القاهرة 24 يوليو 2018 الساعة 11:44 ص
ـ ديالا لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة فى مسلسل إثبات النسب فى مصر
ـ 17 ألف قضية إثبات نسب فى عام واحد وخبراء قانون يطالبون بتعديل النصوص
ـ علماء اجتماع : وقفة حازمة للمجتمع من أجل إنصاف ملائكة ليس لهم ذنب
تحقيق: عبير عبد العظيم
امتلأت أروقة المحاكم بقضايا إثبات النسب مؤخرا ، وازدادت معها آهات ودموع أمهات تبحث عن طريقة لإثبات نسب صغير أو صغيرة جاء إلى الدنيا وأبيه يرفض إعطاءه أهم وأولى حقوقه وهو إثبات نسبه إليه ، وقديما كانت هذه القضايا تثار على استحياء فلم يكن من الرجولة ولا الشهامة أن يتنكر أحد لولده، ولم يكن من الجرأة أن تنسب سيدة أولادها لغير أبيهم، ولكن اليوم وبعد ان امتلأت الملفات فى محاكم الأسرة عن آخرها بمثل هذه القضايا فلابد لنا من وقفة، نبحث عن السبب ونسعى لإيجاد مخرج لأمثال "ديالا" تلك الصغيرة التى رفض أبيها الفنان التشكيلي عادل السيوي الاعتراف بها وإثبات نسبها إليه, ورغم مرور أكثر من عام ونصف على ولادتها لم تستطع الأم أن تسجلها بالملفات الرسمية وتستخرج لها شهادة ميلاد .
"ديالا" لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة وإذا كان المثقفون المصريون أصدروا بيان يطالبون بحق الصغيرة فى إثبات نسبها لأبيها ، فإن هناك آلاف من القضايا تحتاج آلاف البيانات وتحتاج وقفة وخطوات عملية من كافة أطياف المجتمع لإنهاء حالة الفوضى فى قضايا إثبات النسب .
أشارت إحصائية أخيرة لمحاكم الأسرة أن دعاوى إثبات النسب قد وصلت لأكثر من سبعة عشر ألف قضية فى العام الماضى فقط, بينما أقيمت 12 ألف دعوى إنكار نسب من الأب لأولاده, تراوحت مدد الزواج فيها من والدتهم لأكثر من 18 عام وأن اكثر من 60% منها تم رفعها خلال السنوات الأولى للزواج والباقى بعد مرور سنوات طويلة!
فيما أشارت الأرقام الصادرة عن المراكز الحقوقية إلى وصول عدد المحاضر المحررة بأقسام الشرطة خلال العام الماضى لأكثر من خمسة آلاف محضر شرطة بسبب الخلاف على صحة النسب.
يقول الشيخ جمال عبد الناصر وكيل وزارة الأوقاف طرق إثبات النسب في الشريعة الإسلامية لا خلاف فيها بين الفقهاء, إذ أن النسب الشرعي لا يثبت في حال تصادم النسب مع الواقع الحسي, كما لو ادعت المرأة نسب طفل لزوجها الصغير الذي لا يولد لمثله, وكذا لو أتت به قبل مضي ستة أشهر من الزواج، والولد للفراش كما تقول القاعدة الفقهية فطالما هناك علاقة زوجية سواء بعقد زواج رسمى أو عقد زواج عرفى فإن الولد يثبت لأبيه، ولابد أن تسمح القوانين للأم بالقيام بإثبات صغيرها واستخراج أوراقه الرسمية وإذا أنكر الأب, عليه هو أن يرفع دعوى إنكار وليس العكس, حتى لا تضيع حقوق الصغير الذى لا ذنب له.
ويقول محمد الشيخ الباحث القانونى فى قضايا النسب أن هذه القضايا، تستمر سنوات طويلة بالمحاكم تضيع خلالها حقوق أطفال ربما يوصمون بقية حياتهم بأنهم «أولاد حرام»، ولابد من تغيير القانون لصالح الأم خاصة ومصر موقعة على اتفاقية دولية تجيز فيها للأم إثبات صغيرها بالمحاضر الرسمية, ولكن للأسف فالقانون الحالى يعطى سلطة استخراج شهادة الميلاد للأب أو لأم الأب, وهذا يجور على حق الأم .
