القاهرة 14 اغسطس 2018 الساعة 11:09 ص
صلاح صيام
الشاعر المصرى نادر ناشد: القصيدة سقطت تحت أقدام القياصرة.. وعالمنا العربى طردها من ذاكرته
الشاعر اللبنانى محمد على شمس الدين: الشعرلم يعد ديوان العرب .. والبحث عن مبدع قضية شديدة التعقيد
يظل الإبداع فى حالة توهج حقيقى مادام هناك مناخا يفرز مبدعين فى المجالات المختلفة خاصة التى تتعلق بالوجدان والشعور ومنها الشعر, ومع تغير المناخ , وتحول المتلقى -الذى لديه القدرة دائما- على الانتقاء والاختيار بشكل جيد عن الشعر العربى , نشأت الأزمة التى تتفاقم بصورة كبيرة, وأصبح الفن الرائع يشتكى لأصحاب القوافى بعد أن كان ديوان العرب لسنوات بعيدة مضت.
ولكن تبقى حقيقة مؤكدة وهى أن الشعراء لا يموتون, والشعر قد يمرض أو يترنح , ولكن سرعان ما يعود إلى الساحة الثقافية فارسا عملاقا, فقط يحتاج إلى جهود محبيه والمؤمنون به, فماذا يقول أصحاب القوافى.
الشاعر اللبنانى الكبير محمد على شمس الدين يرى أن زمن الشعر لم ينته , لكنه لم يعد ديوان العرب وفلسفتهم الوحيدة الخالدة على ما قال الجاحظ نقلا عن عمر بن الخطاب, بل دخلت فنون ومعارف أخرى على الثقافة العربية التي كانت شعرية بامتياز كالمسرح والرواية والعمارة والرسم وسائر الفنون, ويرى كذلك أن العرب لم يودعوا الشعراء, ولكن حدثت تحولات فكرية وسياسية واقتصادية في الحياة العربية أثرت على التفرد التاريخي للشاعر بساحة الإبداع, فضلا عن التطور التكنولوجي والحياة الرقمية الجديدة, ما جعل الشعر الذي هو طائر الخيال في موقع ملتبس, وهي مسألة تخص أشعار العالم الحديث وليس العرب وحدهم.
ويرجع "شمس الدين" انخفاض مبيعات الشعر إلى ما لحقه من التباس قيمته ومعناه وموقعه من الحياة الجديدة, ولعله صار محجة خاصة لمن يشعر بقلق روحي وضجر وشغف بهذا الكائن الجميل المهدد, وصار الشعر ملاذا خاصا ولم يعد مسرحا أو حديقة عامة.
ويؤكد "شمس الدين" وجود شعراء جادين, وإن كانوا قلة سواء بالعربية أو سائر اللغات ولعل نواة من شعراء جدد تتكون حاليا.
وحول إحياء فنون الشعر يقول الشاعر الكبير: لعل هناك بعض الورش التجريبية لتكوين روائي أو فن روائي, ويمكن إنشاء ورش تجريبية لتعلي بعض أصول القصيدة, وهي مسألة تجريبية اختبارية, لكن الأهم هو دخول مادة الشعر كمادة تربوية في المدارس بمختلف المراحل, من الحضانة حتى الجامعة, أما وجود الشاعر المبدع الكبير النابغ فمسالة معقدة.
والحقيقة أن الشعر -عاميا- يئن ويصبح أكثر ندرة وصعوبة من خلال منافسات تقنية للصورة والصوت والانترنت, وقد أثرت هذه التقنيات على المسرح والسينما في العالم, ونجت الرواية نسبيا كونها فن السرد الكبير.
وعربيا يحاول الشعر اللجوء إلى التعبير عن أحواله من خلال بروق شعرية مختزلة, لكن يتخللها في وسائل التواصل الاجتماعى هذر كثير وخفة, ومع اضمحلال الصحافة الورقية تغيرت أمور كثيرة ولحق الشعراء ذهول صعب, إنهم يبحثون عن أجنحة جديدة للطيران, إنهم يبحثون عن مكان للقصيدة بعد بحثهم عن زمان لها.
