القاهرة 08 مايو 2018 الساعة 11:11 ص
كتبت: هـنـاء زيــادة
لا يمكن إنكار حالة القلق العام التي باتت تجتاح العالم مؤخراً، حيال قضية البيانات الشخصية لمستخدمي شبكة الإنترنت، وتحدياً فيما يخص الطرق التي تجمع بها المواقع الإليكترونية تلك البيانات، ومن ثمَّ تقوم ببيعها لشركات أخرى تستغلها في الدعاية والتسويق، وأحيانا توجيه الرأي العام صوب قضايا وأفكار محددة، مثلما حدث في الآونة الأخيرة عندما قامت شركة كمبردج أناليتيكا باستخلاص بيانات ملايين المستخدمين لموقع التواصل الإجتماعي الشهير (فيس بوك)، حيث استخدمت بشكل غير سليم البيانات الشخصية لنحو 50 مليوناً من مستخدمي الموقع بغرض استهداف الناخبين أثناء الإنتخابات الرئاسية الأمريكية. فبيانات مستخدمي شبكة الإنترنت باتت تشكل كنزاً لا يمكن التخلي عن الاستفادة منه، من شركات الدعاية والترويج وجمع البيانات، صحيح أنه في أوروبا والولايات المتحدة تسمح القوانين لمثل هذه الشركات بجمع البيانات من المصادر المتاحة للجميع، مثل سجل الناخبين الذي يتضمن عناوين إقامة الأفراد، وسجلات الأراضي الذي تتيح بيانات عن ملكية الأراضي والمنازل، وأحيانا السجلات التي تقوم بجمعها بعض سلسلات المحال التجارية الكبرى عن زبائنها الدائمين، والقروض البنكية إذا توفرت، وغيرها من المصادر، ومن ثمَّ تقوم بيع بيانات هؤلاء المستهلكين لكبرى الشركات العالمية، لكن قوانين الخصوصية السارية في أوروبا، والتي من المقرر أن يتم تشديدها خلال الشهور المقبلة، تحصي كل الشركات التي تتولى جمع البيانات، وتتيح لأي مواطن أوروبي أن يطلب كل المعلومات التي بحوزة تلك الشركات عنه، متى إحتاج إليها أو طلبها، في حين أن القانون الأمريكي لا يمنح للمواطنين الأمريكيين الحق في هذا الإفصاح.
في عصر الإنترنت أصبح مجال جمع البيانات وتحليلها من أهم و أخطر المجالات وخاصة في الشركات العملاقة التي تحصل على بيانات ملايين الزوار، فتلك الشركات تقوم بتكوين صورة تفصيلية عن الأحوال المالية للأفراد وعلاقاتهم واهتماماتهم الشخصية وأذواقهم في التسوق، فعلى أساس تلك البيانات التي يتم جمعها يتم وضع أسس الآلية التي توزع من خلالها الإعلانات عبر شبكة الانترنت، ويمكن أن تستخدم أيضا في تحديد القضايا السياسية التي يهتم بها الناس واتجاهاتهم عند التصويت في الانتخابات. بعض هذه الشركات تجري استطلاعات رأي إلكترونية من مواقع الإنترنت، بعض الإستطلاعات يكون عشوائي ويستهدف قاطني مناطق معينة، وبعضها يكون بأسئلة جاذبة، وأحيانا تكون في صورة مسابقة يحصل فيها الفائز على جائزة، لكن في إطار اشتراك المستخدمين في الاستطلاع يستوجب ذلك تزويد الموقع بعدة بيانات عنهم، قد تبدو في ظاهرها بسيط أو سطحي، لكنها في غاية الأهمية لتلك الشركات، حيث يتم إستخدام هذه البيانات لاستخلاص قائمة من الاستنتاجات والميول، ومن ثمَّ يتم بيع هذه المعلومات للشركات الراغبة في توجيه الإعلانات للمستهلكين المحتملين. وقد ذكر تقرير لمؤسسة (إنترناشيونال داتا) المتخصصة في خدمات الأبحاث والاستشارات، أن الإيرادات العالمية للبيانات الضخمة وتحليلات الأعمال المبنية عليها قد وصل إلى 151 مليار دولار في عام 2017م ، كما أشار التقرير إلى أن أكثر الصناعات استثماراً في تلك البيانات الضخمة هي البنوك، والشركات المصنعة للسيارات والهواتف، فيما تحظى 4 شركات كبرى هي جوجل وفيسبوك وآبل وأمازون، بنحو 90% من هذا الكنز المعلوماتي.
