القاهرة 23 يونيو 2018 الساعة 04:13 ص
أكرم مصطفى
صدر العدد (47) من مجلة "ذوات"، الثقافية العربية الإلكترونية الشهرية الصادرة عن مؤسسة "مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث"، والتي ترأس تحريرها الصحفية والكاتبة المغربية سعيدة شريف. وقد تصدر العدد ملف بعنوان :"الشعبوية ونزوعات التفكير السياسي الجديد"، والذي أعدّه الباحث المغربي إدريس الكنبوري، متضمنا لتقديم بعنوان "الشعبوية... المفهوم والتجلّيات شرقا وغربا"، وثلاث مقاربات: الأولى للكاتب والباحث اللبناني د. هشام عليوان، الذي تناول موضوع "الشعبوية في سياقاتها التاريخية"، والثانية للباحث المغربي في العلوم الاجتماعية والإنسانية الطاهر بكني حول "الافتراضي والشعبوية، دور الملتميديا في تصاعد الخطاب الشعبوي"، والثالثة للباحث والأكاديمي الجزائري د. محمد بغداد، بعنوان "النخب السياسية الجزائرية وتجليات ممارسة الشعبوية". أما حوار الملف، فهو مع الباحث المغربي الدكتور سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة العين للعلوم والتكنولوجيا بأبوظبي، وجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، والذي أكد فيه أن الشعبوية هي نتيجة عوامل موضوعية سياسية واقتصادية واجتماعية، منها الفساد السياسي والهجرة وآثار العولمة الاقتصادية والأزمة الاقتصادية العالمية لعام 2008. ورأى، خلافا لما هو سائد، أن الشعبوية الجديدة لا تشكل تهديدا حقيقيا للديمقراطية في حد ذاتها، ما لم تتحول إلى حركات نازية أو فاشية، لأنه ليس من أهداف هذه الأحزاب الشعبوية إلغاء الديمقراطية، عكس الأحزاب الشوفينية التي تنزع إلى الاستبداد وإلغاء الآخر، لكنه يعتقد في المقابل، أن الشعبوية تشكل تهديدا لبعض مظاهر الديمقراطية الليبرالية، مثل حرية التعبير، وحرية الصحافة، والتعدد الثقافي.
وبالإضافة إلى الملف، يتضمن العدد (47) من مجلة "ذوات" أبوابا أخرى، منها باب "رأي ذوات"، ويضم ثلاثة مقالات: "الفكر الإخواني بين "العمامة" و"الزعامة" للكاتب والصحفي المصري وائل سعيد، و"التفوّق بين دلالة المعايير وإشكالية القيمة الإنسانية" للباحثة السورية روضة عبد الخالق، و"على خلفية وفاة العالم الفيزيائي ستيفن هوكينغ: أين العرب؟ ولماذا تهاجرُ كفاءاتهم العلميّة؟!" للكاتب السوري نبيل علي صالح؛ ويشتمل باب "ثقافة وفنون" على مقالين: الأول للكاتب والناقد اليمني رياض حمادي بعنوان "من الحياة في كوبنهاجن إلى الموت في صنعاء: اليمن في عيون الرحالة والمغامرين"، والثاني للأكاديمي المغربي محمد الديهاجي بعنوان "الشعري والسيرذاتي في "شرفة يتيمة" لصلاح بوسريف".
ويقدم باب "حوار ذوات" حوارا حصريا مع الدكتورة أسماء المرابط، الباحثة المتخصّصة في قضايا المرأة والإسلام، التي تعرّضت في الفترة الأخيرة بالمغرب، إلى هجوم شرس من قبل المحافظين، بسبب رأيها الحداثي حول موضوع الإرث، ومقاربتها لإشكالية المساواة في الحقوق من داخل المرجعية الإسلامية، وهو ما دفعها إلى تقديم استقالتها من رئاسة "مركز الدّراسات والأبحاث في القضايا النسائية في الإسلام"، التابع لـ "الرابطة المحمدية لعلماء المغرب". وفي هذا الحوار تقدم المرابط بتفصيل حيثيات هذا الموضوع، ورأيها في العديد من القضايا الشائكة كالمساواة، والإرث، والتعصيب. الحوار أجراه الباحث والمترجم المغربي محمد معاذ شهبان. أما "بورتريه ذوات" لهذا العدد، فقد خصصناه للمثقف والكاتب اليمني الراحل هشام علي، الذي بصم الحياة الثقافية اليمنية، وعدّ أحد أعمدة الحكمة السبعة بهذا البلد السعيد، وهو من إنجاز الكاتب والناقد اليمني صلاح الأصبحي.
وفي باب "سؤال ذوات"، يستقرئ الكاتب والإعلامي الأردني مروان البطوش آراء مجموعة من الباحثين والكتاب العرب حول سؤال: هل الشعبوية نزعة أيديولوجية أم رؤيا جديدة للعالم؟ وفي "باب تربية وتعليم" يقدم الكاتب والباحث المغربي أحمد سوالم مقالا بعنوان "العنف في الوسط المدرسي"، فيما يقدم الباحث المغربي ياسين عتنا قراءة في كتاب "سوسيولوجيا الأديان" لجميل حمداوي، وذلك في باب كتب، والذي يتضمن أيضاً تقديماً لبعض الإصدارات الجديدة لمؤسسة "مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث"، إضافة إلى لغة الأرقام، التي تسلط الضوء على نتائج مؤشر "بلومبرج" للابتكار للعام 2018، والذي تصدرت قائمته كوريا الجنوبية، وخرجت الولايات المتحدة الأمريكية من المراكز العشرة الأولى فيه لأول مرة، لتحتلّ المركز11.