ويتفق معه الشاعر المصرى نادر ناشد فى أن الشعر لم يعد ديوان العرب , ويضيف: سقطت القصيدة تحت أقدام القياصرة ، كما أرادوا وكما خططوا.. ولعلى لا أبالغ إذا قلت أنها مؤامرة كبرى؛ لأن القصيدة هى ضمير الشعوب وخريطة يرسمها نبض الأمة, أو كما كان يقول الشاعر المناضل بابلو نيرودا " القصيدة لم تعد مجرد رسالة أو صورة أو موقف بل هى نضال الشعوب ولهذا لن تموت"
وأظن أنها لم تمت وربما لن تموت فى دول التحضر أو الدول التى رسمت لنفسها أن تكون حضارات ترسم إلى جانب شقيقاتها ، مستقبلا ومنارات ، وفى إطار هذه الصورة الكئيبة لا يبدو أن هناك أملا فى تغيير جدي قريب فى عادات الشعوب العربية, تلك التى أفردت للغياب والخرافة الجانب الأعظم لرؤيتها على حساب الآداب والفنون, ولا عزاء - لجبران خليل جبران وطه حسين والحكيم ونجيب محفوظ - هؤلاء وغيرهم الذين رفعوا قامات العرب عالميا, اليوم تسقط رقابنا كما تسقط رؤانا, وبالنظر إلى تعدد أطراف الصراع العرب الإسرائيلى من ناحية، والصراع العربي العربي من ناحية أخرى, والصراع العربي العالمى من ناحية ثالثة فإن تعدد أطراف الصراع ومستوياته، يحسن معه منذ البداية أن تحدد الدوائر المختلفة له، بغرض تحديد المستويات التى ستركز عليها الدراسة، وترجع أهمية ذلك – فى تصورى- إلى انه من الخطأ الزعم بأن كافة الأطراف منخرطة بذات القدر أو تحل متطابقة فى الصراع العربى، وفى هذا التحديد نقطة بدء.
ويتألف الصراع العربى عامة مع المستويات المقابلة له ..
الحلقة الأولى وهى محور الحلقات الأخرى قوامها الصراع الحضارى الذى نسيناه, وتفرغنا نحن فى مصر والعالم العربى لصراعات ليس من ورائها سوى تقليص دورنا الشرق أوسطى والعالمى – أما الحلقة الأهم فهى التعتيم على رموزنا الأدبية والفنية ولعل هذا الدور ظهر جليا منذ حرب الخليج واحتلال العراق للكويت وما ترتب عليه من تبعات حقيرة من الجانب الإسرائيلى – الأمريكى حيث تم سرقة آثارنا وتهريبها إلى الطرفين – الإسرائيلى والأمريكى, كما تم سرقة رموز فنية وأدبية وأصبح موقفنا نحن العرب محايدا أمام تلك الكارثة وكأن شيئا لم يحدث؛ فإن تهريب هذه الآثار قد لا يشغل كبار المسئولين مثلما يشغلهم تضميد جراج المعارك التى دارت وسط الشعب العراقى وتفريقه إلى جماعات ومذاهب, ومزيدا من الصراع وإشعال النار التى لم تطفأ حتى اليوم, بل امتدت إلى سوريا واليمن وليبيا والبقية تأتى.
وعن مستقبل القصيدة العربية يقول "ناشد" :
عالمنا العربى أصبح طاردا للقصيدة بشكل أو بآخر وكأنها عبء قد استمر لسنوات على كاهل حكامنا وأخيرا تخلصوا منه, فقد رسموا أوهام اليهود التى تصل إلى ربط تاريخهم المزعوم بالتراث العربى, على أنه من جانبهم ومن ابتكاراتهم- اليوم فقط جاءت لهذه المزاعم والخرافات التى أنشأوا من خلالها دولة – صارت - لهم يقينا أن تراثهم قد يعود إلى عهد ما قبل ميلاد السيد المسيح, وبهذا أصبحوا يقارنون ما يسمونها حضارتهم – بحضارات- الفراعنة وآشور وبابل ومرورا بالحضارة العربية, وقد جنوا ثمارنا التى تركناها تجف وبقيت لنا الذكرى – حتى هذه الذكرى صارت مبتورة تناثرت فى وهم العقول والتاريخ المزيف.
وقد يدهش الجميع حينما يعرف كيف صارت الرواية ديوان العرب- لأسباب عدة- أولا أنها فن وارد من الغرب برغم تراثنا فى هذا المجال- ولسبب أهم أن الرواية كانت لسنوات طويلة هى الترتيب الثانى فى مصفوفات آدابنا, لكن اليوم كيف صارت ديوان العرب؟
أتخيل أن المكنون الأسطورى لدى الشباب يتعاظم يوما بعد يوم خاصة مع تفاقم المشاكل الحياتية, فلا يجد سوى اللجوء إلى القراءة خاصة فى مجال الرواية التى تشبع هذا الخواء الواقعى؛ ليعيش الشباب فى هذه الجزئيات المتناثرة من الأحلام وغياب الحقيقة, وتشويه السائد من المؤامرات التى تحاك ضد مصر والعرب والشرق الأوسط فى آن, ويلى الرواية القصة القصيرة, والحقيقة أن هناك من المبدعين المصريين والعرب سواء فى الجيل الأوسط بعد نجيب محفوظ أو من جيل الشباب، نبغوا فى إبداعاتهم وتحليل المشاعر بعمق وتركوا روايات جذابة شكلا وموضوعا بعضها يضم فى خفاياه أجواء القصة القصيرة والقصيدة.