الفضيحة الأخيرة التي هزت موقع فيس بوك، كشفت عن مدى الكيفية التي يتم من خلالها استغلال مستخدم الإنترنت تجارياً دون أن يدري، صحيح أن شركة فيسبوك قالت إنها ستنهي شراكاتها مع عدد من شركات الوساطة الكبرى في عالم البيانات التي تساعد شركات الإعلان على استهداف الناس على شبكات التواصل الاجتماعي. لن ينسى القائمون على موقع فيسبوك تلك الضربة الأخيرة والتي تعدّ الأكبر في تاريخه، حيث فقدت مؤسسة (مارك زوكربيرج) حوالي 37 مليون دولار بعد تراجع أسهم الشركة بنسبة قاربت 7%، وانخفضت قيمتها السوقية بنحو 40 مليار دولار، في أكبر تراجع منذ عام 2014م، كما تأثرت الشركات التقنية الأخرى مثل أمازون ومايكروسوفت وآبل، وتسبب الأمر في اتجاه كبير نحو تشديد الرقابة في الدول حول العالم على مواقع التواصل الاجتماعي لتوفير الحماية لبيانات مستخدميها. فبالنسبة لتلك الشركات فإن كل تفصيلة حياتية عنا تمثل جزء من كنز كبير، حتى إذا كنت توفر قدراً ضئيلاً من بيانات الشخصية أثناء استخدامك للشبكة العنكبوتية، وهذا بالفعل ما استغلته الشركة البريطانية (كامبرديج أناليتيكا) والتي مقرها في العاصمة لندن، وتعمل في مجال بيانات الإعلانات والحملات الانتخابية حول العالم، وعملت مع حملة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في عام 2016م، حيث استغلت بيانات مستخدمي الفيس بوك للتأثير عليهم وتوجيههم لانتخاب ترامب.
إن معظم الابتكارات التكنولوجية التي حدثت خلال المائة عام الأخيرة، رافقتها مفاجآت في سلامة الاستعمال، أصبح لاحقا من اللازم التغلب عليها، وثمة الكثير مما يجب القيام به لتقنين وتنظيم الحق في الخصوصية، ففضيحة (فيس بوك) قد تكون الأخيرة، لكن سبقتها الكثير من الاختراقات والتسريبات لبيانات المستخدمين، ففي عام 2016 م تم تسريب بيانات 3 مليون مستخدم لموقع ياهو، كما حدث اختراق آخر في نهاية العام للشركة نتج عنه تسريب بيانات 500 مليون مستخدم، وفي نفس العام تم اختراق موقع (ماي سبيس) وتسريب بيانات 427 مليون مستخدم. وتم اختراق وتسريب 117 مليون عميل في موقع (لينكد إن)،وفي عام 2014م تم تم تسريب بيانات 145 مليون عميل لموقع (إي باي)، وفي عام 2011م تم تسريب بيانات أكثر من 77 مليون عميل من موقع (سوني بي إس إن)، هذا بخلاف تسريبات وإختراقات أخرى لمواقع دروب بوكس، و تمبلر. وفي إطار السعي العالمي للحفاظ على بيانات مستخدمي الإنترنت فإن لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب، أقرت المادة 32 من مشروع القانون المقدم من الحكومة لمكافحة جرائم تقنية المعلومات، والتي تنص على أن "يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرين ألف جنيه، أو بإحدى العقوبتين، كل مقدم خدمة خالف الأحكام الواردة بالبند 2 من الفقرة أولا من المادة 2 من هذا القانون، وتتعدد عقوبة الغرامة بتعدد المجنى عليهم من مستخدمى الخدمة"، حيث يُلزم البند 2 مقدم الخدمة بالمحافظة على سرية البيانات التى يتم حفظها وتخزينها، وعدم إفشائها بغير أمر مسبّب من إحدى الجهات القضائية المختصة، للبيانات الشخصية لأى من مستخدمى خدمته، أو أية بيانات أو معلومات متعلقة بالمواقع والحسابات الخاصة التى يدخل عليها هؤلاء المستخدمون أو الأشخاص والجهات التى يتواصلون معها. بأي حال .. فإن المحافظة على بياناتنا تبدأ من استخدامنا ـ نحن ـ أولاً، وثانياً من خلال تشديد الرقابة على تلك المواقع التي تجمع البيانات، والتـأكد المستمر من احترامها للخصوصية وسرية المعلومات. ختاماً.. أؤكد أنه مخطئ من يتمادى في قوله، إنه لا يخفي شيئا ولا يخاف التجسس عليه. ففي إحدى الدراسات التي تم إجراؤها بشكل محدود على عدد من الطلاب بإحدى الجامعات الألمانية، اقشعرت أبدان الطلاب حين اكتشفوا حجم المعلومات المتعلقة بهم والتي يمكن التوصل إليها، عبر ما كتبوه على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وقد خلصت الدراسة إلى ضرورة التفكير مائة مرة في الأشياء التي يريد الشخص نشرها على الإنترنت، خاصةً في الوقت الذي يبقى فيه تجميع البيانات والتجسس على البيانات أكبر تحدٍ يواجه مستخدمي الإنترنت.