القاهرة 03 يوليو 2018 الساعة 11:22 ص
حاوره : أحمد مصطفى الغـر
محمد بوحوش: أنا ضدّ الشّعر في شكل أحجيات وألغاز، وضدّ الغنائيّة الفجّة وسطوة الأنا !
ضيفنا لهذا الأسبوع من مواليد عام 1962 م بصفاقس في تونس الشقيقة، هو نائب سابق لرئيس اتحاد الكتّاب التونسيين، ورئيس جمعيّة المهرجان الدّولي للشّعر بتوزر حاليّا، يكتب الشّعر باللّغتين العربيّة والفرنسيّة، كما تُرجمت منتخبات من أشعاره إلى الإنجليزية والفرنسيّة ، وبعيداً عن الشّعر فقد صدر له عدد من الدّراسات الاجتماعية والمجموعات القصصية، حصل على عديد الجوائز والتكريمات، منها جائزة الإبداع ناجي نعمان عام 2007م، ووسام الاستحقاق الثقافي الصّنف الرّابع تونس 2008م، من نتاجاته الأدبية: كتاب الإشراقات (شعر)، آيات النرجس (شعر)، حديقة النّور (شعر بالفرنسيّة)، الفرح المراق (شعر)، شوارد (شعر)، قصائد ومضة (شعر) العالم زهرة( شعر)، وليس سوى أغنية ( شعر)، بحث "سوسيولوجيا الأمّهات االعازبات" بالفرنسية، و"تحت سماء الأبدية" مختارات شعريّة مترجمة إلى الإنجليزية، وبستان الهاوية (شعر)، وعناقيد الدّهشة (قصص قصيرة جدّا)، وضحك أسود (قصص قصيرة جدّا) ومائة قصّة قصيرة جدّا، وغيرها من المؤلفات، وفي العام 2017م أصدر روايته الوحيدة "تحت سماء تحترق"، إنه الكاتب والشاعر التونسي (محمد بوحوش)، الذي التقته (مصر المحروسة) وكان هذا الحوار:
كيف يحب "محمد بوحوش" أن يقدّم نفسه لقرّاء مجلة "مصر المحروسة"؟
هذا أنا، كما يقولني الشّاعر التّونسيّ الفقيد "مختار اللّغماني"، في هذه الأسطر الشّعريّة:
أشهد أنّي عربيّ حتّى آخر نبض في عروقي
عربيّ صوتي
عربيّ عشقي،
عربي ضحكي وبكائي،
عربي في رغباتي الممنوعة في أهوائي...
عربي فيما أشعر
عربي فيما أكتب،
لكنّ العالم أرحب،
لكنّ العالم أرحب!
أو كما يقولنني "محي الدّين بن عربيّ" :
أدين بدين الحبّ أنّى توجّهت ركائبه،
فالحبّ ديني وإيماني،
معتزّ بانتمائي لوطني وللإنسانيّة، ولوجودي على هذه الأرض ,في عقلي ووجداني الأديان والأجناس والثّقافات كلّها ,أطمح أن أكون الإنسان النّوعيّ أو الكونيّ، وأحسبني بمثابة حبّة رمـل في هذا الكون أو بمثابة فاصلة في جملة طويلة يكتبهــــا الإنسان على مــدى التّاريخ. ولا أحسبني قد أضفت شيئـا إلى المتن الشّعريّ مقارنة بما أتى به أسلافنـا: طرفة بن العبـد حين يقــول: فإن كنت لا تستطيع دفع منيّتي فدعني أبادرها بما ملكــت يدي ، أو قــول أبي الطيّب المتنبي في فلسفـة الموت والحياة: وقفت وما في الموت شكّ لواقف كأنّـك في جفن الرّدى وهـو نائم.
