القاهرة 10 يوليو 2018 الساعة 10:21 ص
د. هـناء زيادة
بدأت فكرة شبكة الإنترنت في العام 1950م، وتم الاستمرار في تطويرها حتى ظهرت فعليا في بدايات التسعينات من القرن الماضي، وفي العام 1995م تم إزالة كل القيود لتصبح متاحة لكل المستخدمين حول العالم، ومنذ ذلك الحين أصبحت الشبكة العنكبوتية من مفردات الحياة اليومية لملايين البشر، في العام 1995م كان عدد مستخدمي الإنترنت أقل من 1% فقط من سكان العالم، وكان أغلبهم من الدول الغربية ويستخدمونه بدافع الفضول، وبعد 20 عام وحتى يومنا هذا، يستخدم الإنترنت ما يزيد على ثلاثة ونصف مليار شخص حول العالم ، أي ما يقرب من نصف سكان العالم، ويزداد عدد مستخدميه بمعدل عشرة أشخاص تقريبا كل ثانية، وعلى سبيل المثال فإنه وفقا لمركز "بيو" للأبحاث فإن خُمس الأمريكيين يستخدمون الإنترنت بلا انقطاع تقريبا، في حين يقول 73 % منهم أنهم يستخدمونه يوميا على الأقل، في عام 1975م نشب حريق في شركة هواتف في نيويورك أدى إلى قطع خدمة الهاتف عن 300 عقار في حي مانهاتن لمدة 23 يوما، وبعد عودة الخدمة مباشرة اُجري استطلاع للرأى على 190 شخصا، ذكر 80% منهم أنهم افتقدوا الهاتف بسبب عدم قدرتهم على التواصل مع الأهل والأصدقاء، في حين ذكر أكثر من ثلثي الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع أنهم شعروا بالعزلة أوالاضطراب، وقال نحو ثلاثة أرباعهم أنهم استعادوا حياتهم الطبيعية عندما عادت خدمة الهاتف. لقد شهد العالم في السنوات القليلة الماضية تأسيس العديد من المؤسسات والشركات بمختلف أحجامها وأنشطتها، ومعظم هذه الشركات قائم بالأساس على الإنترنت، بعضها ليس له وجود واقعي، وبالبرغم من ذلك تقوم بتقديم
الخدمات لملايين الأشخاص حول العالم، منها على سبيل المثال: شركة أوبر لتوفير خدمات نقل الأفراد، وموقع على بابا لعرض المنتجات، وغيرهما.
الناس الآن لا يمكنهم تصور انقطاع الإنترنت، فهم يدركون مدى تغلغل الإنترنت في كل جوانب حياتهم تقريبا، حيث تتعدد استخدامات الناس للشبكة العنكبوتية، فمنهم من يستخدمه في العمل للتواصل مع موظفي شركته في أي مكان في العالم، ومنهم من يستخدمه للتواصل الاجتماعي، وبعضهم لمتابعة الأخبار أو الترفيه والتسلية من خلال الألعاب الإلكترونية التي يتم لعبها أونلاين من خلال الشبكة. لكن يبقى سؤال صعب تخيل الإجابة عنه حال حدوثه، ألا وهو: ماذا لو اختفى الإنترنت فجأة من حياتنا؟ ، مبدئيا من الصعب على البعض تصور الآلية التي سينقطع الإنترنت من خلالها، لكنها متعددة وجائزة الحدوث، منها: أن يطلق قراصنة الإنترنت برمجيات خبيثة تستهدف مواطن الضعف في أجهزة توجيه المعلومات على الشبكة، ليصيبوا شبكة الإنترنت بالشلل التام، وقد يتسبب ذلك أيضا في إغلاق الخوادم التي تحفظ أسماء النطاقات مما ينتج عنه مشاكل بالغة، مثل منع تحميل المواقع، وربما يؤدي قطع الكابلات الموجودة في أعماق البحار التي تنقل كميات هائلة من الرسائل والبيانات بين القارات إلى حدوث مشاكل جسيمة، لأن ذلك سيفصل جزءا من العالم تماما عن الجزء الآخر، وقد تُقطع هذه الكابلات في بعض الأحيان بسبب حوادث عرضية، مثلما حدث في عام 2008م، حيث عانى سكان الشرق الأوسط والهند وجنوب شرق آسيا من انقطاع الإنترنت في أجزاء كبيرة من هذه المناطق بسبب قطع في الكابلات البحرية، أو قد تُصدر بعض الحكومات أوامر بحجب الإنترنت عن الدولة بأكملها.
