القاهرة 17 يوليو 2018 الساعة 12:23
كتب ـ أحمد مصطفى الغـر
"عالمنا غارق في النفايات البلاستيكية الضارة. في كل عام، ينتهي الأمر بأكثر من ثمانية ملايين طن من البلاستيك في المحيطات، فالجزيئات الدقيقة في المحيطات تفوق الآن عدد النجوم في مجرتنا"، صرخة أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريش" عبر رسالته بمناسبة اليوم العالمي للبيئة، الذي يحتفل به سنويا في 5 يونيو، هى محاولة من غوتيريش لتوحيد العالم من أجل التغلب على التلوث البلاستيكي، فمع التقدم العلمي والتكنولوجي الذي وصلت إليه الصناعات الحديثة، فإن منتجات البلاستيك سهلة الاستعمال مثل الأكياس البلاستيكية والزجاجات والأجهزة الكهربائية وقطع الأثاث المنزلية وعلب المواد الغذائية وغيرها من تلك المنتجات قد باتت تشكل جزءً مهما في حياتنا اليومية، وبات من الصعب أن نتصور حياتنا بدونها. الجزيئات الدقيقة التي تحدث عنها "غوتيرش" هى تلك الناتجة عن حركة الأمواج والأشعة فوق البنفسجية عندما تؤثر على البلاستيك الموجود في مياه البحار والمحيطات، وهو ما يؤدي إلى تفتته لقطع صغيرة لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، وبالفعل فإن معظم البلاستيك المتواجد الآن في المحيطات لا يُرَى إلا بالمجهر، وكلما كانت جزيئات البلاستيك صغيرة كلما شكّل ذلك خطراً أكبر على الكائنات البحرية.
البلاستيك مادة ناتجة من مشتقات البترول بالإضافة إلى بعض المواد الكميائية، أكياس البلاستيك على سبيل المثال هي مواد لدنة مصنوعة حراريا من البولي أثيلين وغيرها من المواد المشتقة من عمليات تكرار البترول، والتركيب الكيميائي لها يكون على شكل جزيئات طويلة ومتكررة ومتصلة مع بعضها البعض، وهذا يؤدي إلى أن يكون تحللها بشكل طبيعي مسألة صعبة جدا، وقد يحتاج الأمر إلى مئات السنوات، وجزء كبير من المواد البلاستيكية ينتهي به الأمر إلى البحار والمحيطات، طبقا لتحذيرات الأمم المتحدة، فإنه إذا استمرت المعدلات الحالية لاستخدام المواد البلاستيكية، فبحلول عام 2050م سيكون لدينا محيطات مليئة بالمواد البلاستيكية أكثر من الأسماك. خاصة وأن معظم المواد البلاستيكية لا تتحلل بيولوجياً، وتبقى في البيئة لفترات طويلة، وبالإضافة إلى كون البلاستيك كتلة غير قادرة على التحلل، فهو أيضا مادة ضارة قد تسبب بعض الأمراض، وخاصة تلك المصنوعة من مادة "البولي فينيل كلوريد". وبالرغم من أن حياة الانسان باتت ترتبط بشكل وثيق بالمنتجات البلاستيكية، إذ لا يمكن لعملية التسوق أن تكتمل دون أن نعود وفي أيدينا عدة أكياس بلاستيكية محملة بالمشتريات المختلفة، حيث تعتبر أكياس البلاستيك، أو كما نسميها أحيانا بأكياس النايلون، من أكثر المواد البلاستيكية انتشار واستخدام من قبل جميع الناس, وتقدر كمية الأكياس المنتجة حول العالم والتى تتراوح بين 500 مليار إلى تريليون كيس سنويا, وللأسف لا يتم تدوير سوى 1? من إجمالى الكمية.
المشكلة الحقيقية أن معظم هذه المنتجات البلاستيكية، وخاصّة أكياس البلاستيك، لا يمكن التخلص منها بسهولة، وهو الأمرالذي يجعلها تشكل عبئا كبيرا على البيئة، ومن ثمَّ خطرا يهدد حياة الإنسان والكائنات الحية الأخرى التي تعيش على ظهر هذا الكوكب، على البر تعتبر النفايات البلاستيكية عامل تلوث خطير في المساحات المفتوحة والعامة، كما تتسبب في إلحاق الضرر بالتربة، حيث أن زيادة نسبة البلاستيك في مواقع ردم النفايات عن 5% يجعل من هذه التربة غير صالحة للبناء وإقامة المنشآت فوقها، كما أن بعض المواد الكيميائية الخطرة التي تدخل في تصنيع حبيبات البولي إثيلين والتي يزيد عددها عن 20 مادة قد تتحلل وتتسرب إلى المياه الجوفية ويؤدي ذلك إلى تلوثها، ولا يتوقف التلوث على البر ..إذ انتقل إلى البحار والمحيطات، وقد توصل بعض الباحثين إلى أن كل كيلو متر مربع من مياه المحيطات يسبح فيه 100 جرام من البلاستيك أي حوالي أربعين ألف طن من البلاستيك في كل محيطات العالم، وهو الأمر الذي يؤدي إلى الإضرار بالطيور المائية والأسماك والسلاحف بعد أن تقوم عن طريق الخطأ بأكلها ثم تموت لعدم قدرتها على هضم تلك المواد. وبالفعل فقد تم العثور على عدد كبير من الطيور البحرية وصغارها نافقة وفي معدتها وأمعائها الكثير من الأجزاء البلاستيكية، مثل أغطية الزجاجات والولاعات والبالونات البلاستيكية، وقد أشارت بعض التقديرات إلى أن هناك أكثر من مليون طائر بحري ومائة ألف من الثديات والسلاحف البحرية تموت سنويا إثر التهامها المواد البلاستيكية، أو وقوعها وتعلقها في شباك مكونة من أجزاء وبقايا مواد بلاستيكية، كما أنها تلحق الضرر بالشعاب المرجانية، حيث تلتف أكياس البلاستيك حول الشعب المرجانية مما يحرمها من أشعة الشمس ومن التيارات المائية المتجددة التي تحمل لها الطعام والأكسجين، وهو ما يؤدي إلى تدهورها.