بمن تأثرت من الشعراء؟، ومن منهم تحبّ أن تقرأ قصائده ؟
ثمّة مرجعيّات كثيرة من التّراث الشّعريّ العربيّ كالمعلّقات وشعراء الغزل والمتنبي وأبي تمّام والمعرّي وشعراء الأندلس. وثمّة أيضا الشّعر الفرنسيّ الذي شدّني إليه من خلال كتابات أرتور رامبو وشارل بودلير وأندري بروتون وبول فاليري وبول إيلوار وجاك بريفير وغيرهم، وذلك بحكم ثقافتي الفرنسيّة وكتابتي بلغتها لاسيّما في الشّعر حيث نشرت مجموعتين شعريتين باللّغة الفرنسيّة ,ومن الأصداء الأخرى التي سحرتني أذكر شعراء كثر من أمثال ناظم حكمت وبابلو نيرودا ويانيس ريتسوس وأكتافيو باث والشّعراء الإسبان منهم ألبرتي ,وماتشادو وخوان رامون خيمينيث وغيرهم ,كما أذكر أيضا شعراء الحداثة العربيّة من قبيل نزار قباني وبدر شاكر السيّاب ومحمود درويش وعبد الوهاب البياتي وصلاح عبد الصبور وأمل دنقل وسعدي يوسف ومحمد علي شمس الدّين وأدونيس ,فحجازي ,فأنسي الحاج ،والماغوط علاوة على شعراء كركوك بالعراق وغيرهم الكثير.
أريد بذلك القول إنّ الشّاعر خزّان أصداء وتجارب عديدة ومختلفة ,يقرأ من كلّ حدب وصوب لينحت مشروعه الشّعريّ الخاصّ بعد معاناة واطّلاع وتجربة تتنامى وتتطوّر بفعل القراءة واكتساب الرّؤية الخاصّة في إطار مشروع شعريّ يطمح أن يكون مختلفا وخصوصيّا.
هل تدوّن كلّ ما يخطر ببالك ،أم تترك الأفكار تختمر لبعض الوقت؟ بمعنى آخر كيف تولد القصيدة لدى "محمد بوحوش"؟
القصيدة تولد من فكرة ما أو موضوع محدّد، وهذا أمر هامّ بالنّسبة لي، فلا أستسلم لسطوة التّداعيات الحرّة والعموميّات والكلام الفضفاض ,فالنصّ الشّعريّ حسب رؤيتي هو إنتاج معنى على نحو جماليّ لا يخلو من المجاز والإيقاع والفرادة ,غالبا ما أجمع شتات الفكرة وأتركها تنضج في الخيال وأحوّلها من سقف الفكرة العاديّة إلى مستوى الفكرة المفارقة والصّادمة ,بمعنى ما إنّني أنزاح بها وأحرّف معناها الأصليّ أو أنحرف بها عن المعتاد بإضفاء طابع تخييليّ أوغرائبيّ عليها ,أبتعد قدر المستطاع عن الإيقاعات الحادّة والمعجم التّقليديّ وأعمل في جلّ الأحيان على تبريد اللّغة الشّعريّة بتسريد النصّ أوالجنوح إلى الوضوح أو الغموض الشفّاف آخذا بعين الاعتبار بأنّني صاحب رسالة أو فكرة أهمّ بتبليغها إلى القارئ.
لم يحدث أن دوّنت نصوصي في مسودّات بل أكتبها حالما تأتي ثمّ أراجعها وأهيّئها للنّشر.
يقولون إنّنا نعيش (مرحلة موت الشّعر، وازدهار الرّواية)، فهل حقاً الشّعراء، اليوم، هم غرباء أقوامهم؟
أنا ضدّ الشّعر الذي في شكل أحجيات وألغاز وتهويمات ومطلقات ,ضدّ المناجاة والغنائيّة الفجّة وسطوة الأنا ,وأفول المعنى في الشّعر ,وبالتّالي مع النصّ الذي ينبني على فكرة أو موضوع ويعتمد إيقاعا خصوصيّا بلغة حداثيّة ,وبمعنى عميق وجماليّة منحوتة من رصيد المجاز والاستعارة ,لكن لابدّ لي أن ألاحظ بأنّ الشّعر العربيّ اليوم - وفي كثير منه- يغيّب المعنى ويوغل في التّهويمات ,فهو شعر بلا فائدة أو بلا نفع طالما لا يشدّ القارئ ولا يتأسّس على جماليّة ما..
من هنا جاءت غربة الشّعر والشّاعر ,غير أنّ الشّعر لم يمت ولن يموت وسيظلّ يدور في فلك التّجريب والتّخريب في عالم متقلّب تسطو عليه القيم الماديّة والنّجوميّة والبزنس.
