القاهرة 22 مايو 2018 الساعة 11:16 ص
شيماء عبد الناصر حارس
تطل المرأة كموضوع فني منذ القدم في كل الأنواع الأدبية والفنية من شعر وقصة ورسم ونحت وغناء وموسيقى وغيرها. بالطبع تختلف الزوايا ووجهات النظر والرؤيا التي يحددها الفنان لنفسه من خلال فلسفته الخاصة. ومن خلال هذه الفلسفة بالذات يعبر الفنان كل الحدود والقيود التي تفرضها الثقافة العامة أو وجهات النظر الخاصة. إنه من خلال صنعه لتجربته الخاصة يضع حدودًا وقيودًا جديدة خاصة به وترسخ لإضافة معنى جديد لهذه الفلسفة بل ويعمل على تطويرها ومحاولة إثبات صحتها على الدوام. ومن خلال هذه الفلسفة خاصة يطل علينا الفنان أحمد عبد التواب بمعرضه في جاليري الزمالك وبعنوان "هي حرة".
لا يتناول الفنان في معرضه المرأة بصفة عامة لكنه يضع فلسفة خاصة لنظرته للمرأة فهي ليست جسد أو تكوين جسماني أو عنصر أنثوي، هو ينظر للموضوع بشكل آخر، ليس نوعي أو جنسي بقدر ما هو إنساني، أو ذا فلسفة ورؤية إنسانية خاصة.
"هي حرة" عنوان المعرض وإطار فلسفة الفنان ورؤيته للمرأة. التي نجدها محررة تمامًا في القطع النحتية من كل قيود وتقاليد المجتمع هي تنظر للأفق بنظرة أمل وحب للحياة. تقف على قاعدة التمثال راقصة الباليه مطلقة جسدها في الفراغ ومتعمدة على فقط قدم واحدة، هي ممشوقة وطويلة وترتدي الملابس الخاصة برقص الباليه. وكأنه أراد القول: إنها تريد أن تمارس هواية رقص الباليه، هي حرة. الفنان يعطي للمرأة تصاريح غير محدودة لكي تصبح في قاعة العرض على الأقل كيانًا محلقًا حرًا يمارس الحياة بدون أي قيود من جسد أو نظرة مجتمع أو تقاليد أو غيره. وقد اختار الفنان طريقته للتعبير عن هذه الفلسفة ولكي يخلص من خلالها المرأة من أي قيود، طريقة الأشكال الهندسية. فهي لا تخضع لشروط الجسد ولا لنظرة المجتمع ويستطيع التشكيل بكل حرية من خلال المثلث والمستطيل والدائرة أي شيء وأي مجسم. فكأن الفنان حر في ابتكار طريقته للتعبير عنها حريتها هي.
وفي مجال الحرية الواسع هذا استطاع الفنان أن يضعها في الكثير من الأشكال فهي جالسة تنظر للأفق، وواقفة بثقة، وترقص وكبيرة وصغيرة وضخمة ورفيعة وجسدها حر في الحركة أو الثبوت وتجلس في مركب وتقود الدراجة البخارية وتلعب الجمباز بخفة ورشاقة. هي حرة في شكلها وحجمها وتكوينها وأفعالها أيضًا.
الرقص كتيمة للحرية
وفي المعرض مجموعة من القصع لنساء راقصات. القطع خفيفة ورقيقة وتكاد تكون عفوية في حركتها. العفوية الرقيقة والمتناغمة لكنها بالطبع تعبيرات حركية مدروسة وليس الرقص بالمعنى الشعبي، إنه الرقص التعليمي أو الباليه ليس رقص الملاهي. استخدم الفنان تيمة الرقص للدلالة على معنى الرقي في هذا النوع من الفن الذي تمارسه المرأة. وللدلالة على حريتها الكاملة في ممارسته دون اعتراض المجتمع. لأنه لا يمثل انحطاط في الأخلاق كغيره من بعض فنون الرقص. لكنه يعطي معنى خاص في السمو والرقي. وضع الفنان في هذه التماثيل الرقيقة كل ملامح فن الباليه من إبداع فني ومهارات لا تأت بسهولة ولكنها تحتاج لزمن طويل لتعلمها، وأيضًا نتلمس في هذه القطع النحتية بالذات معنى الصرامة أو الجدية، فليس معنى أنه رقص لذا فهو نوع من العبث.
تجربة الفنان أحمد عبد التواب "هي حرة" حررت مجموعة القطع التي حوتها قاعة العرض من كل النظرات السلبية التي تقيد المرأة في الواقع. نقلت للتماثيل المعنى السامي للحرية بمعنى الصحيح المتفهم والفلسفي وليس بمعنى العبث أو المجون. تجربة ربما استطاعت المرأة من خلال مثيلاتها من القطع أن تعرف هذا المعنى العميق للحرية ولا تلتف مثل القطع لنظرة المجتمع أو قيوده.