القاهرة 07 يوليو 2018 الساعة 03:17 ص
د. هويدا صالح
حينما يعاني الإنسان من إحباطات يومية؛ مما يعرضه إلى انفعالات مدمرة، فتتولد فيه مشاعر اليأس والقلق حول المستقبل وفقدان تقدير الذات، لتتحكم هذه الانفعالات في علاقته بالذات، علاقته بالآخر الذي هو خارج الذات، ولا يمكن تقدير الآثار التدميرية لهذه الانفعالات إن ظلت حبيسة داخل الإنسان لا يتمكن من التعبير عنها، فيلجـأ الإنسان إلى تشويه ذاته وإلقاء اللوم عليها في كل الإحباطات التي تعانيها ذاته العميقة، فتلجأ هذه الشخصية التي لم تستطع أن تعبر عن مشاعرها السلبية العميقة إلى كتمان انفعالاتها مما يولد عدوانية مخيفة قد تظهر فجأة في حضور من هو أضعف منها، فتندفع بكل طاقتها للنيل من هذا الآخر الذي ظنت الذات أنه أضعف منها. لكن ما مناسبة هذه المقدمة؟ هل هؤلاء الذين يمارسون عدوانيتهم ضد العالم بالضرورة تعرضوا إلى أذى نفسي، لم يتمكنوا حينها من رفضه أو التعبير عن انفعالهم ضده؟ هل الفرص القادمة التي أتيحت لهم في حضرة ذوات أضعف منهم جعلتهم يواجهونها بكل المخزون من المشاعر السلبية والعدوانية التي كتموها في موقف ما سابق ؟
أتصور هذا كلما وجدت أستاذا جامعيا يضطهد طلابه، ويتفنن في النيل منهم بكبتهم وعدم السماح لهم بالتعبير عن أنفسهم في محاضراته، وإذا جاء وقت الامتحان وجدوا أنفسهم يواجهون أسئلة غامضة وصعبة، بل قد تكون من خارج المنهج، ليس لشيء إلا لأن هذا الأستاذ تعرض يوما ما لاضطهاد نفسي لم يستطع التعبير عنه، فاضطر لكتمانه داخل ذاته العميقة، ولم يجد الفرصة المناسبة للتعبير عن غضبه المدفون هذا إلا بوجه هؤلاء الطلاب الضعفاء الذين لا حول لهم ولا قوة في حضرته!.
أتصور هذا وأن أجد مديرا في العمل لا يُحكِّم معيار الكفاءة ومصلحة العمل فقط في معاملة من يرأسهم، فلكي تتقرب من هذا المدير ليس عليك إلا أن تتوجه إليه بكل آيات الشكر والمديح والتغزل في حكمته في العمل وكفاءته غير المعهودة، لا يهم ساعتها أن تؤدي عملك كما ينبغي أو تكون كفئا مميزا فيه، لا يهم أن تتعلم من هذا المدير قيمة عليا ما أو ممارسة خلقية، لا تهم مصلحة العمل، فلن تتساوى أبدا مع زميلك الذي يبذل جهدا كي يتميز أو يأتي في مواعيد العمل وينكب على ما طلب منه يؤديه بكفاءة، فأنت ستنال الترقية أو المكافآت المادية وهو لن ينال شيئا، لأنه انشغل بالعمل فقط دون أن ينافق المدير أو يمتدح ملابسه أو عطره المميز أو صوته الرخيم أو كفاءته غير المكررة والتي تميز بها دون سواه من العالمين!.
حتما أنت ستنال كل ما يمكن أن يمنحه لك المدير من ترقيات ومكافآت أما ذلك الذي عمل من أجل مصلحة العمل وانشغل بمعيار الكفاءة عن معيار النفاق لن ينال شيئا.
ساعتها أفكر جديا أن هذا المدير الذي لا يحكم معيار الكفاءة ومصلحة العمل بين مرؤوسيه هو مجرد مسخ تعرض في يوم ما إلى اضطهاد مديره وعدم تقدير، ولأنه خاف من التعبير عن رفضه لهذا الاضطهاد الدفين ساعتها يمارس كل هذا الاضطهاد ضد من حكم الله عليه أن يكون في قبضة يده!.
إن العدوانية إن لم تجد المساحة التي تتفجر فيها، فإنها تتحول إلى داخل الذات. وهنا تتصاعد العدوانية داخل الفرد وتتحول إلى وسط تعذيب هادئ، فيحاول الشخص الذي مورست ضده العدوانية أن ينتصر على الآخر الذي هو خارج الذات عبر وسائل وأدوات شتى، قد تصل إلى حالات تعذيب جماعية للآخرين لو لا قدر الله مُكِنَ هذا الشخص من سلطة كبرى تمكنه من التحكم في مصائر الآخرين
ولكي نفهم إنسانا ما لزم علينا اكتشاف الهدف الذي يرمي إليه من خلال تصرفاته في الحياة، فإن هذا الهدف يظهر في كل فعل منفرد يقوم به الفرد، سوياً كان أو معتلاً. صحيح إننا لا نشاطره تلك الأهداف، لكن على الأقل نستطيع أن نتفهم الدوافع التي يسعى لتحقيقها.
حينما تمارس ضغطا على شخص ما لا تغالي في ضغطك عليه، ولا تجعل ظهره للحائط كما يقولون؛ لأنك ساعتها سوف تدفعه لأن يفقد كل هدف ولو صغير يسعى للحفاظ عليه، وساعتها سوف ينقلب إلى وحش غاضب مفترس، فلم يعد له ما يجب أن يلتزم الحرص أو الهدوء أو الحكمة من أجله، لذا كونوا رفقاء بمن تتعاملون معهم ممن لديكم السلطة عليهم، لأنكم لا تعلمون كم من مشاعر سلبية دفينة سوف تربونها داخلهم، ولا تعرفون متى ينقلبون إلى ذئاب بوجوه بشرية لا يبين عليها التوحش، سوف تحول المجتمع الذي نعيش فيه إلى مجتمع يضم وحوشا صامتة، وإن لم يبدُ على وجوهها التوحش، فهو يعمل داخل تلك النفوس، يدور دورته، يحاول أن يعافر ويخرج في وجه العالم، ويصبح تحقيق ذاته على حساب المجتمع لبلوغه أهدافه بوسائل غير نزيهة، فالكذب والنفاق وقتل أرواح بريئة لا ذنب لها إلا أن القدر وضعها في طريقه كانت وسائله التي تشبث بها لتحقيق مآربه، فيصبح معاديا للمجتمع بقصد أو بدون قصد.