القاهرة 12 يونيو 2018 الساعة 11:32 ص
جيلان صلاح الدين
يعتبر نقد التمثيل بالذات أمراً نسبياً، يتأرجح ما بين ناقد وآخر، فنادراً ما تجد الممثل الذي لا يختلف عليه اثنان، وقد يتطلب هذا درجة عالية من التقمص والأداء المضبوط، مما ينزع أحياناً صبغة التجريب عن النمط الكلاسيكي للمثل البارع؛ ومن كان يتخيل بينما كريستن ستيوارت تؤدي دوراً ركيكاً في فيلم المراهقة متواضع المستوى حتى بالنسبة للجانر "النوع" الذي ينتمي إليه "توايلايت" أنها قد تحصل يوماً على جائزة رفيعة كجائزة سيزار في التمثيل عن دورها في فيلم "سيلز ماريا" ?وليفييه أساياس.
لهذه المقدمة ضرورة؛ وهي أن الممثل الجيد والذي يختلف عن نظرائه هو الممثل الذي لا يكل من الاشتغال على نفسه بالصورة التي يراها هو جيدة بحيث يتنوع مشواره الفني من محطة لأخرى، وإن اعتمد توحيد أدائه في غالبية الأدوار. ومن هنا يأتي أحمد حاتم كوجه طموح لممثل يشق طريقه بثبات وبصورة قد لا يستوعبها أحد سواه، ومن خلال مشواره الفني يمكن استقراء محاولاته المجتهدة والدؤوبة على التعاون مع أكبر عدد من المخرجين والفنانين بحيث تتطور أسلوبيته من خلال عمله على نفسه وتطوير مكامن الضعف في أدائه التمثيلي.
وهل حدث هذا؟
بالفعل، وضع حاتم عينه ربما على مثال شديد التميز مثل ليوناردو ديكابريو، والذي تحرر من عباءة الولد الوسيم معشوق المراهقات إلى الممثل المخضرم الذي صبر ونال جائزة الأوسكار بعد مشوار طويل بدأه مراهق ناعم في "تايتانيك" والمعالجة مابعد الحداثية ل "روميو وجولييت" وختمها بدور استنزفه بدنياً ونفسياً مع "أليخاندرو إيناريتو" في "العائد"، من كان يتخيل من النقاد بينما يشاهد ليوناردو ديكابريو يخفق في أولى تجاربه التمثيلية بعد تايتانيك مع فيلم "الشاطئ" للبريطاني داني بويل أنه قد يصبح يوماً هذا النجم المخضرم الذي تابع بجدية أدوار شديدة الأهمية سواء مع مارتن سكورسيزي أو كوينتن تارانتينو وكلينت إيستوود وغيرهم. من يمكن أن يتنبأ ?حمد حاتم بالمثل أو بالعكس.
في مسلسل "فيرتيجو" قدم حاتم دوراً واعداً للصحفي علاء الذي يمر بأزمة أخلاقية ما بين مبادئه الصحفية ومثالية زوجته التي يحبها، وبين الواقع الذي يعيشه والذي يتطلب منه أن يكون أقل مثالية عما نشأ عليه من منظومة القيم والأخلاق الأدبية والاجتماعية. كان الدور شديد الأهمية والتعقيد، وإن عانى حاتم من عيب في الطريقة التي ينطق بها الكلام، مما أوصل الحوار منقوصاً للمشاهدين، وبالتالي أفقد تمثيله المجهود المبذول الواضح وراء الدور. عانى أيضاً حاتم من المبالغة في أداء دوره كيهودي متطرف في مسلسل "حارة اليهود" وانتقده النقاد في طريقة نظراته المبالغ فيها مما أخذ الدور لمنطقة أضعفت من قيمة المجهود الذي بذله فيه حاتم؛ حتى أتى دوره المحوري في مسلسل "رسايل" (سيناريو مبهر ومحكم وتراكمي للمبدع محمد سليمان عبد المالك)، والذي استلهم فيه حاتم قتامة أدواره الأخيرة، على وجه الأخص دوره في مسلسل "ابن حلال" لنفس المخرج الواعد إبراهيم فخر، وإن كان أداؤه قد تطور بصورة مبهرة، استطاع حاتم عن طريق نظرات عينيه المحسوبة بغير افتعال أن يعكس تماماً أعماق الشخصية، وطريقته التمثيلية التي أتت باردة بلا مشاعر كانت مناسبة تماماً لدور الرجل الغامض أو الطيف الحاضر الغائب والذي لا يعرف لا المشاهدين ولا أبطال الحكاية التي ينتمي إليها ما دوافعه أو أهدافه؛ وفي نفس الوقت اختلفت طريقته التمثيلية تماماً في سامح الذي يقتحم لاوعي هالة عن الشاب العنيف المتعطش للقوة والسيطرة والتي يخرج بها من إطار الكاريكاتورية إلى الانطباعية، خاصة إذا ما تخيلنا أن المشاهد التي تظهر كلمحات من حياته الشخصية ما هي إلا انطباعاته هو الشخصية عن الكيفية التي كان يتصرف بها في الحقيقة؛ فالحقيقة كما يقول دافيد إيجلمان أستاذ العلوم العصبية بجامعة ستانفورد "غير موضوعية بالمرة، وتختلف من شخص لآخر" فحقيقة سامح والطريقة التي يتصرف بها في الحقيقة كما ظهرت لنا في الأحلام التي سمح هو فيها لهالة باختراق لاوعيه ما هي إلا انطباع سامح ذاته عن الكيفية التي دارت بها هذه الأحداث في "حقيقته الخاصة به، فلا حقيقة موضوعية مطلقة"، ومن ثم، يمكن تأويل الطريقة المظفرة التي أدى بها حاتم دور سامح في "رسايل" في مشاهد الفلاش باك إلى انطباعه سامح عن نفسه في هذه المشاهد، ويُحسب لحاتم إمساكه بالخط الفاصل ما بين سامح الحر الطليق في لاوعيه يتحرك كطيف بارد المشاعر، قاتم بقدر ما يحمل من آثام الموت والرعب اللذين كان ينشرهما أينما ذهب، وسامح الحقيقي كما رأى سامح نفسه؛ قوياً، متمكناً، مطلق القدرة.
من تابع أحمد حاتم منذ "ابن حلال" و"فيرتيجو" وحتى هذه اللحظة، يمكنه أن يلمس بشدة كيف تطور أداءه، خاصة لعمله مع أهم مخرجي الدراما بالذات أمثال محمد بكير وهاني خليفة وإبراهيم فخر وعثمان أبو لبن وبيتر ميمي، ومؤخراً ينضم حاتم لفريق عمل فيلم "التاريخ السري لكوثر" للمخرج صاحب الرؤية والمشروع الواضح محمد أمين، مما يبشر بمرحلة يخرج فيها حاتم من ميراث تاريخه الفني السابق وينطلق في دأب واجتهاد واضحين لاكتشاف مكامن أخرى في قدراته التمثيلية، قد لا يكون هو واعياً بها حتى الآن.