وقد جاء في مقدمة الملف استقصاء لمفهوم الشعبوية وأسئلتها حيث طغى في السنوات الأخيرة مصطلح "الشّعبوية" بشكل كبير، حيث صار يتداول في كلّ النقاشات السياسية، وفي العمليات الانتخابية، خاصة مع ظهور شخصيات كاريزمية تجنح في خطاباتها إلى تقديس الشعب، وادعاء أن الشعب هو مالك الحقيقة، وبإمكانه تخليص العالم من كلّ الشرور الممكنة، وفي تحدّ سافر لكل المؤسسات التقليدية وللديمقراطية.
ولدت "الشعبوية" في روسيا والولايات المتحدة الأمريكية في أواخر القرن التاسع عشر، وهي في الأصل تعني "حركة زراعية بإيحاءات اشتراكية، لتحرير الفلاحين الروس حوالي العام 1870"، وفي الفترة ذاتها، انطلقت حركة احتجاجات في الريف الأمريكي موجهة ضد البنوك وشركات السكك الحديد. وفي منتصف القرن العشرين، اكتسب هذا المصطلح صفات جديدة في أمريكا اللاتينية مع الزعيم الأرجنتيني خوان بيرون، والبرازيلي غيتوليو فارغاس، اللذين جسدا حركات شعبية بإيحاءات وطنية واجتماعية في بعض الأحيان، من دون أية إشارة إلى الماركسية ونضال الطبقات أو الأيديولوجية الفاشية.
أما في أوروبا، فـ "الشعبوية" تعني عادة حركات اليمين أو اليمين المتطرف، و"الشعبوي" هو "من يتلاعب بأفكار الناس لغايات سياسية"، و"الشعبوية" بشكل عام "لا تستخدم للتوضيح بقدر ما تستخدم للتنديد". إنها مصطلح يمكن أن يحل محل مفردات أخرى حسب الحالات، مثل: "القومية"، و"الحمائية"، و"كراهية الأجانب"، و"الشوفينية"، و"تبسيط الأمور"، ويحددها قاموس "بوتي روبيرpetit Robert "، بأنها "خطاب سياسي موجه إلى الطبقات الشعبية، قائم على انتقاد النظام ومسؤوليه والنخب"، ومع ذلك، فهي إلى اليوم مصطلح صعب التحديد، كما يرى العديد من الباحثين الغربيين المتخصصين في الموضوع، وتكمن صعوبة تحديد معناها في أنها "ليست مفهوما".
وعلى الرغم من كل هذا اللبس، فقد انتشرت الشعبوية، واكتسحت العالم من جديد، مع صعود دونالد ترامب إلى سدة الحكم بأمريكا، وامتدت إلى العالم العربي مع موجات "الربيع العربي" فأفرزت زعماء شعبويين متسلطين، تبنوا سياسات شعبوية، جلبت كوارث على بلدانها، كما أن موجة "الربيع العربي" أعطت دفعة قوية للحركات الإسلامية التي خرجت للتظاهر في الشارع، وجعلت منها نموذجا لـ "الشعبوية الجديدة"، حيث قدمت تلك التيارات الدينية نفسها على أنها الممثل الوحيد للشعوب العربية، وتجلّى ذلك من خلال الخطاب السياسي والديني الذي روجت له، ذلك الخطاب الذي نادى بإقصاء الآخرين وحملهم المسؤولية في ما آل إليه الوضع في المنطقة العربية، منهم من طالب بالقصاص من الدولة، والخضوع لمنطق الشارع ودغدغة مشاعر الناس العاديين بشعارات سياسية ودينية عامة، ومنهم من تواطأ مع السلطة وساهم في إخماد الثورات من أجل الحصول على مراكز سياسية متقدمة، متذرّعا بالدين والخطابات الشعوبية التي لا تخدم الشعب بالمرة.
ولأن "الشعوبية" أكبر معاول هدم الديمقراطية، وأعظمها خطرا على مستقبلها، فإنها قد فعلت فعلها في العالم العربي الإسلامي، وقضت على الكثير من المبادرات التقدمية والديمقراطية وهي في المهد، كما عصفت بالتعددية، وجعلت المشهد السياسي العربي رحى لخطابات شعبوية جوفاء، نزلت به إلى الحضيض، فقد ارتأت مجلة "ذوات" تسليط الضوء على هذا الموضوع، الذي استأثر باهتمام العديد من الباحثين الغربيين والعرب في السنوات الأخيرة، لمعرفة هل الشعبوية نزعة أيديولوجية، أم رؤيا جديدة للعالم، خاصة أنها برزت بشكل كبير مع الحراك العربي، وارتبطت بالشعب، وكان لها تأثير كبير على الجماهير الواسعة وفي وسائل التواصل الاجتماعي، وظهرت لها زعامات، جهرت بخطابات شعبوية تتسلّح بالدين وتمثل أغلبها مجموعة من التيارات الدينية، وتقدم نفسها على أنها الممثل الوحيد للشعوب العربية، وأنها هي المنقذ لكل الجماهير الشعبية من القمع، والضامن للكرامة، والداعي لتحقيق كل المطالب والحقوق.