ولم يسلم الهواء من أضرار البلاستيك، حيث أن عملية حرق البلاستيك تؤدي إلى تلوث الهواء بالغازات والأبخرة السامّة والضارّة بصحة الإنسان، مثل الفورمالدهيد, والبنزالدهيد, والأمونيا, وأول أوكسيد الكربون، وأكاسيد النيتروجين، وتتسبب هذه المواد في حدوث اضطرابات وأمراض مختلفة للإنسان، مثل الحساسية وأمراض الجهاز التنفسي والجهاز العصبي والهضمي وغيرها من الأمراض، وما يلحق بالإنسان من أضرار قد يصيب غيره من الكائنات الحية كالأبقار والأغنام والماعز والحيوانات البرية، فإذا أكلت تلك الحيوانات أجزاء من المواد البلاستيكية سيؤدي ذلك إلى انسداد القناة الهضمية أو الجهاز التنفسي وخاصة الرئتين والقصبات الهوائية، وتكون النتيجة نفوقها أو مرضها أو في أحسن الأحوال فقدانها للشهية وبالتالي انخفاض إنتاجها سواء من اللحوم أو الحليب. لكن المشكلة لا تتوقف عند البلاستيك في صورته كنفايات فحسب، بل حتى في بعض صوره الاستخدامية، إذ أفادت عدة تقارير عالمية أنه في حال تخزين المواد الغذائية المعبئة في العبوات البلاستيكية في غير الظروف الصحية المخصصة لها كالتخزين في درجة حرارة عالية لفترات طويلة، وكذلك عند إعادة استخدام تلك العبوات في تعبئة مواد غذائية أخرى مختلفة عن طبيعة المادة المخصصة لها، قد ينتج عن ذلك انتقال لبعض المواد البلاستيكية الدقيقة إلى المادة الغذائية، وهو ما قد يعرض المستهلك لظروف غير صحية وغير آمنة.
لكن هل هذه النفايات البلاستيكية بالغة الخطورة عديمة الفائدة تماما؟!، الإجابة :لا!، فهناك بعض الكائنات الحية التي تستفيد من تلك النفايات، مثل حشرة البق البحرية، فهذه الحشرة التي تعلق بكل شيء يطفو فوق سطح المياه، لأن ذلك يساعدها على الحركة بسهولة فوق سطح الماء، تقوم باستعمال النفايات البلاستيكية كوعاء لوضع بيضها فيه، وقد أوضح الباحثون أنه مع تزايد نسبة النفايات البلاستيكية أصبحت حشرة البق البحرية تجد المزيد من الأماكن لوضع بيضها، بالأخص في مناطق التيارات البحرية التي تساعد على تجمع النفايات البلاستيكية. لكن بعيداً عن تلك الفائدة البسيطة للبلاستيك كنفايات، ولفوائده الكثيرة في صورته الأولية قبل أن يصبح من النفايات، فإنه من الواجب على البشرية أن تهتم أكثر بمشكلة النفايات البلاستيكية، خاصة وأنها قد أصبحت تؤرق الكثير من دول العالم بالفعل، ومن الضروري تكثيف الدراسات الدقيقة حول خطر هذه النفايات، مع ضرورة سنّ قوانين وتشريعات صارمة تلزم بإعادة تدوير النفايات البلاستيكية، مثل استبدال أكياس البلاستيك ببدائل صحية للبيئة، كأكياس الورق، فبالفعل قد اتجهت العديد من المتاجر إلى استخدام الأكياس الورقية، صديقة البيئة، القابلة للتحلل وإعادة الاستخدام، فيما قامت بعض الدول بمنع استخدام أكياس النايلون مثل الصين، وبنغلادش، وأيرلندا وتايوان، وسنغافورة، وثمة حملة توعية عالمية تتبناها الأمم المتحدة لتوعية أصحاب السفن وزوارق الصيد بالعواقب الوخيمة للتخلص بعشوائية من المواد البلاستيكية في البحار والمحيطات والأنهار، ومدى الضرر الذي ينتج عن ذلك على سلامة النظام البيئي والكائنات البحرية وصحة الإنسان.