القاهرة 29 اغسطس 2018 الساعة 05:41 م
بقلم / د . يسري عبد الغني
(1)
[ ولكن أين العرب ؟ !! سألت شيرين ، قال وليام : العرب ... العرب خارج التاريخ.. العرب أموات .. التاريخ يكتبه الأحياء فقط ..!! ]
عندما تعبر الرواية عن العصر الذي كتبت فيه أو ما يطرأ عليه من مستجدات يمكن لنا القول بأن هذه الرواية تنجح في كونها فنًا روائيًا إبداعيًا حقيقيًا ، واعتقد أن الرواية التي معنا وهي (عاصفة على الشرق) للكاتب السعودي الدكتور / نبيل المحيش تذهب في هذا الاتجاه ، والمؤلف حاصل على الدكتوراه في الأدب الحديث ويعمل أستاذًا جامعيًا ، وصدرت له مجموعة قصصية وعدد من الكتب النقدية والثقافية ، وهذه الرواية التي نتناولها .
عندما بدأت في قراءة هذه الرواية تذكرت على الفور كتاب الدبلوماسي الفرنسي المتقاعد / ميشيل رامبو (عاصفة على الشرق الأوسط) ، الصادر 2015، وكذلك كتاب الأديب / أمين معلوف (الحروب الصليبية كما يراها العرب) ، والتي يخاطب فيه الدين قائلاً : أيها الدين ، كم من الجرائم أرتكبت باسمك ، ثم يخاطب التاريخ قائلاً : أيها التاريخ ، كم أعطيتنا من دروس !! ، مؤكدًا على أن التاريخ يفتح آفاقًا من الأسئلة والشك والبحث ، تلزمنا التأمل في بداية التاريخ البشري ، وبالطبع تذكرت كتاب (الإفادة والاعتبار) للشاعر الفارس / أسامه بن منقذ وهو من أوائل الكتب في تراثنا التي شملت سيرة ذاتية للشاعر متحدثًا من خلالها عن الحروب الصليبية التي عاصر معظمها ، كل ذلك تأملته و أدركت أن العمل الذي معنا امتداد طبيعي في التراث الإنساني لمسألة الحروب والصراعات والتعبير عنها ، ولكن بمنظور معاصر يعكس ما نحن فيه .
(2)
نحن أمام رواية تعلن بجلاء مثاقفة الهوية أو الخصوصية الثقافية ، أو فلنقل رواية العولمة ، عابرين بذلك نوعية الرواية السياسية التي تحدث عنها بزخم نقدي كل من : جوزيف بلونتر ، وإيرفنج هاو ، وقد يرى البعض أن هذه الرواية يمكن أن تنحى المنحى التاريخي ، أو أنها رواية تاريخية ، نعم الرواية تاريخ غير رسمي ، وشتان ما بين الرواية والتاريخ ، أو بين عمل الأديب والمؤرخ ، الأديب يتعامل مع الحقائق من منظور أدبي ، أو فني ، ويغير في أشياء كما يحلو له بشرط ألا تكون غير أساسية ، أما المؤرخ فيتعامل مع الأحداث التاريخية راصدًا إياها في حيدة وموضوعية ، وعليه فمهما قيل نحن أمام عمل أدبي .
نعود ، ونقول : إن رواية (عاصفة على الشرق ) التي أرى أنها قد استوفت عناصرها الروائية .. الحوادث أو المواقف ، الشخوص ، العقدة والحل ، السرد والحوار والوصف ، الزمان والمكان ، الفكر والمغزى ، اللغة السهلة البسيطة المعبرة .
أحداث الرواية تدور في منطقة الشرق الأوسط ، بكل ما تعج به من أحداث وصراعات مريرة ، حيث تبدأ بإعلان إيران نجاحها في تفجير قنبلة نووية ، وإعلانها كدولة تمتلك السلاح النووي ، وكالعادة تسارع الولايات المتحدة الأمريكية بإرسال عملائها إلى الأراضي الإيرانية برئاسة رائد من وكالة الاستخبارات الأمريكية ، يدعى / وليام كنيدي ، ويقومون بإطلاق صواريخ إيرانية الصنع على سفن البحرية الأمريكية في البحرين ، مما يتسبب في مقتل مئات الجنود الأمريكيين .
