القاهرة 12 يونيو 2018 الساعة 11:39 ص
صلاح صيام
الناقد الفنى محمود قاسم:رمضان الذى يسكننا ونعيش من أجله
د.حامد طاهر: شهد مولد كتابي "عناقيد الحكمة".. و"المختصر في الحب"
د. صلاح الراوى: مشروع ناجح للقراءة الهادئة الطويلة
رمضان شهر يحمل بين طياته عدة معان دينية وروحية.. ويأتينا كل عام في وقت مختلف والعوام يصومون نهاره ويحاولون إحياء ليله بقدر المستطاع، فماذا عن المبدعين وماذا يمثل لهم هذا الضيف الكريم هل هو فرصة للراحة والاستجمام والبعد عن العالم المادي، والغوص في الروحانيات والانكفاء علي الذات، أم أنه ملهم للإبداع علي اعتبار ان كثرة الطعام لا تعطي مجالا للعمل الذهني، أم أنه مزيج من العمل الابداعي، والنهل من بركته.. في هذا التحقيق نحاول معرفة كيف يقضي المبدعون رمضان..
الكاتب والمؤرخ والناقد محمود قاسم:
, لاشك أن رمضان له مكانة كبيرة في حياة كل منا , فهويمثل بالنسبة لنا أفضل مافينا من ذكريات ومشاعر,انه كائن حي , يعيش معنا و حتي اذا غادرنا رحنا نعيش من أجله
انه شهر الصيام , وقد صار مع السنين الطويلة التي مرت بنا بمثابة مستودع ذكريات خاصة بالنسبة لمن كان طفلا يعشق السينما , والكتب, ولمن كان جده هو الشيخ أحمد بدوي امام وخطيب مسجد القومندان في كرموز, وأيضا الشيخ الذي يلتف حوله الناس كل يوم في المسجد
بين صلوات المغرب والعشاء, وبدأت أشعر أنني صرت كبيرا والجلسة تضمني مع من يكبرونني, وهكذا صار التواجد في المسجد بمثابة العيد الحقيقي, حتي صرنا نعتمد علي أنفسنا وكنا إذا أخذنا المصروف هرولنا الي قاعات السينما في حينا الشعبي القديم بكرموز , نشاهد أفلام العرض المستمر, قبل الافطار وبعده أربعة افلام بتذكرة واحدة و بنظام سل صيامك , وتفتحت مداركنا لنشاهد أنور وجدي, وفريد الأطرش, ويوسف وهبي, مائة وعشرون فيلما في شهر واحد, وعلي مثل هذا العدد من المشاهدة كبرنا, افيشات السينما تعلق أسماء الأفلام المنتظر عرضها , اوكازيون من نوع خاص, انها شحنة مكثفة من الثقافة التي جعلتنا نقرأ الروايات المأخوذ عنها بعض هذه الأفلام فتتفتح أمامنا سبل المعرفة , نتعلم أن الفنون وحدة واحدة, الموسيقي, والفن التشكيلي, والثقافة لاتعني القصص فقط بل أيضا قراءة التاريخ, والفكر والفلسفة , وسير الشخصيات العظيمة في كافة المجالات , وهكذا تحول شهر رمضان بكافة طقوسه الي مستودع ذكريات , ومعرفة وعبادات, وتنوير في المقام الأول, في هذا الاطار أيضا تبقي ذكريات أيام اكتوبر, كتيبة الاشارة بالبحر الأحمر ايام مليئة بالتوتر والحماس, وتحقيق الحلم , نحن الشباب المجند الذي رأي أن التجنيد وسيلة لتذوق طعم النصر , الاعصاب متوترة , والأخبار تثلج الصدر, انها ذكريات لا تنسي , صار زملاء" القروانة" هم أسرتك المصرية البديلة , قد نموت معا , وقد نصاب معا , لكن لاشك أن الوطن مكان في فرحة , انه رمضان الذي لاينسي.