بالمقابل نلاحظ جنوحا لافتا إلى السّرد بسبب أنّ الرّواية تقول كلّ شيء وبإمكانها جمع فنون شتّى ,فهي من جنس التّفاصيل والتّعبير الحرّ ,وتحتمل الإطناب والحشو، وهو ما لا يتحمّله الشّعر ,صحيح بأنّ السّرد - كما ألاحظ - أفضل حالا من الشّعر ,فالرّواية هي الإنسان في تجربته الحياتيّة الطّويلة وهي الفضاء الواقعيّ والمتخيّل الذي لا يحدّ ,فلكلّ شخص ما رواية أو حكاية يروم قولها وسردها إذا ما توفّرت لها شروطها الفنيّة ,أمّا الشّعر فهو خلاصة الخلاصة واختصار وإجراء للمعنى وإتيان بالحكمة ,وتصريف للقول بشكل خصوصيّ جدّا ,أوهو تصوير لموقف أو مشهد أو لوحة أو هامش أو إحساس تجاه علاقة ما أو عنصر ما من عناصر الطّبيعة ,ثمّ إنّ الشّعر - هو سقف الكلام - فنّ صعب وغير جماهيريّ بطبعه إذ هو يتطلّب قارئا مثقّفا وواعيا ,وبالنّتيجة لا يجد مجالا رحبا له في مجتمعات عربيّة تسودها الأميّة والقبح والفقر ,لذلك فهو غريب بطبعه مثلما هو حال الشّاعر.
في العام 2009م، أصدرت ديوانك "شوارد" كإصدار إلكتروني، فهل هذا كان نابعاً من إيمانك بأن المستقبل سيكون هو عصر الكتب الإلكترونية؟ وبرأيك إلى متى سيصمد الكتاب والجريدة الورقية؟
نحن بلا شكّ في عالم رقميّ بامتياز ,والنّشر الإلكترونيّ يعتبر مجالا واسعا للتّعريف بالكاتب، وهو مصدر أساسيّ للمعرفة والاطلاع على التّجارب الأدبيّة في شتّى أنحاء العالم ,لذلك أصدرت عددا من الكتب في صيغ إلكترونيّة وهي متاحة على موقع أمازون وغيرها من دور النّشر الرّقميّة لاسيّما كتبي الصّادرة باللّغتين الفرنسيّة والإنكليزيّة.
باعتقادي أنّ الكتاب الورقيّ مثلما هو الأمر للجريدة الإلكترونية سيجدان قرّاء لهما باعتبار أنّ الورقيّ أقرب إلى حواسّ الإنسان وأكثر حميميّة وألفة ,ستتعايش الصّيغتان دون أن تلغي إحداهما الأخرى.
لك رواية يتيمة بعنوان" تحت سماء تحترق" ،هل الكتابة الرّوائية لا تستهويك؟
فعلا لقد أصدرت رواية واحدة "تحت سماء تحترق" تتناول ظاهرة الإرهاب وداعش، وهي رواية حبّ وحرب في الآن نفسه ,وكانت تجربتي الأولى في خوض غمار هذا النّوع الأدبيّ الغالب اعتقادا منّي بأنّ الرّواية تحتاج إلى الصّبر والاشتغال الكبير ونضج التّجربة ,وأنا بصدد إنهاء رواية ثانية حول الإنسان المستقبليّ المستنسخ.
لا أقول بأنّ الرّواية لا تستهويني بل هي نوع يتطلّب الكثير من الوقت والتّركيز والمعرفة والثّقافة والخيال الخصب والواسع ,أجدني في الرّواية من حيث أنّها نوع عابر للأجناس وقابلة لدمج فنون عدّة ولإغراقها في التّفاصيل ,وهو ما لا يتيحه لي الشّعر.
من الكتابة الشّعريّة إلى الكتابة القصصيّة، وتحديدا القصّة القصيرة جداً بكل ما تحمله من تكثيف وإختصار، فهل لي أن أسألك ما الذي استهواك في الــ "ق. ق. ج." ؟
الإيجاز والتّكثيف والمفارقة والإدهاش من خصائص القصّة القصيرة جدّا التي تقول الكثير في كبسولة سرديّة واحدة ,هو انتقال من فضاء السّرديّات الكبرى إلى فضاء السّرديّات النّوويّة الصّغرى حتّى أنّ بعض الرّوايات يمكن اختصارها في قصص قصيرة جدّا، هذا النّوع الذي شدّني كثيرا فأصدرت ثلاث مجموعات، ولي مجموعة رابعة قيد النّشر.