إيران تنفي قيامها بهذا العمل وتتهم عملاء أمريكا بتنفيذها لتوريط إيران ، وتتواصل أحداث الرواية التي تكشف عن رؤية الحروب العبثية الدائرة في المنطقة العربية التي تستغل فيها أمريكا الأحقاد التاريخية وتغزيها لدى الأجيال المعاصرة ، وتساعد في إشعال الحروب الطائفية والأثنية لعشرات السنين .
والرواية التي تدور أحداثها وشخصياتها ما بين : إيران ، أمريكا ، البحرين ، السعودية ، العراق ، سوريا ، لبنان ، مصر ، تركيا ، إيطاليا ، قبرص ... ولعل تعددية المكان يجعلنا نذهب إلى أن هذا العمل يمكن وصفه بأدب الرحلات ، أو رواية تنتمي إلى أدب الرحلات ، ويبدو أن
(3)
المؤلف بالفعل رحالة زار هذه البلاد وعرفها جيدًا ، ولعل أجزاء الرواية التي تتخذ من الأماكن عناوين لها أكبر دليل على ذلك .
ونشير إلى إهداء الرواية التي يهديها كاتبنا بوعي وإدراك عميق لواقعنا المعاش : إلى المخدوعين بأوهام الغرب في دعوته إلى السلام ، إن هذه الحروب في منطقة الشرق الأوسط لن تتوقف حتى تحصد الملاين من الضحايا من كل المذاهب والطوائف سنة وشيعة ، عربًا وأكرادًا ، وحتى يتم تدمير مدن الشرق ، وحتى يذهب آخر دولار من أموال الخليج وإيران إلى مصانع الأسلحة في أمريكا وروسيا والدول الغربية .
الرواية دعوة إلى التسامح ، ونبذ التعصب ، وتعزيز القيم الإنسانية على اعتبار ذلك هو الطريق الوحيد إلى الأمن والسلام الذي نحلم به جميعًا .
نجح الكاتب في أن يبني شخصياته الأساسية أو المحورية (وليام كنيدي ) ، ومساعدته (شيرين بهلوي) الأمريكية من أصل إيراني ، والتي استدعاها بعد أن تم اختيارها لهذه المهمة ، أي التسلل إلى الأراضي الإيرانية ، لمعرفتها بالأراضي الإيرانية ، واللغة الفارسية ، ولها صلة قرابة بأسرة شاه إيران السابق ، ولها صداقات كثيرة في إيران .
وبنفس القدر نجح في بناء شخصياته الثانوية : زهراء ، علي ، حسين الذي مات تحت التعذيب ، خالد ، محمد إلى آخره ... ، ونشير هنا إلى ما ذكرناه من قبل بشأن المثاقفة التي تعكس ثقافة الكاتب : تاريخ البحرين ، بيكاسو ، تاريخ أسرة شاه إيران ، برنارد شو ، الأمثال والحكم والشعر والأدب ، أنديرا غاندي ، فيروز ، شعر بدر شاكر الثياب وأنشودته (أنشودة المطر ص 37) ، وآثار مصر متمثلة في الأهرامات وتوت عنخ آمون ... إلخ ..
وكذلك السائق العراقي المثقف (ص 68 ) ، الحروب والأسباب الاجتماعية التي أدت إلى الانحرافات الخلقية في العراق (ص 71) ، والمرشدة الكردية (روتاك) ، ووعيها بقضايا المرأة في كردستان ، ووجهتا النظر المختلفة في النظام السوري بين مها الممرضة وإيمان الصحفية ، ومسألة العلاج بالقراءة .
(4)
وشيرين كان جميلاً أن يجعلها الكاتب تشعر بتأنيب الضمير لمقتل الجنود الأبرياء الذين ماتوا بنيران صديقة ، وبالطبع السيد وليام لا يهمه ذلك الأمر فالعواطف لا تعرف طريقها إلى قلب من يقوم بمثل هذه الجرائم (ص 38) .
دون شك نحن أمام كاتب يمتلك أدواته الفنية ، ويحاول أن يكتب عملاً روائيًا معبرًا عن العصر الذي نعيش فيه ، وفي الوقت الذي يدق لنا أجراس الإنذار لما نحن فيه من أخطار حقيقية ، يعكس لنا أسباب ما نحن فيه ، فلعلنا نعي ذلك ونفهمه حتى لا نكون خارج التاريخ ، أو في عداد الأموات ، حيث أن التاريخ يكتبه الأحياء فقط .