عابر في مسلسل "الأسطورة" ظهرت فيه مرتدية الهوت شورت، بينما سارة سلامة الفنانة التي اشتهرت لملابسها المثيرة في مسلسل "ابن حلال" لم تخرج من عباءة الهوت شورت وأخذت تظهر في فوتوشوت وراء الآخر دون تقديم رصيد يُذكر من الأعمال الفنية. ياسمين صبري الفنانة التي انقسم الجمهور والنقاد بشأنها والتي أظهرت دلالاً واضحاً في أول دور قدمته في مسلسل "طريقي" تخبطت وتراجعت للوراء وبدا الآن عدم استقرارها على الصورة التي تريد تقديمها لجمهورها الحائر ما بين ياسمين المغوية المثيرة على انستاجرام وياسمين العادية التي لا تترك أثراً يُذكر على الشاشة، وقد ينساها الجمهور بعد انتهاء الفيلم أو المسلسل، لكنهم حتماً سيتذكرون كل صورة وكل بوست نشرته على صفحتها بانستجرام أو فيسبوك.
في مقابلة مع الإعلامية بسمة وهبى، أطلق المنتج جمال العدل تصريحات صادمة وإن كانت حقيقية ومحددة؛ اتهم فيها جيل منى زكي ومنة شلبي بقلة رصيدهن الفني. أكد العدل على أن معظم ممثلات هذا الجيل واللاتي بدأن مع مطلع الألفينات واستمررن حتى الآن تركن رصيداً فنياً هزيلاً لا يتناسب وحجم مواهبهن التي أشاد بها في المقابل.
وقعت معظم هاته الفنانات في التيه الأعظم؛ السينما النظيفة أم الانتصار للفن الحر من جميع القيود؟ البطولة المطلقة والاسم البارز على الأفيش أم الدور كمعيار أهم للحكم على اختيار وثقل الممثل؟ السينما أم التلفزيون؟ قليلات هن من استطعن الانتصار لوسيط مرئي بعينه أو لمنهجية فنية بعينها.
هل الفنانات خائفات؟
إذاً لماذا تظهرن على الشاشة؟ لماذا تلهثن وراء لقب فنانة ونجمة؟ من هي النجمة؟ هي التي استطاعت تقديم دور المحامية بنفس الجدارة التي أدت بها دور فتاة الليل. هي المرأة التي بدا عليها أنها عاشقة في جميع مشاهدها مع حبيبها في الفيلم، لا تلك التي تمثل وهي تترك مساحة بينها وبين الممثل الذي أمامها لئلا تثير حفيظة المشاهدين. شاهد الجميع فيما مضى الفنانة إلهام شاهين تدافع وبضرواة عن مشاهدها في فيلم "سوق المتعة" وتبرر الضرورة الدرامية لتلك المشاهد والتي كانت فيها تقوم بدور فتاة ليل، فكيف ستظهر فتاة الليل دون إثارة، كما بررت ارتداءها لقميص النوم بأن جميع النجمات السابقات مثل شادية ونبيلة عبيد ارتدين قمصان نوم. لم نجدها تتنصل من دورها أو تعتذر للجمهور بل تحدثت بطلاقة عن كونها ممثلة تؤدي مشهداً يحاكي الطبيعة لرجل وامرأة سوياً في غرفة النوم، فكيف تؤديه دون أن تفعل ما يستلزمه الدور من معطيات أمثال الملابس والألفاظ والإيماءات والأفعال. سخرت المخرجة إيناس الدغيدي من المنطق المزدوج الذي تظهر به ممثلة رفضت وبشدة مشاهد مثيرة في فيلم "مذكرات مراهقة" بينما هي ممثلة إغراء لم تشتهر سوى لأداء دور المرأة المثيرة المغوية. ما الذي تريده الفنانات من الفن؟
هل الشهرة والنجومية فقط دون حتى أن يتحملن تبعات هذه الشهرة؟ هل الشهرة بلا أثر يُذكر؟ كل الشواهد الآن تدل على أن حكم التاريخ على جيل منى زكي وغادة عادل وياسمين عبد العزيز سيكون قاسياً للغاية؛ تحاول منة شلبي بالذات الآن تعويض ما فاتها سواء عن طريق سوء اختيار الأدوار أو تذبذبها في هذه الاختيارات. يجب أن نفتح لنجوم هذا الجيل الذكور ملف فنقارن ما بين جيل أحمد السقا وأمير كرارة وكريم عبد العزيز وجيل محمود عبد العزيز ونور الشريف وفاروق الفيشاوي.
المصيبة أن رفض الفنانات المصريات الظهور على الشاشة كممثلات محترفات يقمن بكل الأدوار التي تتطلبها مهنتهن فتح الباب أمام ممثلات من جنسيات أخرى أتين بتحررهن الفكري والجسدي فقط ليفاجئن بنفس المحاذير التي قضت على مشوار نظيراتهن المصريات ويخضعن لها؛ نيكول سابا وهند صبري ونور كلهن تراجعن عن بداياتهن الفنية وأصبحن رويداً رويداً يتجهن للفن الآمن المسالم الغالب عليه الطابع الذكوري في الفكر. هذه الرِدة الفنية سمحت للمشاهدين الذكور بزيادة جرعة الهجوم على الفنانات فأصبحت الفساتين السواريه عورة؛ والمايوه مصيبة كبيرة والقبلة فتنة حتى وجدنا ممثلات تبدأ في الحديث عن الملابس المبتذلة! وأصبحت هناك موضة التمثيل بالحجاب أو ارتداء الباروكة على الحجاب.
التاريخ الذي حكم؛ ففي الوقت الذي يتذكر الجميع فيه أفلام مثل "سوق المتعة" و"دانتيلا" و"لحم رخيص" و"امرأة آيلة للسقوط" و"الراقصة والسياسي" و"المرأة والساطور" و"تفاحة" و"يا دنيا يا غرامي" و" ودستة أفلام نادية الجندي، نسي الجميع "أسوار القمر" و"خالتي فرنسا" و"عيال حبيبة" ودستة أفلام ياسمين عبد العزيز.
نحن الآن ومع تفجُّر أزمات صور النجمات بالمايوه واعتذارهن عن نشر صورهن الشخصية مع تصديرهن لصورة الفنانة الكيوت أمام مأساة فنية تحاول التمسُّح في الفضيلة مع التمسُّك ببريق النجومية والشهرة وحب الجماهير. أصبحت الفنانات تبحثن عن الفولورز على انستجرام وألتراس الفيسبوك وتويتر دون البحث عن القيمة الفنية والتمثيلية لما تقدمنه من أدوار. نادراً ما تجد هذه الفنانة الدؤوبة التي تعمل على تطوير آلياتها وخوض مناطق تمثيلية مركبة وغريبة ومخيفة بالنسبة للجماهير وبالنسبة لها. هناك استثناءات؛ ناهد السباعي وياسمين رئيس على سبيل المثال. لكنهما وغيرهما مجرد استثناء لا قاعدة، بينما في وقت ما؛ كانت الفنانات المصريات تتصدر أفيشات الأفلام وتقمن بكل الأدوار التي تُطلب منهن، والتاريخ يشهد؛ لا يمكنك إغفال أن ما فعلته ليلى علوي في "المصير" يختلف كل الاختلاف عما فعلته في "الهجامة" أو "آي آي" بينما يسرا في "كلام الليل" بعيدة كل البعد عن يسرا في "المهاجر".
وللحديث عن نجوم المرحلة الذكور مقال آخر.