إنّه جنس يختصر الكلام والأحداث ويواكب عصر السّرعة، ويتميّز بجماليّة متأتّية من الاستفادة من اللّغة الشّعريّة بإيحاءاتها واستعاراتها الكبرى، ومجازاتها ولغتها المكثّفة.
أشتغل كثيرا على نوع القصّة القصيرة جدّا، فهي بالنّسبة لي مشروع سرديّ كبير حيث أنّ مدوّنتي في هذا الغرض تعدّ الأكثر غزارة في تونس ,فالقصّ القصير أراه نصّا أقرب إلى النصّ النّثر- شعريّ باعتباره دامجا لنوعين هما السّرد والشّعر ، مع أنّه يختلف عن قصيدة النّثر التي لها من الخاصّيات ما ذكرت ، فالحكائيّة هي الخاصيّة الفارقة والمميّزة للقصّ القصير جدّا عن القصيدة النّثريّة ،علاوة على اللّغة المختلفة والحبكة القصصيّة.
كونك كنت ضمن الهيكل الإداريّ لبعض المؤسسات الثّقافية التّونسية، برأيك.. ما هي الأمراض التي تعاني منها الحياة الثّقافية التّونسية، والعربية عموما؟
المؤسّسات الثّقافيّة العربيّة الرّسميّة لا مشاريع لها لبناء إنسان متكامل الأبعاد ينشد مواكبة العصر والإسهام في خلق الثّروة والمعرفة والعلوم والتّقنيّات والقيم الإنسانيّة النّبيلة ,كما هو الحال بالنّسبة للمؤسّسات السّياسيّة التي تقوم بتصريف أعمال اليوميّ دون أيّة مشاريع تنمويّة تذكر.
والأمر قد يختلف قليلا فيما يتعلّق بمكوّنات المجتمع المدنيّ كالمنظّمات والجمعيّات الثّقافيّة التي تعمل بشكل مواز ومختلف ,ويحاول بعضها التّأسيس لثقافة التّغيير والتطّور والانفتاح والتّعايش المدني السّلميّ ،غير أنّها تجابه مشكلات عديدة لعلّ أهمّها أنّ السّلطة عموما في الوطن العربيّ لا تعير أيّة أهميّة للثّقافة والإبداع ,ولا تراهما ركيزة أساسيّة لبناء الإنسان الجديد الذي نطمح إليه.
لقد انتميت لسنوات إلى هيكل اتّحاد الكتّاب التّونسيّين وإلى جمعيّات ثقافيّة عدّة، وباختصار شديد وجدتها بمثابة هياكل تعيد إنتاج نسخ متشابهة من التّظاهرات والمهرجانات في إطار ثقافة عابرة لا تبني ولا تؤسّس لشيء عدا الاستنساخ واجترار المكرور ,هذا فضلا عن طابع عمل العصابات التي يسود معظمها حيث الميل إلى تعويم الجيّد من الإنتاجات الأدبيّة ،وإبراز التّافه والرّديء.
دعني أقول إنّ الثّقافة رغم أمراضها تبقى الأمل الوحيد والواجهة التي تقاوم لأجل بقاء الإنسان العربيّ ,فيما مجتمعاتنا ودولنا تظلّ على هامش التّاريخ والحضارة ,فنحن أمّة على شفا الحضيض والانحدار على جميع الصّعد.
لكلّ مبدع طقوسه الخاصّة، فيُقال إنّ (سارتر) قد أبدع كتابه الشّهير(الوجود والعدم) في مقهى باريسيّ، أمّا (ماركيز) فكان يكتب وهو يرتدي ملابس الميكانيكي ,ماذا عن إبداع (محمد بوحوش)..هل لديك طقوس معيّنة عند الشّروع في الكتابة؟
طقوس الكتابة تختلف من شخص إلى آخر ,إن شئت هي مرحلة ما قبل النصّ أو مناخ ولادته ،أو هي لحظة المكاشفة الشّعريّة ,أجلس بمكتبي وأقرأ بنهم فتلهمني القراءة الأفكار ,غالبا ما أرمي بالكتاب في الهواء إذا ما نال إعجابي فرحا وانبهارا به ,ولحظة الكتابة يكون ارتباكي، فكثيرا ما ينتابني القلق، وأشرع في قضم أظافري ثمّ تنهال عليّ القصيدة فأكتبها ثمّ أتركها قليلا ، وأعود إليها لتقليمها وصقلها ، وهنا تأتي التّجربة أثناء عمليّة التّشذيب والتّجميل والتّحلية.
