القاهرة 26 يونيو 2018 الساعة 10:57 ص
طه عبد المنعم
إنما ليس هذا ما يدفعنى للكتابة عن رواية سناء عبد العزيز الأولى "فيدباك" التي حصلت على الجائزة الأولى للطيب صالح السودانية 2017. تلك الجائزة، بحكم متابعتى، تختلف في معايرها وتحكيمها عن معظم الجوائز العربية، فأبرز ما فيها أنها بروح ونكهة سودانية خالصة لا تشوبها شائبة، السودان بحكم أشياء لا تعد ولا تحصى عمق لمصر. وأسم الأديب السودانى الطيب صالح نفسه يشى بقدرة غير عادية في سبر أغوار هوية الإنسان وتواجده في العالم.
الرواية عن امرأة تعرف نفسها (أظن ذلك؛ تعرف نفسها كشاعرة ولكنها انقطعت عن كتابته منذ القت بها دوامة الحياة في الزواج والأنجاب والعمل بالتدريس) لكن تبحث عنها في توهة ودوامات الحياة، تبحث عنها من خلال الم ووجعها مع اخواتها الخمسة، تتلمس الطريق والدليل من خلال الـ "فيدباك" الذى تقابله في حياتها، تبنى لها تاريخ ومجد من الـ "فيدباك" على الموقع الافتراضى الذى ضاع في لحظات. تواجه صعوبات أو كما تقول عن طريقها "طريق معبدة بالعقبات" وتجتازها بقليل من الألم وكثير من الجروح، بمساعدة زوجها تارة، أو آخرين تارة أخرين. نفضت عن نفسها خمس عشر عاما في العمل كمدرسة لتلقى بنفسها في مجال اخر وهو الترجمة كـ "فرى لانس" المعتمد بشكل ما على الـ "فيدباك" لاستمرار العمل، وهو ما راجعها لترى حياتها كلها معتمدة على "فيدباك" ناس آخرين قد يضيع في لحظات.
الكاتبة برعت في إضافة عدة مميزات لتيارالوعى المستخدم كأسلوب لكتابة رواية هذه المرأة، تفردت بها، منها أنها تحادث كل شيء وليس نفسها فقط، فتراها مثلا تحادث الفيسبوك وتحثه على عدم إلقاء مزيدا من الخيارات لأنها حسمت اختيارها بالفعل. كما أن تيار وعى البطلة يضيع في تيار وعى نساء أخريات، هن اخوات البطلة الخمس، فيبدأ الفصل بـ "أسمى ... " لندخل في تيار وعى الأنثى الأخرى ونجدها تستكمل تيار وعي البطلة، فهى تحقق بشكل ما تصديرها من الشاعر محمود درويش "الان، انت اثنان، أنت ثلاثة، عشرون، ألف، كيف تعرف في زحامك من تكون؟"
كيف تعرف في زحامك من تكون؟ إشكالية تُضاف الى توهة ودوامة للبطلة.
مصطلح البطلة مناسب بشكل ما لوصف الشخصية الرئيسية في الراوية التي لا تحمل اسما، فهى بطلة اغريقية، تخرج من عقبة الى أخرى، ولا تحطمها بالرغم من انها تترك بها جروح وندوب، ولكنها تكمل الطريق وحياتها، وترى العوائق والصعوبات لحياتها لا تنفصل عن التي قد تواجهه أى أنثى أخرى، فوجدت ضالتها في قصص أخواتها الذين يرزحون تحت وطئ سلطة ذكورية لأب مطحون ويطحن تلك العائلة بالفقر وجيش من القوارض ينتظره بالقبر. ترك لهن أسماء من معجمة الخاص، قد تراها فرض سلطة بشكل آخر، فهذه الأسماء لم تكن لها معنى في الواقع. على العكس من الأخ فلم يترك للذكر إي اسم فكانا دائم المناطحة معه ولم يستطع فرض سيطرته عليه.
بالرغم من تماسها مع اخواتها الخمس ولكنهن أنفسهن يتركن بها ندوب وجروح.
يرتبك القارئ في أجزاء كثيرة في الرواية ولا يعرف ما الشخصية التي يتابعها، هل هي حماتها أم أمها أم أحد أخواتها (البطلة)، الشئ الوحيد الذى يغفر للقارئ هذا الارتباك؛ هو جمال اللغة وسلاستها. ويبدوا ان هذا بالتحديد الذى اغرى الكاتبة بالاسترسال في تداخل الشخصيات. قصص نساء الرواية موجعة ودرامية، وتعى البطلة ذلك فتترك لهن منصة الحكى حينما يأخذها تيارها للحديث عن معاناتها. بعد فترة، من وجع القصص لا يهم القارئ ما هي الشخصية التي تحكى، فالوجع والألم واحد في النهاية، والكل مدان ومخطئ بدرجة أو بأخرى ولن تعرف اى واحدة من الأخوات الست هي الراوية والبطلة، التي يظلمونها في الاخر ويسلبوها حقها. الرواية تمتلئ بقصاصات اشعار ومقتطفات من كتاب نساء يركضن مع الذئاب لكلارسا بنكولا.
الرواية صدرت في طبعة أولى مصرية عن دار بتانه، وطبعة أولى سودانية من مؤسسة الجائزة "جائزة الطيب صالح العالمية للأبداع الكتابى الدورة السابعة 2017 الخرطوم"