ويتذكر الشيخ أولى قضايا إثبات النسب التى هزت الشارع المصري، وكانت عام 1927 الأم كانت الفنانة فاطمة سري التى خاضت معركة قاسية لإثبات نسب طفلتها إلى محمد شعراوى ابن السيدة هدى شعراوى رائدة الحركة النسائية فى مصر, التى رفضت الاعتراف بزواج ابنها سليل الحسب والنسب من ممثلة, ورفضت بالتالى الاعتراف بابنتها منه، وظلت القضية فى المحاكم سنوات حتى حصلت الأم على حق ابنتها ونسبتها إلى أبيها، وعاشت الصغيرة فى منزل جدتها هدى شعراوى التى حرمتها من رؤية أمها حتى توفاها الله.
ويرى الدكتور عباس عبد الحميد المحامى بالنقض أن قضايا إثبات النسب هى النتاج الطبيعى لانتشار الزواج العرفى والاغتصاب التى يضيع معها حق كل من الزوجة والطفل, ويحتاج إثبات النسب إلى مشوار طويل من التقاضى لحين إثبات صحة الزواج أولا, وهنا لابد من ضرورة تعديل قانون الطفل، و تعديل قوانين قضايا النسب لتشمل أبناء المغتصبات الذين لا ذنب لهم ولا لأمهاتهم, حيث يظل الطفل مجهول النسب بقية حياته، وأضف إلى ذلك أن رقم كثرة عدد قضايا النسب بالمحاكم فهناك أكثر من هذا العدد من لأمهات يخجلن من إقامة هذه القضايا أو تحول الظروف الاقتصادية إلى إقامتها ويقمن بنسب الصغير أو الصغيرة إلى الجد للأم، أو إخفاء الأمر برمته، خاصة ومع التقدم العلمى يمكن لتحليل الحامض النووى DNA حسم أى خلاف.
تقول الدكتورة ثريا عبدالجواد، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة المنوفية، إن تأثير قضايا إثبات النسب على الطفل يكون مدمراً ويظل عالق بذاكرته مدى الحياة لأن أول سنوات حياته هى التى تشكل شخصيته وذاكرته، وللأسف هذه القضايا فى أغلب الأحيان تفرز طفلاً غير سوى ونفسيا, وكان من الأولى على الأب أن يفكر ألف مرة قبل إنكار نسب الصغير أو الصغيرة إليه !
وتضيف أن هذه المشكلة تعتبر وصمة عار تؤدى إلى الشعور بالدونية والعقد النفسية نتيجة عدم اعتراف المجتمع بالطفل فى بداية أيامه الأولى وهنا لابد من تشكيل لجان وهيئات تأهيل نفسى لهؤلاء الأطفال حتى يعودوا إلى مجتمعهم، وإزالة أى آثار سلبية للأمهات والأطفال جراء هذه الدعاوى.
وتقول الناشطة الاجتماعية سامية محروس أن المجلس القومى للمرأة تقدم بمذكرة لوزارة العدل وطالب فيها تنظيم مسائل إثبات النسب وتصحيح الوضع الخاص بالمرأة فى تلك القضايا، حيث أن قوانين الأحوال الشخصية حتى الآن لا تنظمها ولا يؤخذ بها إلا في حالات النفى فقط، بالإضافة إلى عدم وجود مصلحة للطب الشرعي بالمحافظات, ومن ثم تتحمل المرأة جميع التكاليف المادية وهذا يجعل الكثيرات لا يقمن برفع قضايا, نظرا للتكاليف الباهظة والمشقة التى تتحملها الأم بمفردها, وهى لا ذنب لها سوى اختيارها الخاطئ لأب لا يتحمل المسؤولية تجاه أبنائه.