شريف أشرف
ترك لنا اليونانيون تراثا كبيرا من الأفكار التي تعني بحقوق الإنسان، ورغم ذلك فإننا نجد أفكارا سلبية دعت إلى استعباد الإنسان، وإباحة الرق واعتباره حالة طبيعية وضرورية لتأمين الحياة، وأن رب الأسرة له السلطة المطلقة على أفراد عائلته ، والرجل يعقد على الزوجة عقد شراء وله حق طلاقها متى
شاء، واسترقاق المديون، وإباحة الربا، واضطهاد الأجانب !.
ومن الفلاسفة الذين كانت لهم إسهامات في التشريعات المتعلقة بحقوق الإنسان صولون (64?-56? ق.م) وهو من حكماء اليونان السبعة، له إصلاحات
تشريعية وقانونية وإدارية عديدة، تعدّ علامة بارزة في تأطير آدمية الإنسان تأطيرا قانونيا، وأهم ما جاء في دستوره حق الشعب دون تمييز بين الأغنياء والفقراء في المساهمة في انتخاب قضائه بموجب محكمة مكونة من ممثلي الشعب (محاكم شعبية) وحرّم الربا، وألغى حق الدائن بجسد مدينه بسبب عدم الوفاء بالدين، وألغى الرهن العقاري ضد فقراء الفلاحين، وحرر رقيق الأرض، وحق كل من تم بيعه خارج البلاد من العودة إلى بلاده، وأقر حق الإرث
لأفراد الأسرة وعندما سئل صولون هل أعطيت أفضل القوانين لأهالي أثينا قال: أعطيتهم أفضل ما يمكنهم تحمله.
والفيلسوف والمفكر أفلاطون (4??-?4? ق.م) الذي نادى بفكرة العدالة باعتبارها الوسيلة التي تعزز روابط المجتمع، وهي فضيلة عامة وخاصة لأنها تحقق الخير للدولة والأفراد على السواء، ونادى بوجوب إشراك المواطنين في إدارة شؤون المدينة، واهتم بقيام نوع من الملكية الخاصة المحددة لغرض استبعاد الفوارق بين الأغنياء والفقراء، إلا أنه لم يستسغ أن يتمتع العبيد بأي لون من ألوان حسن المعاملة التي كان ينادي بها للإغريق.
ويرى أرسطو ( ??4-??? ق.م) أن المثل العليا للدولة هي سيادة أحكام القانون والعدالة والتعليم، وأن الدولة إنما وجدت لصالح الإنسان ولم يوجد الإنسان لصالح الدولة إنما ولد الإنسان ليسعَد غير أنه أكد (إن الطبيعة قد قصدت أن يكون البرابرة عبيدا)!
ويؤكد أرسطو أن طبقة العبيد تمتاز بمقدرتها على الإنتاج والحماية، وأن على العبيد أن يرفعوا عن كاهل الطبقات الأخرى أعباء الحياة المادية لكي يمكنهم الارتقاء بقدراتهم المعنوية والثقافية لينصرفوا لمهام السياسة والفنون والفلسفة، مؤكدا ذلك بقوله: إن البعض أحرار الطبع، وإن البعض أرقاء بالطبع .
وتعدّ هذه الحقبة الزمنية بأنها الأكثر تجاوزا على آدمية الإنسان، تعزز هذا بتبرير ديني بأن الإله (زيوس) خلق الإنسان من معادن مختلفة، فطبقة المواطنين من الذهب الخالص، والأجانب من الفضة، والعبيد من الحديد، فكان لهذا تأثير على التوجه الاجتماعي آنذاك وهذا الحال طال الأجانب المقيمين في أثينا أيضا فقد حُرِموا من التمتع بالحقوق المدنية والسياسية ، وكان للمرأة أيضا نصيب من الحرمان من المشاركة السياسية والمدنية وتولي الوظائف العامة، لقد حاول اليونانيون إيلاء الإنسان وحقوقه قدرا من الاهتمام، إذ يعد الإنسان أحد أعظم المعجزات في الدنيا على حد قول المفكر اليوناني سوفوكليس ( ?5?? سنة ق. م) الذي قال : كثيرة هي المعجزات في الدنيا ولكن الإنسان أعظمها. وجاء في ملحمة هوميروس (الأوديسة) أن استخدام الأسلحة المسممة يعدّ انتهاكا جسيما لمسلك الآلهة وينبغي إظهار الرحمة للأسرى الذين لا حول لهم، ويجوز دفع الفدية للأسير وتبادلهم والسماح بسلامة المرور واحترامه .
ومما يؤخذ على هذه الحضارة إقرارها الاسترقاق، وسيادة المساواة الناقصة بالاستناد إلى طبيعة التكوين الاجتماعي، وظهور التقسيم الطبقي الذي نفى فكرة المساواة المطلقة بين الإفراد، ومعاملة الأجانب معاملة الأشياء، واعتبار البشر من غيراليونانيين بدون حقوق، وأن سمو اليوناني يكفل له اكتساب كافة الحقوق، والسيطرة على الأجانب الذين يخضعون لليونان خضوع العبيد، ويعتبرون أن الفارق بين اليوناني والبربري هو الفرق بين الإنسان والحيوان!.
إلا أن الحضارة اليونانية عرفت انعطافة كبرى إزاء حقوق الإنسان وآدميته في تأكيدها على إنسانية الإنسان من خلال ظهور جماعات كجماعة (السفسطائيون) في آثينا وإثارتهم لمفاهيم جديدة لمفهوم حقوق الإنسان دون تمايز بسبب اللغة أو الجنس أو الدين، ومناقشتهم لآدمية الإنسان وحقوقه، حيث تمكن الفرد من خلال طروحاتهم من السعي لتحقيق الذات متخطيا قوانين وقيم المجتمع السائدة.