تعدد الجوانب التي سيصيبها الضرر في حالة حدوث انقطاع الانترنت، الجانب الاقتصادي سيتأثربشكل سيء للغاية، إذ ستتأثر الكثير من اقتصاديات العالم سلبا إلى الحد الذي قد يصل إلى مرحلة الانهيار التام، فمجال إدارة الحسابات في البنوك وكذلك في البورصات لا يمكن أن تتم بعيدا عن الإنترنت، كما أن الشركات التي تساوي مليارات الدولارات وتقدم خدمات الإنترنت ستصبح صفرا، وستتأثر الكثير من الأعمال وسيؤدي ذلك في النهاية إلى فقدان العديد من الوظائف، حيث أن ملايين الأشخاص من أصحاب المهن الحرة التي تعتمد على الإنترنت ستضرر حياتهم بشكل مأساوي. وقبل أسابيع أصدر مصرف الحسابات الدولية بيانا أكد فيه أن الحجم المتنامي للمعلومات التي ترسل عن طريق المدفوعات بالعملة الافتراضية قد يؤدي إلى توقف عمل الإنترنت. هذا البيان أثار خبراء المنظمات المالية حول ما يمكن أن يحدث من كوارث إذا توقفت منظوماتهم المالية عن العمل بسبب توقف الإنترنت نتيجة منصات
العملات الافتراضية، وما هو قد يؤدي بالتبعية إلى انهيار البنية التحتية التكنولوجية كلها، بدءا من الهواتف الذكية وانتهاءا بالشبكات الكبرى.
يقول "وليام دوتون" مؤلّف كتاب المجتمع والإنترنت: "أحد أكبر المشاكل التي تواجهنا اليوم هي أنّ الناس يعتبرون الإنترنت أمرًا مفروغًا منه ولا يفكّرون حتى في عدم الدخول إليه، ولا يفهمون إلى أي حد سمحوا له بالتسلل إلى كافة جوانب حياتنا تقريبًا"، لذا فإن الآثار المحتملة لانقطاع الإنترنت على الجانب الاجتماعي ستكون التأثير متفاوت، البعض يرى أن هذا سيساعد على التواصل الاجتماعي الحقيقي بشكل أفضل بدلًا من الاعتماد على شبكات التواصل الاجتماعية الافتراضية، وسيجد الناس أنفسهم يبدأون بالسؤال عن أقاربهم الذين لم يروهم منذ فترة طويلة، وسيمتد ذلك إلى جوانب مفيدة أخرى مثل العودة إلى الكتب، وتوفر المزيد من الوقت للأشخاص كي يهتموا بالحديث المباشر فيما بينهم، مع ممارسة أفضل للهوايات، في حين يرى آخرون أن هذا سيزيد من القطيعة بين الأصدقاء والأهل الذين يتواجدون في أماكن بعيدة كل البعد، ثمة جوانب أخرى كثيرة ستتضرر بالتبعية مثل الجوانب العسكرية والاستخباراتية. على الجانب النفسي، فعندما ينقطع الاتصال يشعر الناس بالعزلة والقلق والاضطراب، فالإنترنت مصمم بالأساس ليسمح بالتواصل بين الناس، وقد اعتدنا على التواصل مع أي شخص في أي وقت وفي أي مكان.
لكن الجزء الجيد هنا أنه في أغلب الحالات لا يدوم انقطاع الإنترنت طويلا، حيث أن موفري خدمات الإنترنت والشركات التي تصنع معدات توجيه المعلومات على شبكة الإنترنت لديهم من الخطط والعاملين ما يكفي لإعادة تشغيل الإنترنت على الفور، إذا ما تعرض لهجمات غير متوقعة، وفي عام 2008م، قامت وزارة الأمن الداخلي بالولايات المتحدة بإجراء بحث في تبعات انقطاع شبكة الإنترنت، وقد تم إجراء تحليلا مفصلا للآثار الاقتصادية لتعطل الحواسيب وانقطاعها عن الشبكة العنكبوتية، وبعد البحث في تقارير مالية ربع سنوية من 20 شركة، يُزعم أنها ستكون الأكثر تضررا جراء انقطاع الإنترنت، فضلا عن مراجعة الإحصائيات الاقتصادية العامة، اكتشفوا أن انقطاع الإنترنت لن يكون له تبعات مالية خطيرة، وتحديدا لو انقطع لما لا يزيد عن أربعة أيام، حيث لا يتأثر الاقتصاد بالأعطال التي تستمر ليومين فقط، والتي تعد من قبيل عطلة نهاية الأسبوع على سبيل المثال. أيضا لو انقطع الإنترنت ليوم أو نحو ذلك، فلن يتأثر السفر والتنقل كثيرا، تحديدا على المدى القصير، إذ لن تتوقف الطائرات عن التحليق، ولن تتوقف القطارات، ولا الحافلات. لكن المشكلة هى لو استمر انقطاع الإنترنت لمدة طويلة، فبالضرورة ستتأثر التجهيزات اللوجستية، وسيصبح من الصعب أن تزاول الشركات أنشطتها. الشيء المؤكد أنه لن ينتهي العالم إن فقدنا الاتصال بالإنترنت ليوم أو يومين، ولكن أغلب الناس تخيفهم فكرة انقطاع الإنترنت ولو لساعات.