ويقول الشاعر الكبير سمير عبدالباقي: رمضان كان زمان أيام المؤذن الذي كان يصيح فيألب الروح المعنوية للصائمين، وكان ذلك في تجميع الأسرة وصلة الرحم الذي انقطع بسبب صعوبة المواصلات وزحمة الشوارع وكما قلت سابقا: "رمضان من غير أبويا وأمي مفيش رمضان".. التليفزيون والمسلسلات حاصرت الناس في بيوتهم ولم يعد هناك مكان للحكمة من الصوم وهي التقوي، وكما قال القائل: "نصوم عن حلاله ونعمل حرامه".. أين الصغار الذين يلعبون في الشوارع فيشيعون البهجة والفرحة أين القمر الذي اختفي وراء العمارات الشاهقة فأنا الآن أجلس في بلكونة منزلي لا لأشاهد ولكن لأراقب الخناقات التي تشتعل لأتفه الأسباب وأتامل العبارات التي تخدش الحياء وأشاهد عجز رجال المرور عن تنظيمه، وأشهد ان رمضان تحول من شهر الزهد والتعالي علي متع الدنيا الي شهر الأكل والمظاهر والتنافس علي شراء الأشياء مع ان الناس كل الناس مرهقة وغلبانة.
ويتفق معه الدكتور حامد طاهر في ان رمضان كان زمان فهو يتذكر طفولته التي كانت في حي الحسين حيث الأسر متوسطة الحال وكان يتاح لنا فرصة اللعب لفترة اطول من الليل في هذا الشهر وكان لعبا بريئاً، وكان أهلنا يدفعوننا الي الحياة الدينية وسماع القرآن والصلاة في مساجد الحسين والسيدة زينب.. هذه الطفولة لا أجدها الآن بسبب ضيق الشوارع والسيارات المركونة فيها، والنوادي ـ إن وجدت ـ لا تؤدي هذه الروح الرمضانية اللهم إلا في بعض الأحياء الشعبية.. وشهر رمضان فرصة كبيرة للقراءة.. فأنا قرأت كتاب الفتوحات الملكية لابن عربي وهو مجلد ضخم مليء بالروحانيات في رمضان، وكذلك ألفت كتابي "عناقيد الحكمة".. و"المختصر في الحب".. والآن أتابع الكتابة في وسائل الإعلام.
الدكتور عبدالوهاب بكر أستاذ التاريخ بجامعة الزقازيق يقول: رمضان هو شهر الراحة بالنسبة لي، فمعروف ان الجوع يؤدي الي نقص نسبة السكر في الدم، ويقل وصول الدم الي المخ، وبالتالي أنا أري أن هذا الشهر للاستجمام والراحة، فأجعله للصلاة وقراءة القرآن، والاستمتاع بصلاة التراويح، أي أنه إجازة إجبارية ولكنها لذيذة لأنها مرتبطة بالروحانيات وبعيدة عن الماديات التي طغت علي حياتنا ومن ثم أفسدتها
المفكر الفلسطيني عبدالقادر ياسين يري أن رمضان شهر العمل بالنسبة للمبدعين بسبب المكوث في المنزل والمساحة الممتدة للتأمل والمراجعة واعتقد ان جميع الإلهامات تأتي في هذا الشهر الذي يحمل مجموعة من الطقوس والشعائر التي تضفي جلالا وهيبة مما يسهل كثيرا للمبدعين مهمتهم.. وشهر رمضان شهد مولد أول كتبي العلنية بعد سلسلة كتب سرية ـ وكان بعنوان "كفاح الشعب الفلسطيني قبل عام 1948" الذي انتهيت منه في عام 1972 وصدر في مايو 1975.. واعتبر كذلك ان رمضان راحة من التحرك وفرصة سانحة للكتابة المتأنية العميقة.
الدكتور صلاح الراوي أستاذ الأدب الشعبي يري أن رمضان فرصة كبيرة للبعد عن الضوضاء التي في الخارج ووضع مشروع للقراءة الهادئة الطويلة، واتذكر انني كتبت صفحة كاملة في إحدي الصحف بعنوان "المصري يحب علي المذاهب الأربعة.. صيغ العشق عند المصريين".. دون أن يتعارض ذلك مع حرمة الشهر الكريم لأن اللغة كانت محترمة وهادفة.