عموما هو مناخ لا يخلو من القلق والحزن والتّركيز ثمّ العود إلى الفرح العارم حين أنهي كتابة نصّي الشّعريّ.
هل سبق وأن زرت مصر من قبل؟ وماذا عن علاقتك بالشّعراء المصريين.. ولمن تقرأ منهم؟
زرت مصر عابرا وأقمت في القاهرة ليلة واحدة مارّا إلى دولة الإمارات.
مصر بالنّسبة لي بلد عربيّ كبير من حيث الجغرافيا والموقع الاستراتيجيّ والزّخم البشريّ والإبداعيّ.
تعرّفت إلى أدباء كثر منهم من ترجم مختارات من أشعاري إلى اللّغة الإنكليزيّة، وهو الشّاعر الصّديق حسن حجازي ، ومنهم من ألهمني الإبداع وفتح آفاقي على تجارب مختلفة.
لن أذكر شعراء الحداثة المصريّين الذين قرأت لهم الكثير، بل إنّني مهتمّ بجيل آخر من الشّعراء الشّباب الذين يكتبون بشكل مختلف ويؤسّسون للجديد في الشّعر العربيّ أذكر على سبيل المثال الشّعراء: عبد الغفار العوضي، أشرف جمّال ، ديمة محمود، عمرو قطامش، ، فتحي عبد السّميع ، جمال القصاص، محمّد أبو زيد، حنان شافعي ، عبير عبد العزيز، مؤمن سمير، والقائمة تطول..
يقول(يفتوشينكو) أن "سيرة الشّاعر هي شعره، كل ما عدا ذلك محض هامش"، فهل لنا أن نختتم حديثنا بالشّعر ؟
ليكن هذا الشّعر هديّة منّي لــ مجلّة مصر المحروسة..
لم أعدُ أفهمُ:
عندَما كنتُ فتًى يافعًا
كان اللهُ في خاطري أجملَ،
- ولمّا يزلْ في قلبِي الأجملَ-
فحينَ تمرُّ امرأةٌ جميلةٌ، مرورَ الكرامِ
كنّا نصيحُ: "اللهُ أكبرُ!"
وحينَ نسْتمعُ إلى أمِّ كلثومَ
نصيحُ أيضًا :"اللّه أكبرُ!"
الآنَ، كبُرتُ ولم أعدْ أفهمُ،
فحينَ يصْرخُ في الشّارعِ
أو في السّوقِ أو في المقْهى أحدٌ مَا :
"اللّهُ أكبرُ؟"
ترْتجفُ القلوبُ ،
وينْبطحُ النّاسُ أرضًا،
خوفًا من جَسدٍ عربيٍّ مُفخّخٍ.
حقيقةً لم أعدَ أفهمُ ،
لذلكَ أعدتُ ترتيبَ وضْعي:
ها أنَذا منذُ "داعشَ" و"مسيلمةَ"
أمْشي على رأسِي في أمّةِ "يَعْرُبَ".
مِنفضةٌ:
الحياةُ؟!
مثلمَا يُدَخّنُ شَخصٌ ما سيجارةً
ويُلقي بعقبِها في المِنفضَة.
حيَاتي مِنفضةٌ:
فيها انطفأتْ آهاتٌ ،
وصَرختْ أرْواحٌ ،
فيها فاحَتْ عُطورٌ ،
وهمْهَمتْ أصْواتٌ.
تعثّرتُ مِرارًا
مِثلمَا يتَعثّرُ إنسانٌ مَا
في طريقِه.
تغيّرْتٌ وغيَّرْتُ ،
مِثلمَا يُغيّرٌ إنسانٌ مَا
قمِيصَه.
الآنَ،
لوْ أعدْتُ تشْكيلَ حَياتي:
لكانَتْ مِزهَريّةً
كلّمَا ذبلتْ ورْدةٌ فيها،
أينَعتْ ورْدةٌ أخرَى.